|
| رواية احبك الى الابد | |
| | |
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 4:57 pm | |
| أحِبُك إلى الأبد ************
الفصل الاول..." هل هذا هو الحب؟؟"
- ميرا ، ميرا..
- نعم؟
- هل ستحضرين الحفل؟
- أي حفل؟
- الحفل الذي ستقيمه صديقتك نداء..
- أجل
- هل يمكنني مرافقتك؟ - كلا يا سعاد، لا زلتي صغيرة!.. ثم إنها لم تدعك..دعتني أنا فقط..
ونظرت إليها سعاد بوجهها الطفولي البريء..
- كلا يا سعاد..آسفة!
- أعدك لن أشاكس...سأجلس بهدوء..أرجوك!!
ونظرت إليها ميرا بحزن عميق وقد عصفت في جوفها ريح حزينة...
(وهل تستطيعين الوقوف؟!)
- اعرف يا عزيزتي، ولكن مع ذلك إنها اكبر منك..ولم تدعك!!
وطأطأت سعاد رأسها..وعادت ورفعته ونظرت بعيني ميرا وقد غصت في جوف مآقيها عبرة..وألقت بسمه زائفة واهنة على شفتيها..
- حسنًا ..لا بأس..
وأنكست ميرا رأسها بأسف وألم.. وفتحت فاهها كي تنبس بكلمة.. ولكن..قاطعها صوت أصيص الكرسي المتحرك..خارجًا من الغرفة....يبكي عثرات سعاد...
واعتلتها ذكرى أثارت في عينيها الدمعات..فحركت رأسها بسرعة كي ترميها خارجًا .. ووقفت بقوة واتجهت إلى المرآة وبدأت بوضع مساحيق التجميل متظاهرة بأنها لا تأبه..ولا تذكر..ولكن لبها وحركة يديها السريعة المتوترة قالا غير ذلك...
فلطالما بكت على سعاد...تلك الزهرة الندية التي سلبتها الصدفة حق الوقوف والسير .. ولا زالت تتردد في رأسها صورة تلك الفتاة التي وقعت من على شرفة غرفتها حين حاولت هي ممازحتها...ولا زال صوت صرختها وصوت ارتطامها بالأرض يتصدع في أذنيها..
وهي ليست تدري لماذا كلما تذكرت يجتاحها الألم هكذا فجأة...ويجتاحها الشعور بالذنب..
وأكملت زينتها..وانتبهت للمرآة ودققت نظرها بهذا الوجه الجميل الذي تعكسه معالمها ..ومسحت بأناملها على وجنتها بهدوء .. وكأنها تتأكد من أن هذا الوجه لها وليس لأي كان!!
وكشفت شفتاها عن ابتسامه سرعان ما خطفتها الأحزان...
واتجهت نحو خزانة ملابسها واختارت لها فستان اسود قصير ضيق يُظهر معالم أنوثتها ويُبرز نهديها وردفيها.. لطالما شعرت بأنها الأنثى الوحيد في هذا البيت.. وساقتها عيناها إلى ساقيها الممشوقين..وشعرت بفتيل يحترق في جوفها
( لما تكون لي هكذا ساقين ولها لا؟!!)
فركضت إلى الخزانة وأخرجت منها حذاء اسود..آملة لو تطفئ نار الفتيل بالحذاء..لو تسحقه وتدمره.. ولكن ما إن وضعته في قدميها حتى ازداد اشتعال الفتيل وفجر في عينيها دمعه.. مسحتها بسرعة قبل أن يلحظها احد..وخاصة سعاد!!
وخرجت من غرفتها بخطىً حزينة مثقله...
- تبدين رائعة..
( وأنت على ساقيك هاتين!!)
قالت سعاد والبسمة لا تفارق وجهها..
- شكرًا يا عزيزتي ... أنا خارجه يا أمي ولن أتأخر..
ولم تأبه لما همهمت به أمها.. فقد كان كل ما يهمها هو أن تبتعد من وجه أختها سعاد!!
* * *
- كفاك تأففًا يا نبيل، انه حفلا راقصا.. إفرح يا رجل، ارقص!!
- لا زلت لا اعرف لماذا أتيت بي إلى هنا، انه حفل أختك.. ومالي أنا بها؟
- هل نسيت بأنها تُحبك يا مسكين!!
- وما ذنبي أنا؟ .. لست اعرف ما هو الحب ولا أريد أن اعرفه.. فلتحب أختك شخصا آخر...
- ذنبك انك وسيم... ثم أي شخص آخر؟ أنت معشوق البنات يا رجل..
- أي بنات؟ ومن قال لهن أن ينعتنني هكذا؟؟
ونظر جواد إليه ثم رفع إصبعه وضرب به ضربه خفيفة على شفتي نبيل العابستين...
- هذه الابتسامة يا محظوظ..
وابتسم نبيل بسخرية...
- كفاك جنونًا .. دعنا نغادر..دعنا نعود إلى منزلي نشاهد بضع أفلام أكشن أو نذهب إلى أي مطعم لنأكل..
- دعك من هذا يا نبيل، أعدك بأنك ستجد قلبك الضائع هنا..انظر إلى هؤلاء الفتيات الرائعات..هيا إختر لك واحده..
- إختر أنت ..أنا لا وقت لي للحب والعشق وكل هذا الجنون...
- انظر...انظر.. ما رأيك بتلك..صاحبة الفستان القرمزي.. أليست جميله؟!
وأشار إلى أخته نداء..
- بلى..جميله جدًا.. ولكن..دعك من هذا يا جواد.. أنا مغادر هل تريد أن ترافقني أم ستبقى هنا تشاهد البنات يا زير النساء؟
وخطا خطوة واحدة نحو باب الدار بعد أن أشار إليه جواد إشارة مبهمة من يده وعيناه محدقتان في البنات.. وما كاد يخطو خطوته الثانية حتى دق جرس الباب.. فتسمر نبيل في مكانه ينتظر ليرى من أتى الآن ...في وقت رحيله...
وركضت نداء بفستانها القرمزي الرائع وبمرحها المعهود نحو الباب وحركت قبضته الحديدية بتروي..
- آسفة على تأخري..
- لا بأس يا عزيزتي..تعالي ندخل..
واتجه جواد نحو نبيل الذي كان لا يزال يقف مكانه فاغرًا فاهه ينظر إلى باب الدار المغلق..واضحك منظره هذا جواد فانطلقت من بين شفتاه ضحكه قويه...
- ما بك يا رجل؟!
ورفع نبيل له يده مشيرًا إليه بان يصمت..
- أظنني رأيت ملاكًا يا جواد!!
ونظر إليه جواد ببلاهة ثم قال:
- ملاك؟ أي ملاك؟! ما بك يا رجل؟؟ وتمتم نبيل ببضع كلمات غير مفهومه .. ثم قال بجديه:
- جواد..أظنني وقعت بالحب...
فأطلق جواد صرخة فرح:
- الله عليك يا رجل.. الم اقل لك بأنك ستجد قلبك الضائع هنا؟!!
وجعل يتلفت ذات اليمين وذات اليسار...
- ولكن من هي سعيدة الحظ يا معشوق البنات؟ وانتبه نبيل من شروده ثم التفت إلى غرفة المعيشة ونظر إلى تلك الفتاة صاحبة الفستان الأسود القصير.. وقال:
- إنها ملاك...كم هي رائعة!!
- من،.. من هي يا نبيل؟ ورفع نبيل سبابته مشيرًا إليها وعيناه تلمعان بنور الهي...
وابتسم جواد..
- يا أهبل.. لقد وقعت في حب ميرا!!
والتفت إليه نبيل..
- ميرا؟ (لماذا اسمها ليس ملاك؟!)
- نعم ميرا .. إنها فعلًا ملاك!!
وطأطأ رأسه بهدوء.. وشرد بعيدًا..
- هل لا زلت تريد الرحيل يا نبيل؟..نبيل..نبيل!!
وهزه من كتفه بقوة..
- ها؟ ماذا؟ هل تحدثت إلي؟
- أين كنت شارد يا عشقان؟؟
- لا...أقصد لم أكن شارد..أنا لست... لا تهتم.. ماذا كنت تقول؟
وابتسم جواد ابتسامة ماكرة كشف فيها عن أسنانه البيضاء.. ثم أردف:
- كنت أسالك إذا لا زلت تريد المغادرة..
- لا..لا لا أريد المغادرة..دعنا ندخل ونكلمها..
- لا يجوز يا رجل...ليس هنا!!
- أين إذًا؟؟
- لا اعلم.. ولكنني لن أخاطر وأعرضك أمام الفتيات الآن.. يا معشوق البنات..
وأطلق ضحكه بلهاء...
* * *
خرجت ميرا من الحفل قبل الجميع، فهي لا تريد أن تتأخر لأنها إذا تأخرت ستُعاقب...
( يا ليتني مثل باقي الفتيات.. استطيع البقاء إلى ريثما أريد!!)
كانت تسير على مهل.. وكانت تسير الأفكار في رأسها بسرعة فائقة..
(فعلًا كان فستان نداء رائعا، أجمل من فستاني هذا.. ولكنها ليست أجمل مني بالمرة..والطعام لم يكن لذيذا.. كان حفل كبير مع أن لا مناسبة له، وماذا يعني لو كانت عائلة نداء فاحشة الثراء وعائلتي لا؟ قد أقيم حفلًا أروع وأجمل من هذا بكثير.. وستفرح سعاد... ما بالي اذكر سعاد الآن؟.. لماذا لم اسمح لها بالمجيء؟ .. يا لي من فتاة أنانيه!!)
وقطع سلسلة أفكارها صوت خطوات..ثم هواء ساخن يلامس وجنتها الباردة.. وصوت لم تسمعه من قبل..
- إنها ليلة رائعة أليس كذلك؟؟
والتفتت إلى مصدر الصوت وأهالها ما رأت... انه نبيل معشوق البنات يكلمها لها... واعتلاها خجل مريب فطأطأت رأسها وألقت بنظراتها إلى الأرض.. وشعرت بنبيل يستوقفها..
- اسمعي.. لاقني غدًا الساعة الرابعة عند مخرج مدرستك الثانوية.. هناك أمر أريد أن أحدثك فيه..
واستدار ومشى، حتى قبل أن يسمع جوابها.. وتركها هناك صريعة هذا الخوف اللذيذ الذي يمتلك أوصالها.. وصريعة هذا المشهد النوراني الذي أتى..ورحل!!
وتعالت نبضات قلبها الصغير فأسرعت الخطى حتى تهرب بنفسها من هذا الليل الحزين.. خوفًا من أن يسرق من بين أحضانها هذه اللحظة الدافئة..
ودخلت البيت دون أن تطرق الباب..
- ما بك؟ لما تلهثين؟ لا تخافي.. لم يصل أبي بعد..
- ماذا؟ أبي؟!.. آه.. لا ليس ذلك.. فقط أريد أن ادخل وأنام..
ونظرت سعاد إلى ساعتها باندهاش ثم قالت:
- ماذا؟ تنامين؟!.. لا زال الوقت باكرًا..
- لا بأس.. لا يهمني.. أريد فقط أن أنام.. وأرجوكم لا تزعجوني...
وجرت مسرعه نحو باب غرفتها.. وقبل أن تدير قبضته سمعت صوت أمها يناديها:
- ميرااا..ميرا صغيرتي، تعالي إلى هنا!!
- هففف.. أنا آتيه يا أمي..
وسارت إلى أمها منكسة الرأس..فقابلتها أمها بابتسامه عذبه..
- كيف كان الحفل يا صغيرتي؟؟
- عادي..
- عادي؟! إنهم أغنى عائلة في البلد وتقولين عادي؟!
( اصمتي أنت يا سعاد.. لست أقوى على أن أجيبكما الآن)
وقالت موجهه كلامها لسعاد:
- اجل عادي.. وهل في ذلك عيب؟!
- كلا يا صغيرتي..ولكن سعاد تقصد..
- لا يهمني يا أماه.. اتركوني وشأني أريد أن أنام.. غدًا أخبركما عن الحفل!!
ودخلت غرفتها مسرعة وأغلقت خلفها الباب.. ثم أدارت فيه المفتاح.. وقبل أن تبدل ملابسها نظرت إلى نفسها في المرآة..
( فعلًا أنا جميله.. ولكن هل يعقل بان يكون نبيل قد أعجب بي وبجمالي هذا؟؟!)
وعضت على شفتيها بشدة..حتى كاد الدم ينزف منها.. وقالت بصوت مخنوق:
- نبيــــــــــــــــــــــــــــل !! | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 5:01 pm | |
| الفصل الثاني.."نبيل لي أنا"
- انه صباح جميل أليس كذلك يا أمي؟
- بلى انه كذلك..
- وماذا سنأكل على الفطور؟
- لا أعلم اسألي نانا نجيه!!
- نانا...نانا...
- نعم يا حبيبتي؟
- هل أعددت الفطور؟
- نعم يا بنيتي.. اذهبي وأيقظي أخيك جواد كي يأكل..
- كلا دعيه ينام بعد!!
- يا لك من كسولة...
ودخل جواد من باب المطبخ، وكان لا يزال بملابس النوم وشعره منفوش.. وتثاءب ثم قال:
- سمعت اسمي.. من كان يتحدث عني؟
- أنا ونانا نجيه..كانت تطلب مني أن أوقظك كي تشاركنا الفطور...
- اجل،اجل..لا بأس ها قد استيقظت وحدي...
وجلس جنب نداء على طاولة الفطور..وبدأ يأكل بشراهة.. كأنه لم يأكل منذ شهر..
- إذًا يا أخي العزيز.. كيف كان الحفل؟
- كان حفلًا رائعًا .. وكل ذينك الفتيات..يا الله ما أحلاهن..
فوضعت نداء يدها خلف رأسها ورفعت انفها لأعلى ثم قالت بصوت رقيق مقلدة صوت إحدى الثريات المتعجرفات..
- ولكنهن ليسوا أجمل من أختك...
فضحك جواد وقال لها:
- بالمرة..كنت الأجمل.. وفستانك كان أنيقًا ورائعًا.. أراهنك بان كل الفتيات حسدنك عليه...
فابتسمت نداء ثم طأطأت رأسها خجلًا وأردفت:
- وما رأي نبيل؟
- رأي نبيل بماذا؟
- بالحفل....وبي؟
- لا اعلم.. قال بأنك جميله جدًا ولكنني أظنه قال لي بأنه وقع بالحب..
فغرت نداء فاهها فرحًا..
- حقًا، حقًا.. هل قال لك ذلك؟
- أجل، قال بأنه رأى ملاكًا..
- يا الله.. انه يفهم بالجمال..
وضحكت بخفه ومرح..
- واحزري من كان الملاك!!
- من؟!
( أرجوك قل لي بأنه وقع في حبي أنا...وباني أنا الملاك.. يا الله كم هو رائع لو كان نبيل معشوق البنات لي أنا....روعة!!)
- من؟! من؟! من؟!
- ميرا...
وصمتت نداء قليلًا.. بعدما شعرت بقصور أحلامها تتهدم ثم أردفت:
- ميرا سليمان؟!
- ميرا سليمان.. لا غير!!
- ماذا؟! ومن أخبرك بذلك؟؟
- من سيخبرني؟ طبعًا هو..نبيل!!
- آه.. اجل..طبعًا...حسنًا.. أنا لا أريد أن افطر .. عن إذنك..
- إلى أين؟.. انتظري، أنت لطالما عرفتِ بأن نبيل لم يفكر بك حتى...
- نعم، أعلم...أنا مجنونة لأني اعتقدت بأنه ممكن أن ينظر إلي..
ثم أردفت بغضب:
- ثم من سيقف أمام جمال ميرا سليمان؟؟.. تبًا لها.. إنها لا تستحقه.. ما كان علي أن ادعوها إلى هكذا حفل..
وخرجت غاضبة .. تاركة الفطور كله لجواد، أما جواد فلم يهتم لها وأكمل فطاره..
* * *
وقفت أمام مرآتها تتأمل نفسها... هذه المرة لم تتبرج بالمرة.. إنها تحب أن يراها نبيل على طبيعتها..وأسدلت شعرها البني الاجعد على ظهرها..فلم تهتم لقصعه أو لترتيبه.. هكذا أحلى..وارتدت فستانًا خفيفًا، قصيرًا وفضفاضًا..
(إني حقًا أبدو رائعة)
ثم تعطرت وخرجت مسرعة من الغرفة..
- إلى أين أنت ذاهبة؟؟
سألتها سعاد..
- ممممم.. أنا.. سأذهب إلى الدكان هل تريدين أن احضر لك شيء؟!
- خذيني معك!
- ماذا؟..كلا!!
- لماذا يا صغيرتي؟.. لم تخرج سعاد مؤخرًا من البيت.. خذيها معك وستستنشق الهواء النقي..
- ولكن أمي...
- هيا يا صغيرتي..كوني مطيعة..
- مممم..كم الساعة الآن؟
- إنها الرابعة إلا عشرة دقائق..
قالت سعاد بفرح..
- آسفة يا سعاد..إلى اللقاء..
وخرجت مسرعة من الباب دون أن تهتم لما صرخت به سعاد..ولما همهمت به أمها..فكل مل يهمها هو نبيل..
ومع ذلك لم يتركها ضميرها ولا عقلها تهنأ..
(كم كنت غبية..وقاسية وأنانية!!.. ترى ما هي فاعلة الآن؟؟..ربما هي تبكي حظها في حضن أمي.. أو ربما عادت إليها نوبة الجنون تلك.. وبدأت تصرخ:"أريد أن أسير..أبعدوني عن هذا الشيء الجامد ذو العجلات!")
وعادت إليها الذكرى..وإذ بصرخة سعاد تدوي بأذنيها..ولا شعوريًا رفعت يديها..وسدت أذنيها وأطلقت ساقيها للريح..حتى اصطدمت بشيء..ورفعت بصرها الخائف..إنه..إنه نبيل.. معشوق البنات..
(يا لي من غبية!!)
وطأطأت رأسها بخجل..فابتسم نبيل..
- أهلًا ميرا..كيفك؟
- بخير الحمد الله..
- جيد..
وصمت لبرهة ثم أردف..
- أجمل شيء في مدرستكم هو المكتبة.. ثم ملعب السلة..
- أجل..
- كنت أحب القراءة كثيرًا.. ولطالما كانت هذه المكتبة مرجعي الوحيد..
- وهل لعبت كرة السلة؟؟
- أجل.. أثناء كل سنواتي الثانوية..
( آه..الآن عرفت من أين لك هذه القامة!!)
- وأنتِ؟
- أنا لا ألعب كرة السلة..
فضحك نبيل ثم قال:
- كلا، ليس هذا ما قصدت!!.. وأنتِ ماذا تحبين؟
فنظرت إليه بشغف..
(أحبك أنت يا معشوق البنات!!)
وقالت:
- أحب كل شيء..
- كل شيء؟!
- كل شيء..
- وما الذي تحبيه أكثر؟؟
- لا أعلم..ربما السباحة..
- أوتجيدينها؟
- نعم..
- رائع، أنا أجيدها أيضًا..ينتابني أجمل شعور وأنا أسبح.. أن تكون لك القدرة على أن تتغلبي على قوة البحر..
ثم نظر إلى السماء وأضاف:
- وقوة الجو!!
- أجل
وطال الصمت بينهما إلى أن نبست هي:
- نبيل..
- نعم؟
- ما الذي كنت تريد إخباري به؟.. أعني..أنت لم تأتي بي إلى هنا كي تخبرني بأنك تحب القراءة وكرة السلة والبحر..
فابتسم نبيل برفق ثم قال:
- أجل هذا صحيح!! وتنهدت تنهيدة واسعة الأرجاء ثم قالت:
- إذًا.. ما الذي كنت تريد إخباري به؟؟ وتوقف قليلًا ثم نظر إليها وقال:
- ميرا...أنا...أنا..أنا أحبــك!! ودار بها الكون مليون دورة..وعصفت في أوصالها ريح قوية باردة..واشتعلت في قلبها نيران ساقعة..
- ماذا؟! تحبني؟؟..كيف؟..أقصد لماذا؟..أقصد أنت بالكاد تعرفني!!
- أعلم، أعلم.. ولكنني كنت دائمًا معشوق البنات ويومًا لم أنظر إلى إحداهن..حتى رأيتك بالحفل..أنت غير!!
- بالحفل؟؟ أي حفل؟
- الحفل الذي أقامته نداء!!
- أكنت هناك؟..لم أرك!!
- أعلم.. فقد كنت وأخيها جواد في غرفة أخرى.. نشاهد الحفل..
- حلو!!
- ميرا...اسمعي..أنا لا أطلب منك أن تبادليني الحب..وعلى الأرجح لست كذلك.. لذلك أريدك أن تفكري جيدًا بهذا الأمر..ثم..أنت الوحيدة ستكونين صاحبة القرار؛ فيما إذا كنت تريدين أن تكوني برفقتي أو لا.. ولكن أرجوك.. إياك أن تقبلي فقط لأني أكون " نبيل معشوق البنات " !!..أو كي تثيري غيرة باقي الفتيات..إن أردتني لك عليك أن تحبيني من أعماق قلبك..وإن أحببتني بصدق.. يومًا لن أتخلى عنكِ!!
- حسنًا.. ومتى تريد أن تسمع جوابي؟؟
- متى أردت..أن سأمر يوميًا على المدرسة الثانوية.. وعندما تقررين كلميني وأعلميني بقرارك..ولكن إياك وأن لا تهتمي..أرجوك!!
- حسنًا..أنا سأعود الآن إلى البيت..أراك لاحقًا...
وسارت مسرعة..وما إن ابتعدت حتى رفع يده ولوح لها وقال بصوت غير مسموع:
- إلى اللقاء..يا حبيبتي!!
* * *
- لماذا أنتِ غاضبة؟
- لا شيء..اتركني وحدي..
- بلى أنا أعرف بأنك غاضبة من نبيل..فمنذ أخبرتك عنه هذا الصباح وأنت لست كما عهدتك..تتصرفين بعصبية وغضب..
- نبيل؟ إنه مغفل!! دع ميرا ملاكه الزائف تفده!!
- ماذا هناك؟ هل هي الغيرة؟
- اصمت أنت!! إنه الحب..
- وما أدراكِ بالحب؟!
- إني أحبه يا جواد..أحبه!!
- كلا.. لست تحبينه، أنت فقط تريدينه لك..مثله مثل كل ما في هذا المنزل الضخم.. فمنذ صغرك وأبي يحقق لك كل ما تطلبين، ويأتيك به.. فكيف استطعت أن تملكي كل هذا المال والجاه والقصور ولم تملكي نبيل؟!!
- جواد!! قالت بغضب:
- اصمت..كفى
- نعم يا نداء.. نبيل معشوق البنات بات ملكًا لغيرك!!
- قال معشوق البنات قال!!..ذلك الوغد.. وصمت جواد ثم نظر إليها بعطف الأخوة وقال:
- كفى يا نداء..نبيل ليس لكِ، تقبلي الواقع..معشوق البنات بات عاشق ميرا الآن..
- ميرا..ميرا..ميرا..تلك الفاشلة، لقد سرقته مني!
- كلا لم تفعل..إنه يومًا لم يكن لكِ كي تقوم هي بسرقته! وصمتت نداء..لطالما كان جواد يُحسن إقناعها..
- إهدأي الآن.. لا شيء يستحق كل هذه العصبية... وصمت جواد ثم أمعن النظر إليها.. وتهيأ له بأنه يرى ظلال بسمة على شفتيها..
- جواد؟
- نعم؟
- هل تريد أن تكون معشوق البنات؟ فمسح جواد بيده على شعره الأشقر ثم قال بمرح:
- أنا معشوقهن منذ زمن..
- كفاك مزحًا..أنا أتكلم بجدية..هل تحب لو تنعتك الفتيات بمعشوق البنات؟ فعضّ على شفتيه وفكر قليلًا ثم قال:
- أجل..أحب بشدة.. فاتسعت ابتسامة نداء الماكرة وقالت:
- لك ذلك إن أبعدت ميرا عن نبيل... | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 5:05 pm | |
| الفصل الثالث "ماذا أقول؟!"
كانت قد عانت الأمرّين في الليلة الفائتة.. فقد أصيبت بالأرق ولم تغمض لها جفن..نبيل...إنه السبب، كلما أرادت أن تغمض جفناها طلّ لها طيفه النوراني..وابتسامته الرائعة.. لقد فكرت طويلًا بما طلب منها.. ومع ذلك فهي لم تقرر بعد..إنه نبيل معشوق البنات..لها وحدها..ولكن مع ذلك عليها أن تتأكد أولًا بأنها تحبه..
أجل لقد أحبته من القصص التي حكتها البنات عنه.. ولمحته مرّة أو مرّتان..ولكن هل هذا هو الحب؟؟!..
وبعد هذه الليلة الشاقة ها هي تستيقظ على صوت صراخ!!..
نهضت مفزوعة من السرير وجعلت تركض بالبيت باحثة عن مصدر هذا الصراخ..وأخيرًا عندما وجدت صاحبته لم تتعجب..لأنها ألفت هذه الحال...
لقد كانت هذه أختها سعاد..وكانت هذه إحدى نوبات حزنها... وأمها لم تكن بالبيت كي تهدئها.. وأبوها خرج للعمل باكرًا.. ولم يكن بالبيت سواها ليعتني بهذه الصغيرة المسكينة!!
- أريد أن أسير.. أبعدوني عن هذا الشيء الجامد ذو العجلات..آآآآآآه!!
- سعاد، سعاد عزيزتي ما بك؟ فنظرت إليها سعاد باشمئزاز والدموع تغرقها من رأسها حتى أخمص قدميها.. وصرخت بوجهها:
- وما ليس بي؟!.. طبعًا أنت لست تعانين كما أعاني أنا...كل يوم بحفل...ولديك قدمان .. وتسيرين عليهما!!
- سعاد.. ما الذي تقولينه؟!
- أصمتي.. لست أريد أن أسمع صوتك.. فأنت تثيرين حنقي.. أنت ولدتِ مع كل شيء وأنا ولدت بلا شيء..ولدت كي أتعذب أنا وأراكِ قربي تمرحين..أبكي أنا وأنت جنبي تضحكين!!
- إذًا أتهدئين إن بكيت؟ أتسعدين إن تعذبت؟؟
- إذهبي إلى الجحيم يا ميرا واتركي لي ساقاك.. واعتلى ميرا الغضب وفقدت السيطرة على أعصابها وعلى لسانها..
- خذيهما إذا أردتِ.. ولكن كفاكِ تذمرًا.. ألا تفهمين؟ كان كله مجرد حادث، هذا ما أراده الله لكِ.. هذا ما كتبه الرب عليكِ..
- أنت السبب..أنت السبب في كل ما حدث لي... أغربي عن وجهي أيتها الشمطاء القذرة..لا أريد رؤيتك بعد الآن..أغربي عن وجهي أنتِ وساقاك الممشوقتان!! وهالها ما سمعت...لطالما اعتلاها الشك بأنها هي السبب ... ولكنها أول مرة تسمع هذا من سعاد..وجمدتها الصدمة وجمدت أوصالها.. وشحب وجهها وفغرت فاهها وركزت أنظارها على سعاد.. (ماذا؟! ماذا تقولين يا سعاد؟؟.. ارحميني!! لا تحمليني عظمة هكذا ذنب..)
- ألم تسمعيني؟.. قلت لك أخرجي..أخرجــــــــــــي!! وما كان من ميرا إلا أن انفجرت ببكاء مر.. أجهشت فيه.. ووضعت يديها على وجهها واستدارت بجسدها عائدة ركضًا إلى غرفتها... وعندما وصلت أغلقت خلفها الباب ورمت بجسدها المثقل بالذنب على السرير.. واسترسلت ببكاء متواصل عميق القرار.. (سامحني يا رب!!.. سامحني أرجوك.. فأنا لم أقصد أن أدفعها عن الشرفة... سامحني يا رب.. خد قدمي وأعطها..خذ روحي وأهدها..سامحيني يا سعاد.. أنا آسفة..آسفة..آســـــفة) وظلّت تبكي فترة من الزمن ليست تعرف مدتها.. حتى التقطت أذنها صوت صرير كرسي متحرك.. وصمتت.. ثم سمعت طرقة على باب غرفتها..
- أتركوني وحدي.. لا أريد أن أكلم أحد!!
- أنا سعاد يا ميرا..
- ابتعدي من هنا.. لا تكلميني.. وفتحت سعاد الباب بهدوء ثم دخلت إلى غرفة ميرا..
- ميرا..
- قلت لك اتركيني وحدي..لست أقوى على أن أسمع بعد عبارات التأنيب..ألا تظنين بأن ضميري يؤنبني ليل نهار على ما حصل؟! لست تنقصينني يا سعاد..فقط أخرجي!!
- أنا آسفة!! (ماذا؟ آسفة؟؟ من أنت؟؟ أنا التي يجدر بها أن تكون آسفة!!)
- كلا..أنا الآسفة..
- لم أقصد أن أحملك الذنب ولكنني فقط..لست أدري ما بي..ولكن لما أنا؟! وصمتت ميرا لوهلة ثم قالت لها:
- ماذا؟
- لماذا أنا؟!
- أنتِ؟؟..لأن..لأن..لأنه يحبك!! أجل..أجل لأنه يحبك.. فنظرت إليها سعاد بتعجب..ثم طأطأت رأسها بخجل..وصمتت.. أرادت لو تسمع بعد!!
- حقًا؟؟..حقًا يحبني؟!
- أجل، أنا أكيدة.. ألا تذكرين كم كانت تخبرنا أمي بأن الله إذا أحب عبدًا أنزل فيه المرض والعذاب؟؟!
- بلى أذكر...
- إذًا هو يعذبك.. لأنه يحبك!! وابتسمت سعاد.. وكم كانت ابتسامتها شافية لقلب ميرا المفجوع..
- إذًا قد يقبلني في رحاب جناته؟؟
- أجل..قد يقبلك.. وشردت سعاد بعيدًا والبسمة لم تفارق وجنتها المحمرة..ثم صوت صرير الكرسي..وها هي تخرج...
* * *
- هل صحيحا ما سمعنا؟؟
- وماذا سمعتي؟!
- بأن نبيل معشوق البنات بات عاشقًا لك!! توقفت ميرا عن المشي ونظرت إلى وجه نداء الماكر..
- ماذا؟!.. من..من أخبرك؟؟
- لا بأس..لا تخافي أنا أعرف كل شيء..ألا تعرفين بأن نبيل هو صديق أخي جواد؟؟
- آه ..أجل صحيحًا أخبرني بذلك نبيل..
- حقًا؟!...إذًا هل أصبحت رفيقته؟؟
- كلا...ليس بعد!! فردّت عليها نداء بفرح..
- يا لك من خبيثة!! هل رفضت نبيل معشوق البنات؟؟
- مممم...كلا!!
- ماذا إذن؟
- لم أقرر بعد...
- آه .. وماذا حدث بينكما بالضبط؟ هيا أخبريني..وعلى ما أنت عازمة؟؟ وتعجبت ميرا.. (ما بها؟! لماذا تمطرني بكل هذه الأسئلة؟؟ فلست أنا صديقتها المقربة ولا هي أقرب صديقاتي..أم أنها تريد قصة أخرى لبطلها نبيل؟!) واعترى ميرا الغضب.. (إذن ستهتم لي البنات الآن فقط لأجل نبيل؟!)
- لا شيء... لم يحدث شيء يُذكر..
- وهل تحبيه؟! هاها طبعًا تحبيه فهو معشوق البنات.. إذًا ها قد بدأت نداء تستفز ميرا..ونثيرها..وويلها منها إن غضبت..
- كفى لو سمحتِ.. لست أريد أن أتحدث في هذا الموضوع..ثم أنه ليس من شأنك..
- وماذا يعني لو أحبك نبيل..أتتكبرين علي يا ميرا؟!..أردت فقط مساعدتك..فعلًا خيرًا اعمل، شرًا تلقى..بنات آخر زمن!! وذهبت من وجهها وتركتها في هول الصدمة...
* * *
- ما بك؟ لماذا تنظر إلي هكذا؟!
- ها؟...لا..لا شيء!! وصمتا لوهلة ثم عاد جواد ليتكلم...
- نبيل؟
- أجل...
- ماذا حدث بينك وبين ميرا؟!
- لم أعرف ما قررت بعد ولكن صدقني أحبها من كل قلبي.. فماذا سيحدث لي إن رفضتني؟ وضحك جواد بألم ..
- لن ترفضك...أنت معشوق البنات..
- لا أعلم.. ولكنها ليست كباقي البنات..
- نبيل...أريد أن أخبرك شيئًا..
- تفضل..
- أنا آسف!!
- ماذا؟ على ماذا تأسف؟؟
- هل لك أن تسمعني حتى النهاية؟ أرجوك لا تقاطعني وستفهم كل شيء بسياق الحديث..
- حسنًا، أكمل..
- أنا آسف..لأنني...لست أعرف من أين علي أن أبدأ!!
- ابدأ من البداية يا رجل..
- حسنًا وشهق جواد شهقة عميقة ثم أضاف:
- اسمعني جيدًا..أنا آسف لقد أخبرت نداء أختي عنك وعن ميرا!!
- ماذا؟؟ لماذا يا رجل؟!
- نبيل..أرجوك لا تقاطعني وإلا لن أكمل..
- آسف..أكمل هيا..
- حسنًا اسمع.. عندما أخبرتها لم أكن أعلم بأنها قد تفعل ما فعلت..نداء باتت الآن حاقدة عليكما..ليس من عادتها أن تحقد.. ولكن لا أعلم ماذا حدث لها.. والأهم من هذا كله أنها طلبت مني أن أبعدك عن ميرا ... وبالمقابل...بالمقابل سوف تعطيني...سوف تجعلني..معشوق البنات!!
- ماذا؟؟
اسمعني حتى انهي كلامي أرجوك!!..المهم... أنا طبعًا لست أوافق ولن أوافق.. لأنني لست على استعداد بأن أخذل صديقي الحميم وأعذبه فقط لأجل أنانية أختي..لذلك سامحني أرجوك..وإن وافقت ميرا فأخبرها بأن لا تقترب من نداء بعد الآن...
* * *
كانت الشمس تُشرف على المغيب..وها هي تجلس لوحدها في غرفتها تفكر في نبيل..لقد رأته اليوم أثناء عودتها من المدرسة والتقت عيناهما.. وكم كانت رائعة ابتسامته.. وكم بدا لها وسيمًا... أجمل من ذي قبل..وها هي حالة سُعاد أختها بدأت تستقر..ليست تعلم ما الذي حدث لها ولكنها باتت أكثر مرحًا الآن..وتظنها تقبلت كونها مقعدة... وقد فارقتها نوبات الحزن.. فها هو أسبوعا آخر يمر..ولم تلحظ أثناءه حتى دمعتها...إذن انه الوقت الأنسب لتفكر بقرارها اتجاه نبيل... واستلقت على سريرها واضعة يداها تحت رأسها..وأطلقت لأفكارها العنان.. (لماذا يريدني أنا؟، أنا يومًا لم أؤمن بالحب..فكيف سأؤمن بأنه يحبني؟ لربما هو فقط أعجب بي من بعيد، أو..يا الهي..ماذا سأقول؟..لا..طبعًا لا..يا لي من غبية وهل أفكر بهذا مرتين؟! لا هو جوابي النهائي..ولكن كل الفتيات تحببنه..و..ولربما إن وافقت سيحسدنني عليه!!..بماذا أفكر؟ منذ متى وأنا أهتم لكلام الناس؟؟..لا تقنعي نفسك .. طبعًا تهتمين..كلام الناس هو من صنعك!! كلا..كلا وألف كلا..أنا صنعت نفسي بنفسي..حسنًا لربما أعرت الناس القليل من الانتباه ولكنني يومًا لم أفعل ما قالوه.. ولكن ما يهمني الآن هو لماذا شعرت بهذه النشوة في جوفي حينما علمت بأنه يحبني؟! أهذا هو الحب؟! ..كلا هاها.. أي حب؟؟ هذه هي نشوة الانتصار..أجل فاستحواذك على قلبه..ووقوعه في شباكك يرضي غرور الأنثى لديك.. وغدًا ستخبرين صديقاتك بأنك أوقعتميه في شباكك..وسيحسدنك لذلك..وسيتمنون جميعهن لو يكن مكانك.. فكلهن يحببنه..ولكن..إن بادلته الحب فعلي أن أخفي حبي له ولا أخبر به أحد..وإن تركني يومًا ما.. فماذا سأربح إن بكيت خيبتي أمام الصديقات؟!..سأكون أنا أرثي حالي بينما في قلب كل واحدة فرح وسرور.." لقد تركها..ربما حان دوري الآن"..إذًا فجوابي الأخير هو لا..بلى.. لا لا لا .. بلى بلى لا بلى ..طبعًا لا..بلى بلى..يا الهي لست أعلم ماذا أفعل..ماذا لو كان هو نصيبي؟ وماذا إن طلب مني يومًا الزواج؟ ... مسكينة هي سعاد..لن تحصل لها على زوج..ولن تحلم بذلك..كم هي مسكينة..مع أنها طيبة وقلبها أخضر وليس أروع منها فتاة..وهي تفوقني جمالًا بمليون مرّه.. ولكن أي شخص سيرضى بأن تشاركه هذه المرأة المعاق فراشه؟ وحياته؟..فعلًا مسكينة..كم أتمنى لها بأن يحبها أحدهم من أعماق قلبه.. ولكن هيهات أن تحصل على ما تريد..تُرى هل تصدق عندما تقول لنا بأنها لا تحفل بهذه الأشياء؟ وبأنها ليست تؤمن بالحب؟ فكل ما يملؤها هو عشق الباري سبحانه؟ .. أنا لم أؤمن يومًا بالحب..فمالي اليوم أعيد التفكير في هكذا سؤال..ما همي إن كان أجمل الفتية وأذكاهم وأغناهم؟؟ فلربما شيئًا من هذا سيكون به الكثير من السيئات... لعله يكذب أو يسرق..أو لربما سيقلل من احترامي وماذا إذا حاول أن يضربني يومًا ما؟ كلا لن يفعل!! إنه يحبني حبًا جمًا... ولكن ما يؤكد لي هذا؟ يا الهي ساعدني..إذًا فجوابي هو أجل..كلا..وهل جننت؟ طبعًا جوابي هو لا...لمَ هذا العناد؟..علي أن أصل إلى قرار قبل أن يفوت الأوان..أي أوان؟ .. بماذا أفكر؟.. أشعر كأنني واحدة من أولئك الفتيات اللواتي خسرن أحبائهن في معارك الخيانة..الخيانة؟! أجل ماذا لو خانني أو تركني يومًا ما؟فسعيد زوج خالتي أمية تركها مع أربعة أطفال وذهب ليشبع شهواته الحيوانية في مدينة حيفا!!، وكما أعلم بأنه كانت بينهما قصة حب عظيمة، فعندما لم يوافق جدي على زواجها من هذا "المفعوص" استعد بأن يقتل نفسه على أن يتزوج سواها...وهي قاتلت طويلًا لأجله .. هاها فعلًا صدق جدي ..فعلًا "طلع مفعوص" هاها...مسكينة خالتي أمية تُرى هل الجرح في قلبها عميق أم هي لا تهتم؟ إذًا علي أن أستشير أحدًا أكبر مني سنًا ..فهم أعلم مني بهكذا أمور..عندما تزور خالتي أمية أمي سأستشيرها....ولكن..أمي ستعارضها..فهي وأبي لا زالا على وفاق حتى الآن .. مع أن أبي استوفاه الله قبل سنتان إلا أنها لا زالت تخلص له وتحبه حتى اليوم...ولا مضر كونها قبلت بأخيه زوجًا لها من بعده..فعمي (أبي أيمن) يبقى من رائحة أبونا..وهو-أبي- بقي مخلصًا لها مغرمًا بها حتى آخر رمق من حياته..مسكين أبي، لا زلت أذكر وجهه الأزرق الشاحب الذي قضمه الموت..لماذا لم أبكي يومها؟؟ لم أشك يومًا بأنني أحبه..ولا زلت أحبه ولكن لماذا لم أذرف عبرة واحدة على موته؟ .. وحتى الآن لم أكلف دمعة بأن تسقط على قبره؟ ربما لأنه ينتظرني في السماء؟؟ أو...لا أعلم..ولكن..مهما كان فهو الذي أوقعني بهذه الورطة.. لأنه لولا تزوج أمي ما كنت أنا ولدت في هذه الدنيا.. وما كانت تصل بي الأيام حتى أحتار من سأختار!! تُرى ما هو فاعل الآن؟؟ هل يفكر بي؟؟ لربما فعلًا يحبني!! ولكنني لست أعلم ماذا سأقول وماذا سأفعل..فعلًا ماذا سأفعل..ماذا أقول؟؟) وأعياها التفكير فأغمضت جفنيها وغطت في نوم عميق... | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 5:08 pm | |
| الفصل الرابع"السفر الطارئ"
- يا بنات..ميرا.. سعاد..أين أنتن؟؟
- أنا هنا يا أبي .. (جاءت سعاد مسرعة بكرسيها المتحرك)
- أهلًا بصغيرتي المدللة..وأين أختك ميرا؟!
- لا أعلم لم تعد من المدرسة بعد!!
- آه أجل هذا صحيح..حسنًا إذًا ، اسمعي..سأقول لك شيئا
ولكن إياك أن تبوحي لأحد بما سأخبرك به..وخصوصًا ميرا!!
- مممم...حسنًا موافقة..
- اسمعي..اليوم عرض علي مديري بالعمل أن أذهب في سفرة طويلة..لمدة شهر..كي أتمم له بضع أعمال...
- ماذا؟!..سوف نفتقدك يا أبي..
وطأطأت رأسها بحزن..
- وهل تظنين بأنني أستطيع أن أترككن هنا وحدكن لمدة شهر؟!
فنظرت إليه سعاد وابتسامة ماكرة ملقية على شفتيها..
- ماذا تعني؟!
- أعني بأنكن ستذهبن معي..أنت وميرا وأمك..فالعطلة الصيفية على الأبواب...سنمكث هناك شهرًا واحدًا لا غير ثم نعود!!
- حقًا؟! كم أحبك يا أبي.. وقبلته قبلة بريئة على وجنته ثم طوقت ذراعاها حوله..
- أحبك..أحبك..أحبك..أنت أحسن أب في الدنيا.. ثم تنبهت لكلامها وأضافت..
- وأروع عم!! ثم دخلت مسرعة لغرفتها..
- تذكري...لا تخبري أحد!! فضحكت بملأ فاهها ثم قالت له..
- لا تخف لن يعرف أحد مني..أخبرهم أنت!! ودخلت غرفتها وأزيز العجلات يحفر في البلاط مأساة!! ووقف هو على قدميه..ثم توجه إلى صورة أخيه المعلقة على حائط الغرفة وخيط أسود يزينها.. (ها أنا أفي بوعدي لك يا أخي.. سأحرص على بناتك بعيني وأجعل قلبي لهم مسكنًا.. فهن بتن بناتي أنا..أما بالنسبة لزوجك -التي أصبحت اليوم زوجي- صدقني بأني لم أمسها ولن أمسها.. فهي مقدسة بالنسبة لي..وإن فكرت بأن أمسها أكون خائنًا لك ولست أنا الذي يخون أخاه.. وصدقني هي امرأة شريفة وعفيفة لدرجة أنها طلبت مني أن أذهب بحالي إن أردت وأتزوج من أريد وهي لا خوف عليها وعلى البنات فهي ستدبر نفسها ولكني لن أترك بنات أخي لغدرات الزمان مهما كلف الأمر..ولست أندم إذ اعتبرت زوجك أختي..ولست أندم إذ حرمت نفسي من أن أحِب وأن أحَب..ولكنني أجل سأندم إن ابتعدت عنهن..فهن روحي الآن..كل واحدة منهن..)
- ماذا أخبرت سعاد؟
- ها؟!
- آسفة، هل قاطعتك بشيء؟؟
- كلا..كلا ووجهت نظرها إلى أينما كان ينظر.. ورأت صورة زوجها الشاحبة!..وتدحرجت من عيناها دمعة حارة أزالتها بسرعة...
- ماذا كنتِ تقولين؟!
- سعاد..ما أخبرتها؟؟ لست أعلم ما بها ..إنها فرحة جدًا..وكلما سألتها ما بها قالت " اسألي أبي!!"
- آه هاها..أخبرتها بشأن سفرنا إلى لبنان!!
- يا الله..إذن فعلًا سنذهب معك؟! وضحك ثم أردف..
- أجل وهل أبدو لك بأنني أمزح؟
- كلا ولكن ...أعني..ألن نشغلك عن عملك هناك؟
- كلا بالمرة...هناك ستكن قريبات مني ولن أنشغل بالتفكير بكن..
- معك حق... وانتظر حتى تعرف ميرا...ستطير من الفرح!!
- أتمنى ذلك...
- آه...كاد الغداء يجهز..
- حسنًا سأوافيكم بعد قليل... وخرجت تاركة إياه وحيد في هذه الغرفة... هو وأخيه لا يفصلهما سوى لوح زُجاج...
* * *
ها قد حان موعد الرجوع إلى البيت ...وميرا قلبها يخفق بشدة.. حتى كاد تسمع صوته أعلى من صوت جرس المدرسة..فاليوم ستخبر نبيل بما قررت وليكن الله معها...وجمعت أغراضها بسرعة وخرجت من البوابة مسرعة ...تنتظر مرور نبيل.. ومرت عليها الدقائق ساعات.. ولم يمر نبيل .. ونظرت إلى ساعتها.. (لماذا لم يأت بعد؟) وترددت عائدة إلى البيت أو تنتظره بعد؟! ( حسنًا هكذا أحسن...لن أخبره بقراري أبدًا!) وما كادت تخطو خطوتها الأولى حتى رأت سيارته آتية كن بعيد...واشتد خفقان القلب العاشق واقتربت السيارة منها بهدوء ثم التقت عيناها بعينيه..وها هي ابتسامة معشوق البنات تقلب رأسها وما فيه..ولأول مرة ترد له الابتسامة؛ ابتسامة ملاك!!.. ولوحت له بيدها المرتجفة البيضاء.. فأشار لها بأن تتبعه... وبدأ يسير بالسيارة على مهل وهي تسير خلف السيارة منكسة الرأس، وكلما طارت نظراتها إلى داخل زجاج السيارة صادفت عيناه تحدقان بها في المرآة.. وتخجل مرّة أخرى.. وعندما أوقف السيارة ونزل..نظرت حولها في خوف؛ لم تكن تعلم بأنها قطعت كل هذه المسافة، ورأته يتجه نحوها بخطىً ثابتة ويبتسم.. وآه من هكذا ابتسامة..حتمًا كل السر يكمن في هذه الابتسامة.. ففيها جاذبيته وعنفوانه، وقوته وضعفه، وصدقه وإيمانه.. ووسامة ما بعدها وسامة.. (حبيبي نبيــــــــل!!)
- مرحبًا..
- أهلًا..
- أخيرًا..إني أنتظر هذه اللحظة منذ زمن. وابتسمت له..
- إذًا ما قررتِ؟! ونظرت إليه مباشرة في عيناه وقالت:
- نبيل اسمعني.. أنا حقًا توصلت لقرار.. وتوصلت إليه بعد تفكير عميق واسع الأطراف.. وكن واثقًا بأنني لم أقرر هكذا قرار قبل أن أرجع إلى قلبي؛ فقلبي هو الأساس..ولم أقرره إلّا لأنه نابع من قلبي مئة بالمئة.... وليس لأي شيء أو لأي أحد.. فالقرار قراري أنا وحدي ولم يؤثر علي أحد باتخاذه.. ( يا الله .. وذكية أيضًا..أعتقد بأنني لن أخرج من شباك حُبك أبدًا!!) وأومأ لها برأسه موافقًا ثم قال:
- والقرار كان....؟ وخفضت رأسها بخجل ثم قالت:
- نبيل.. القرار كان...كان..أجل أنا موافقة!! وعلتها حُمرة مفاجئة، بينما توقف نبيل في مكانه للحظة محاولًا أن يعي ما قالت...
- ماذا؟؟ هل قلت أجل أم أن أذناي تكذبان؟!؟!
- كلا لا تكذبان..أنا قلت أجل..
- يا الله يا الله...الحمد الله..الحمد الله.. وابتسمت هي بخجل ثم رمقت ساعتها وقالت:
- آه لقد تأخرت.. علي أن أذهب..
- كلا انتظري.. ومرّر لها ورقة صغيرة ثم قال:
- خذي هذه الورقة .. وضعتها معي منذ كلمتك من أول مرة.. كنت أنتظر اللحظة التي سأعطيك إياها والآن ها قد حان الوقت.. ومدت يدها ومسكتها ثم نظرت إليه متسائلة..فقال:
- إنها رقم هاتفي..اتصلي بي متى أردت وأي ساعة شئتِ... فابتسمت بخجل وقالت:
- حسنًا.. والآن علي الذهاب إلى اللقاء..
- لحظة.. انتظري..اسمعي.. ميرا أرجوك دائمًا بأني أنا أنت وأنت أنا ولا فرق بيننا..لذلك إن حصل أي شيء عليكِ أن تخبريني به فورًا وأنا سأفعل بالمثل.. وما تقبليه علي اقبليه على نفسك.. فابتسمت ثم قالت:
- حسنًا .. أنا أنت وأنت أنا!! وطأطأت رأسها بخجل ومشت على عجل.. ثم استدارت ولوحت له وذهبت مسرعة...وما إن ابتعدت حتى رفع يده ولوح لها وقال بصوت غير مسموع:
- إلى اللقاء يا حبيبتي!!!
* * *
- ماذا ؟...لبنان؟!
صرخت ميرا بفزع..
- ما بك يا عزيزتي؟!..حسبتك ستفرحين..
- أجل، أجل أنا فرحة يا أبي ولكن..لبنان؟ ولمدة شهر؟
- أجل يا صغيرتي..وهل في ذلك ضير؟؟
- كلا يا أبي.. ورسمت ابتسامة زائفة على شفتيها ثم حوطته بذراعيها وقبلته قبلة باردة حزينة...
- شكرًا جزيلًا بابا أيمن..
- على الرحب والسعة.. ودخلت راكضة إلى غرفتها وأقفلت خلفها الباب ثم رمت بنفسها على السرير.. ( يا الهي .. لماذا الآن؟..كم سأشتاق لنبيل!! كيف سأتركه شهر كامل دون أن أراه أو أسمعه؟ وماذا لو تركني وأعجب بأخرى؟؟..يا الهي!!) ودفنت رأسها بالوسادة محاولة أن تمحي كل هذه الأفكار من رأسها..ثم...خطرت ببالها فكرة.. " أنا أنت وأنت أنا".. إذًا عليها أن تتصل به وتخبره..وأخرجت الورقة الصغيرة من جيبها وفتحتها بتروي..ثم مررت بصرها على الرقم..وشعرت بنشوة هائلة تعتريها..وحملت هاتفها وطلبت الرقم.. ومع كل رقم كان قلبها يصرخ بجوفها.. وذلك الخوف اللذيذ يتجبر في صدرها.. وأربع رنات على العدد ثم صوت تصدع من بعيد و...
- ألو...ألو (ماذا سأقول؟ وماذا سأفعل؟؟) وأقفلت الخط بسرعة.. (إنه حتمًا نبيل..كم صوته رائع على التلفون!!) وعاد قلبها ليخفق بعنف..فشهقت بعمق ثم زفرت وعادت وطلبت الرقم مرة أخرى.. ومرة أخرى عاد الصوت ليقول:
- ألو..ألو..
- ألو مرحبًا..
- أهلًا وسهلًا..
- نبيل؟
- أجل..
- كيفك؟!
- الحمد الله وأخبارك؟
- الحمد الله أنا بخير..هل عرفتني؟؟
- طبعًا.. أنت حبيبة القلب ميرا!!
- وما أدراك؟؟
- هكذا عرفت.. وساد صمت طفيف ثم..
- شكرُا لأنك اتصلت!!
- لا شمر على واجب..
- لو كنت تأخرت علي قليلًا بعد لكنت جننت!! وضحكت ميرا..
- بعيد الشر عنك...نبيــل؟
- أجل يا عزيزتي؟
- سأخبرك بشيء مهم ولكن عدني بأن لا تحزن..
- أعدك..
- سنسافر إلى لبنان لمدة شهر كامل..
- ماذا؟! لبنان؟! متى؟!
- أجل..في العطلة الصيفية..
- يا الهي..شهر كامل؟!!
- أجل..
- لن أتحمل هذا!!..أنت ومن ذاهبة؟؟
- أنا وأهلي..فأبي لديه عمل هناك..
- آه..
- هو ليس أبي..هو عمي.. ولكن بعد وفاة أبي تزوج هو من أمي ومنذ ذلك الحين ونحن نناديه بـ "أبي" لأنه كان لنا نعم الأب..
- رائع.. وليرحم الله أبيك...
- يرحم أمواتك..
- اسمعي..ما اسم أباك؟
- من أبي؟؟..عمي أم أبي؟! فضحك نبيل ثم قال:
- أباك و..وعمك!
- أبي يدعى صالح..صالح سليمان وعمي هو أيمن سليمان..
- ماذا؟! صالح سليمان هو أبوك؟
- أجل..لماذا؟
- ها؟!..لا، لا شيء..حسنًا أنا علي أن أقفل ..أكلمك لاحقًا.. وأقفل الخط في وجهها..دون أن يقول حتى كلمة وداع..ما به؟؟ ما الذي حدث له؟؟ لماذا انفعل هكذا عندما علم بأن صالح سليمان هو أبوها لا غير؟! | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 5:11 pm | |
| الفصل الخامس" لبنان "
سماء لبنان الأزرق العظيم...وأرضه الخضراء الرائعة..وأرزٌ شامخ في تراب الوطن... كل هذا لم يغير في نفسها الشعور بالقرف والاشمئزاز..القرف من ماذا؟ القرف ولماذا؟ ليست تعرف بالمرة..ربما للأمر علاقة بنبيل...لا ليست تشمئز منه ولكن لماذا فعل بها هذا؟؟ ونظرت حولها إلى هذه الطبيعة الخلابة الساحرة وهي تركض جنبها من شباك السيارة..
- سبحانك يا ربي..يا خالق لبنان وهذه الأكوان.. قالت سعاد بفرح!! وابتسمت ميرا بهدوء.. ( أنا بشو وأنت بشو؟!)
- معك حق يا صغيرتي!! قالت أمها وعيناها معلقتان خارج الشباك..
- سوف تعجبكن هذه الرحلة لا محالة يا بنات..إنها لبنان!! ( آه أصمت يا أبي ..سوف تحرمني من نبيل لمدة شهر.. وآه من الشوق إذ سأتلوى كالمحتضر بنيرانه!!) ووصلوا جميعًا إلى الفندق وكلهم شوق لتمضية الوقت في لبنان..إلا ميرا كانت متضايقة وغاضبة، ولأول مرة ليست تريد لبنان!! كان الفندق ضخمًا وحوله حدائق خضراء غناء وبركة سباحة كبيرة..وفي الطابق الأول كانت هناك كافتيريا صغيرة تُباع فيها كل أنواع الشراب والحلويات والأطعمة..وفي الطابق الثالث كانت غرفتها وسعاد الغرفة رقم 120...كانت غرفة رائعة فيها سريران وشباك كبير يطل على الحدائق والبركة وفيها حمام وخزانتين...وباختصار كان لا ينقصها شيء بالمرة..ومع ذلك بقي الشعور بالفراغ يملأ جوف ميرا..كانت تفكر بنبيل..نبيل..نبيل..نبيل..نبيل..لم تشبع منه.. ودخلت سعاد الغرفة بفرح وسارت بكرسيها بسرعة إلى الشباك..
- يا سبحانك يا رب...أنظري ما أجمل المنظر من هنا..
- أجل إنه جميل!!
- لا بل إنه رائع..إنها لبنان ...أخيرًا أنا في لبنان..
- نعم!!
- لست تتصورين كم أنا فرحة..ليت أبي يأتي بنا إلى هنا كل سنة!!
- ماذا؟ كل سنة؟!..لم تري لبنان بعد..ربما لن تعجبك..
- لقد أعجبتني منذ الآن، يكفي سحر الأرز الصامد على جبالها.. ( يا الله.. كيف سأتحملك شهر كامل يا سعاد؟؟!)
- لماذا؟ ألم تعجبك لبنان يا ميرا؟!
- لا...ليس هكذا..
- ماذا إذًا؟ لست أراكِ متحمسة لهذه الرحلة..
- بلى أنا كذلك ولكنني كنت أفضل لو أبقى في بلدنا..
- مجنونة..هاها .. وأخيرًا أنا في لبنان!! ( يا الهي ساعدني على هذه المصيبة..إن بقيت تقول لي "أنا في لبنان" كل الشهر فقد أرتكب جريمة..أعصابي ليست تتحملك يا سعاد)
- اسمعي..
- نعم؟
- أنا سأدخل وأحضر لنفسي حمامًا ساخنًا فأنا متعبة جدًا..وبعدها قد أنام..
- حسنًا ...أنا سأنزل إلى الكافتيريا الآن..
- حسنًا.. وخرجت ميرا تترنح وضغطت على زر المصعد وفتح لها بابه..كان بالمصعد شاب طويل القامة..أسمر البشرة وأخضر العينين..كان فيه ذلك الجمال اللبناني الذي لا يُقاوم...ولكنه مع ذلك ليس أجمل من نبيل حبيبها..وشعرت به يحدق بها من الخلف..ولم تعلم لماذا تراءى لها بأنه يبتسم مع أنها كانت توليه ظهرها..وارتفعت نيران الغضب إلى وجهها .. وكادت تستدير نحوه وتقدم على شيء جنوني لولا أن المصعد توقف في الطابق الثاني وخرج منه هذا الشاب حتى دون أن يرمقها بنظرة.. وأغضبها تصرفه هذا..إنها جميلة..لا بل آية من الجمال فلماذا لم ينظر إليها مرة أخرى عند خروجه؟ لماذا لم يعرها أي انتباه؟ ومن هو حتى تغضب هكذا إن لم يهتم لها؟؟ ليتها تعلم ما الذي يحدث لها هذه الأيام؟؟ مزاجها أصبح متقلبا وهي دائمة العصبية والغضب.. وتوقف بها المصعد في الطابق الأرضي فخرجت منه بهدوء غير آبهة لأحد واتجهت نحو الكافتيريا واشترت لها زجاجة مشروب وجلست وحدها تُفرغ ما في الزجاجة في جوفها... كان الشراب ساقع ولكنه لم يطفئ نيران الشوق المشتعلة في صدرها الضيق.. ما بها؟؟ لم تبتعد عنه سوى يوم أو يومان.. فمن هو نبيل كي تشتاق له كل هذا الشوق؟!...صحيح انه معشوق البنات..ولكنها أيضًا لها حصتها من العاشقين من شبان المدرسة وخارجها.. وضاق بها صدرها فاتجهت نحو النادل..
- مرحبًا
- أهلًا سيدتي..
- هل لديكم هاتف هنا؟؟
- أجل هناك.. وأشار لها على إحدى الزوايا.. واتجهت نحو الهاتف بهوادة..كانت تريد أن تتصل بنبيل..أن تسمع صوته.. أن تسأله لماذا اضطرب هكذا عندما علم بأن صالح سليمان هو أبوها...تريد أن تعرف منه ما السر الذي يخفيه في صدره!! ورفعت سماعة التلفون بروية..أكيد المكالمات من لبنان تختلف عنها في وطنها..إنها لا تفقه بالمكالمات الدولية..ثم إنها لم تحفظ رقمه بعد..ولكنها بحاجة ملحة للاتصال به .. إنه لا يخرج من رأسها ولا من قلبها..والظاهر بأن هذا الشهر في لبنان سيكون شهر نبيل!!!
* * *
- أحسنت بإحضارهن إلى هنا يا أيمن..
- أجل، ومن لي غيرهن في هذه الدنيا؟!
- سعاد كانت فرحة جدًا بوصولنا إلى هنا..
- يفرحني فرحهن..
- أجل، أظنها ترى صنع الله في هذه الحقول.. وهذا يفرحها..
- أجل، ولكن هناك أمر يزعجني!! فنظرت إلى زوجها بقلق..
- ماذا هناك يا أيمن؟ هل نزعجك بوجودنا هنا؟!
- كلا، كلا..حاشاك الله .. ليس هذا السبب..
- إذن ما السبب؟
- إنها ميرا..
- ميرا؟! ما بها؟ هل حدث لها مكروه؟! وهمت بالوقوف فاستوقفها..
- انتظري..ميرا لم يحدث لها شيء..
- إذن ما بها صغيرتي؟!
- لا أعلم..ولكن لا أظنها سعيدة بوجودها هنا!!
- آه..لا، لا أعتقد هذا..ربما لأنها ليست معتادة أن تبتعد عن صديقاتها..
- ولكن هذه لبنان!!
- أعرف..ربما ما زالت لا تألف الجو هنا..
- لا أريد أن أغصبها بأن تبقى هنا..إنه شهر كامل..
- لا..لست تغصبها يا أيمن أنا أكيدة بأنها ستتحسن مع الوقت..
- آمل ذلك...
- أجل ..ميرا فتاة اجتماعية ومحبوبة، قريبًا ستتعرف على بضع الصديقات اللبنانيات وتألف لهن..وبعد شهر..سترفض أن تعود معنا فنعيدها بالغصب.. فأطلق ضحكة رجاجة ثم قال:
- آمل ذلك..حسنًا أنا سأذهب للعمل ولن أتأخر عليكِ..
- حسنًا..إلى اللقاء.. وخرج مسرعًا حاملًا حقيبته السوداء..ودخل المصعد، وعندما توقف المصعد بالطابق الأرضي وفُتح بابه على شدقيه..رأى أمامه ميرا ابنته..ابنة أخيه..
- ميرا؟! ماذا تفعلين هنا؟
- مممم..لا شيء..أنت إلى أين ذاهب؟؟
- أنا ذاهب للعمل..ولكن أنت لماذا هنا؟ لماذا لست بغرفتك؟
- ممم...سعاد..إنها في الحمام..وقلت لنفسي أنزل وأشرب عصير ريثما تكمل هي..
- حسنًا ..اصعدي إلى غرفتك الآن..وفي المرة القادمة لا تنزلي وحدك دون أن تخبريني أو تخبري أمك..نحن لسنا للزينة هنا..
- حسنًا.. وأكمل هو طريقه..ودخلت هي المصعد.. (بأي حق تمنعني من الخروج هنا أيضًا؟؟..يكفيني تلك القيود التي تفرضها علي في المنزل!!) وتوقف المصعد عند الطابق الثالث فخطت خارجة منه وذهبت متجهه نحو الغرفة رقم 120.. وأدارت قبضة الباب..ولكنه مقفل..مقفل؟!..هل يعقل بأن تكون سعاد أقفلته عليها من الداخل ونامت؟..وطرقت طرقًا خفيفًا على الباب فلم يجب أحد..ثم شدت قبضتها وخبطت على الباب بقوة ، وبدأت تنادي..
- سعاد!!...سعــــاد... هذه أنا ميرا افتحي لي الباب... ولكن..لا حياة لمن تنادي.. ( يا الهي ماذا سأفعل الآن؟!..ما هذه المصيبة؟!) وبدأت تفتش بملابسها علها تحمل نسخة عن المفتاح في أي مكان..وأفرغت جيوبها ..ولكنها تذكر جيدًا لم تأخذ معها نسخة عن هذا المفتاح اللعين..وماذا يعني هذا؟؟..هل ستقضي الليل كله هنا؟؟ وعادت تطرق الباب وتنادي سعاد..ولكن تلك لن يوقظها شيء.. ووقفت خائرة القوى..ونظرت إلى يسارها..إلى هذا الممر الطويل الخالي من الجميع..ونظرت إلى اليمين .. ولم يكن أحد..ولم يكن بوسعها سوى أن تجلس على الأرض وتنتظر أي أحد.. ومرّ الوقت طويل عليها ولم يمر أحد.. وتذكرت أمها وأبيها أيمن..تُرى في أي غرفة نزلوا؟!.. ومن أنى لها أن تعرف؟ فهي لم تلق بالًا لهم البتة..وليست تعلم إن ذكروا أمامها رقم الغرفة لأن عقلها كان كل الوقت عند نبيل...نبيل كل هذا بسببه..وبدأت بوادر الدمعات تترقرق في مقلتيها... وفجأة وعن بعيد رأت ظلًا يقترب نحوها بروية..ورجل أسود - أو هكذا رأته في الظلام-.. وتملكها خوف ما بعده خوف..وفزعت ووقفت بسرعة على قدميها وكادت تطلقهما للريح لولا سمعته يسألها:
- هل هناك مشكلة يا سيدتي؟! كان هذا أحد العاملين في الفندق..وقد شاءت الصدفة أن تمرره من هنا في هذه اللحظة بالذات..
- أجل..أجل..اسمع، أنا أنزل هنا في هذه الغرفة .. أنا وأختي ولكنني نزلت قليلًا إلى الطابق الأرضي وقد نسيت أن آخذ معي نسخة للمفتاح..وعندما عدت وجدت الباب موصد من الداخل ولم أستطع الدخول..
- حسنًا يا سيدتي.. هل لي أن أرى بطاقتك الشخصية لو سمحتِ؟
- أجل طبعًا.. وشرعت ميرا تفتش بملابسها وتفرغ جيوبها ولكن..ما هذا المأزق؟! لقد نسيت بطاقتها وجواز سفرها في الغرفة..ونظرت إلى العامل بفزع..
- ليست معك بطاقتك صحيح؟؟ وألقت عينيها على الأرض وأجهشت في بكاء مر عميق..
- حسنًا..حسنًا بتنا نعرف هذه المقالب والألاعيب، والآن أخرجي من الفندق قبل أن أطلب لك الشرطة...
- ماذا؟!..الشرطة؟! صدقني يا سيدي..أنا..أنا أسكن هنا..أنا..أنا ميرا سليمان ابنة أيمن سليمان هو ينزل في هذا الفندق اسأله عني أرجوك!!
- تعالي معي الآن وأخبري الشرطة بهذه الأمور.. وأجهشت بالبكاء ثم انحنت على الأرض قاصدة أن تقبل قدميه ولكنه ابتعد عنها ورفعها من يدها بقوة آلمتها..
- أرجوك..أرجوك..أقسم بالله أنا أسكن هناك..أنا بنت شريفة..أرجوووك!!
- تعالي معي الآن.. وسحبها من يدها بقوة..وفجأة سمعوا صوت المفتاح يتحرك بالباب، ثم باب الغرفة رقم 120 ينفتح وفتاة تقارب السادسة عشرة تجلس على كرسي متحرك..تتراءى لمن يراها بأنها الآن صحت من النوم..
- ميرا؟ ماذا هناك؟ لما كل هذه الضجة؟!..
- سعاد يا مجنونة لماذا أقفلت الباب؟
- سيدتي..هل هذه الفتاة تسكن معك هنا؟ وهل هي أختك كما تدعي؟ وكان لا يزال يمسك ميرا من ذراعها ويضغط عليها ودموعها تغطي وجهها البريء... وصمتت سعاد..إنها للحظة مناسبة كي تنتقم منها..لما فعلته بها..وابتسمت ابتسامة خبيثة ثم.. (لكن الله لا يحب المنتقمين..بل يحب المتسامحين.."..علّمني أن سماح المؤمن أسمى درجات العفو القادر، والقوة وبأن النقمة أولى درجات الضعف العاجز والسلم للهوّة") إذن ستسامحها..
- سيدتي؟ هل تعرفين هذه الفتاة أصلًا؟
- أجل..أجل طبعًا أعرفها..إنها أختي ميرا سليمان وهي تسكن معي هنا..
- هل أنت أكيدة يا سيدتي؟؟
- طبعًا أكيدة إنها أختي..
- حسنًا.. وأرخى قبضته عن ذراع ميرا تاركًا إياها بهدوء ثم قال موجهًا حديثه لها:
- آسف يا سيدتي..لقد حدث سوء تفاهم.. فرمقته باشمئزاز وانتفضت أمام عينيه بقهر ثم أجابته:
- لا بأس ولكنك ستدفع الثمن غاليًا.. ونظرت إلى سعاد ثم أضافت بغضب:
- وأنت أيضًا.. | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 5:15 pm | |
| الفصل السادس"من أنت؟"
رأسها كان ما يزال يؤلمها من ليلة أمس..ميرا لقد أتعبتها، ولكنها فرحة لأنها سامحتها..لأن هذا الشعور الذي ملأها؛ هذا الشعور الملائكي دغدغ في روحها حب الله وأبدية الكون!! إنها أجمل رحلة..إلى أجمل لبنان ستقضيها... وفجأة تذكرت أمها..إنها لم ترها منذ وصولهم..عليها أن تصعد إليها كي تراها هي وأبيها.. وخرجت من الغرفة على كرسيها المتحرك إلى الممر الطويل الفارغ حيث لم يُسمع شيء سوى صوت أصيص الكرسي الذي لا زال يبكي ألمها..
واتجهت نحو المصعد ودخلته ثم ضغطت على زر الطابق الرابع وعندما وصلت إليه توجهت نحو غرفة رقم 212 حيث ينزل أبويها..وطرقت الباب ولكن لا من جواب..لا بد أنهما خرجا باكرًا أو إنهما..لا زالا نائمين..
وضاقت بحالها..وشعرت بالملل يقضم جسدها فقررت أن تنزل قليلًا إلى هذه الحدائق كي تمتع روحها بإبداع الخالق عز وجل..
وتوجهت نحو المصعد وضغطت على زره وفتح لها بابه..كان بالمصعد شاب طويل القامة أسمر البشرة وأخضر العينين..كان فيه ذلك الجمال اللبناني الذي لا يقاوم..وما إن رآها حتى همّ بأن يساعدها على دخول المصعد..
وتضايقت من محاولته هذه ؛ مع أنها محاولة نبيلة تصدر من شخص غريب..ولكن مع ذلك هي تستطيع دخول المصعد وحدها!!..كونها مقعدة لا يعني بأنه ليس بإمكانها دخول مصعد..ثم هي ليست بحاجة إلى شفقة هذا الغريب!! ولاحظ تضايقها فقال:
- آسف يا سيدتي ..أردت فقط المساعدة.. وكم أعجبتها لهجته اللبنانية الرائعة..
- شكرًا لك.. ووقفت تنتظر وصول المصعد إلى الطابق الأرضي..ولكنه تقدم منها ومد لها يده..
- أنا يوسف حرب.. ومدت له يدها وصافحته..
- وأنا سعاد سليمان..
- من أين أتيت؟؟
- من بلاد الله الواسعة.. ليست تريد أن تخبر هذا الغريب عن وطنها..
- إقامة ممتعة..
- شكرًا.. وتوقف المصعد فخرجت منه بسرعة قبل أن يساعدها.. وعندما وصلت إلى بركة الفندق الكبيرة سمعت أحدهم يناديها..والتفتت وإذا به يوسف..
- آنسة سعاد..آنسة سعاد.. وتوقفت تنتظره..
- ماذا هناك أستاذ يوسف؟!
- ممم..لا شيء، فقط أردت أن أرافقك من بعد إذنك..
- ترافقني؟!
- أجل..أقصد إذا كنت ستتجولين في حدائق الفندق.. ونظرت إليه بعيناها الناعستان..ثم فكرت قليلًا وأجابته:
- أجل طبعًا..لا مانع لدي.. ومشت بكرسيها المتحرك ولأول مرّة يمشي أحدهم جنبها وليس خلفها يجرها..وأعجبها هذا الشيء بيوسف... وجعلا يجولان في الحدائق..ثم انتهى بهم الطريق جنب بركة السباحة..
- آه لقد تعبت..دعينا نجلس هنا قليلًا..
- حسنًا.. وجلسا بعيدًا..ثم..
- هل تحب أن تسبح؟!
- أجل كثيرًا..
- وهل تجيد السباحة؟
- نعم..وأنت هل تحبين السباحة؟ فطأطأت رأسها وقالت:
- حتى لو أحببتها..لن أستطيع أن أسبح.. وشعر بألمها يغص بحلقه.. ثم قال:
- سيأتي اليوم الذي أدخلك فيه بهذه البركة ..وستسبحين.. وخجلت فخفضت رأسها..ثم أضاف..
- ولكن..هل لي أن أعرف لماذا أنت مقعدة؟! وأهالها سؤاله..أول مرّة يسألها أحدهم هذا السؤال..كانوا كلهم يتجنبون هذه الكلمة معها وهذا السؤال..ولكنه يصارحها ويسألها..وشعرت بحرقة عظيمة في صدرها وبألم متهادٍ في جوفها..ولكنها أجابته..
- إنها قصة طويلة .. سوف تؤلم رأسك للاشيء..
- أنا أريد أن أؤلم نفسي..أخبريني أرجوك!!
* * *
لم تكن تعلم بأنها قد تستيقظ بعد هذه الليلة الطويلة القاسية..لا زال رأسها يؤلمها ..ووجهت وجهها إلى السرير الذي جنبها ولم تكن سعاد هناك...ونهضت مسرعة من سريرها... (هل ذهبت لتخبر أبي؟!) وخرجت مسرعة من الغرفة..قبل أن تغسل وجهها وقبل أن تبدل ملابسها..كان كل ما يشغلها هو سعاد ومكانها، وكان خوفها الأكبر أن تكون عند أبيهما الآن تخبره عن ليلة البارحة.. وما إن وصلت أمام باب المصعد حتى عادت راكضة للغرفة..كي تحمل المفتاح معها..تحسبًا!! وسمعت صوت ضحكات سعاد وأطلت من الشباك ورأتها تجلس بكرسيها المتحرك جانب بركة السباحة وتضحك بقوة..وأراحها منظرها هذا وشجعها على الاستحمام... ودخلت الحمام بكسل وبدأت تستحم بالمياه الساخنة..وما هي إلا لحظات حتى بدأتا شفتاها تطلقا ألحانًا وأغاني... وانتبهت لنفسها..ما بالها ..ليس من عاداتها أن تغني تحت الدش ..إنها عشقانة لا محالة..إنه نبيل..لقد خطف عقلها وقلبها وروحها..وقَلَبَ حياتها رأسًا على عقب.. وانتهت من حمامها وخرجت لتنظر من الشباك..وما كادت تجفف شعرها الأجعد الطويل حتى رأت أمامها أبيها أيمن..كان يجلس على سريرها وتظهر عليه علامات التعب والجدية..
- أهلًا أبي..
- كيف كان حمامك؟
- رائع
- جيد! وابتسمت له..
- ميرا..؟
- نعم؟
- أريد أن أحدثك بشيء مهم..تعالي.. وأشار لها بأن تجلس جنبه على السرير..وخافت!! (لربما عرف عن ليلة البارحة..إنها سعاد!!) واقتربت منه بهدوء ثم ألقت جسدها الرطب على السرير ونظرت إليه لوهلة ثم..
- هل هناك شيء؟
- أجل..وشيء مهم!!
- تفضل..
- اسمعي يا صغيرتي..أنا أبوك وعليك أن تخبريني أنت ولا أحد سواك بما يجري.. (ماذا؟!..هل أخبرتك سعاد؟! يا لها من مشاغبة!!)
- أبي أنا آسفة..آسفة جدًا..
- إذن هناك شيء ما..شيء يجعلك تكرهين هذه الرحلة.. ووضعها في دوامة مغلقة..الآن باتت لا تفهم ماذا يقصد وما يريد!!
- ماذا؟!..شيء مثل ماذا؟
- ميرا ...عزيزتي افهميني..أنا أشعر بأنك أتيت إلى هنا وأنت متضايقة من شيء ما..كأنك ما أردت الحضور إلى هنا..
- أنا؟! من قال ذلك؟!
- لا حاجة بأن يقول أحد..ما بك؟
- أبي..ليس بي شيء!!
- ميرا صغيرتي...أنا أبيك وأفهمك جيدًا.. أنا لست أريد أن أبقيك هنا غصبًا فهذا شهر يا ميرا..إذا كنت تريدين الرجوع فقط أخبريني..سأوقف كل أعمالي هنا وأعود بك..
- كلا يا أبي...ليس هناك شيء..حقًا لا ينقصني شيء وأنت لم تأتي بي إلى هنا بالغصب..بالعكس أنا فرحة جدًا هنا وشكرًا جزيلًا لأنك أحضرتنا إلى هنا.. ونظر إليها بتشكك.. ثم نهض ومشى خارجًا...هكذا هي عادته يقول ما يريد ثم يذهب بدون إنذار.. وعندما وصل الباب استدار وقال لها...
- إن كان أي شيء ينقصك أو أي شيء تريدينه فقط قولي لي وسأحضره لك حتى لو كان تحت سابع أرض.. وابتسم ورحل...ذهب..تاركًا ميرا وحيدة.. (أريد نبيل يا أبي..إنه ينقصني جدًا يا أبي..فهلّا تحضره لي؟؟)
* * *
- ألم أقل لك بأنها سعيدة هنا؟!
- أجل..لست أعلم..أرجو أن تكون صادقة..
- ما كان عليك أن تسألها منذ البداية..ميرا ابنتي وأنا أعرفها..
- السؤال لم يضر..
- ولم ينفع
- دعينا من ميرا..قولي لي هل رأيت الحدائق والبركة؟؟
- كلا لم أرها حتى الآن..
- ما رأيك بأن ننزل قليلًا إلى الأسفل..منه نروّح على أنفسنا ومنه تشاهدين روعة لبنان...
- حسنًا..ولكن دعنا نطمئن على سعاد وميرا أرجوك..
- حسنًا.. وخرجا من غرفتهما متجهين نحو المصعد..ونزلا به نحو الطابق الثالث حيث تنزل ميرا وسعاد..وما إن فُتح بابه حتى رأيا ميرا أمامهما...
- ميرا؟ وركضت ميرا واحتضنت أمها بقوة..
- أمي عزيزتي لقد اشتقتك.. وقبلت يدها ثم يد أبيها...
- إلى أين أنت ذاهبة؟ وأين سعاد؟
- سعاد جنب البركة..نزلت منذ الصباح الباكر..وأنا كنت سأنزل خلفها..
- حسنًا إذن سننضم لكما.. ونزلوا جميعهم بالمصعد حتى وصلوا الطابق الأرضي..واتجهوا نحو سعاد ..وكم كانت سعيدة سعاد..كانت تضحك من أعماق قلبها..وقبل أن يصلوها رأوا شابًا يخرج من بركة السباحة ويتجه نحو سعاد ثم يجلس جنبها.. ووقفت ميرا بذهول..إنه..إنه ذلك الشاب من المصعد... ماذا يفعل مع سعاد؟!
- مرحبًا عزيزتي..
- أهلًا أبي..أهلًا أمي.. وضمتهما بقوة..
- أبي أريد أن أعرفك على يـ..
- أنا يوسف حرب ابن مالك هذا الفندق..يسرني التعرف عليك.. ومد يده وصافحه..
- أهلًا وأنا أكون أيـ..
- أنت أيمن سليمان..أخبرتني عنك سعاد!! ثم صافح أمها وثم صافح ميرا وانحنى على يدها وقبلها... واشتعلت الغيرة في قلب ميرا..إنها تذكر جيدًا عندما لم ينظر إليها أثناء خروجها من المصعد..فلماذا نظر إذن إلى سعاد؟ وبأي حق يجلس معها ويمازحها؟؟
- ميرا..أين شردت؟!
- ماذا؟..هل حدثتني؟
- كلا إنه يوسف ألم تسمعيه؟ والتفتت إلى يوسف بقرف ... لا زال هذا الشاب اللبناني الذي لا يفوق حبيبها نبيل وسامة في نظرها...
- أي خدمة؟
- كنت أسألك هل تسبحين؟!
- أجل أسبح ..لماذا؟
- هل تريدين أن تتحديني؟ فنظرت إليه باشمئزاز..
- ولماذا أتحداك؟؟
- لا ذنب لي..هذه فكرة سعاد ألم تسمعيها؟! (سعاد..سعاد..سعاد..لو أنك قلت لي أي شيء آخر لكنت قبلت..ماذا يعجبك بها؟ إنها مقعدة...أكيد أنت تكلمها كي تصل إلي) وابتسمت بسمة ماكرة عندما وصلت بها الأفكار إلى هنا.. ورأت أنها إذا قبلت ستسهل عليه الطريق كي يخبرها بحبه..وهي لن تقبل به..فقط ستعذبه وترضي أنوثتها...
- حسنًا ولكن كن واثقًا بأني سأغلبك!! ولم يعرها أي انتباه بل التفت إلى سعاد وسألها:
- وأنت يا حلوة ما رأيك..من سيغلب أنا أم هي؟! (يا حلوة؟! ماذا يقول هذا المجنون لأختي؟؟؟ هالــو..أيها الأهبل الحلوة مقعدة أنا التي تسير هنا!!)
- أنا أشجع المنتخب اللبناني!! وضحكا سويةً ..وكم بديا جميلان معًا..كالعصفورين طاهِرَيْن وصافيين!!
- وأنت يا عمي من تشجع؟ (عمي؟!..هل أصبح عمك الآن؟..رويدك علي سأريك ما معنى أن تتحداني!!)
- أنا مع ابنتي.. هذا شخص يعرف كيف يربح..وها هو يرفع معنوياتها أيضًا..وابتسمت ميرا..قبل أن تسمع جواب أمها على سؤال يوسف المتكرر ثم استأذنت كي تذهب وتبدل ملابسها..وصعدت إلى غرفتها مسرعة ورأسها يغلي من القهر والغيرة..ولبست لباس البحر..واختارته ضيقًا قدر المستطاع ومكشوفًا قدر المستطاع حتى برز نهداها سيفين على خارطة الجسد..وساقان ممشوقان .. قصدت أن تُظهر جمالهما ليوسف...كي يعرف ويرى ماذا سيفقد إذا أحب سعاد ولم يحبها هي!! لم تكن تعلم لماذا باتت تفكر هكذا..ربما نبيل السبب..إنها تحبه لا بل تعشقه..لا بل تموت فيه ولكن هذا كله لم يكفي كي يقف حدًا أمام غيرتها واعتزازها الزائد بنفسها التواقة إلى سماع كلمة "أحبك" من أيٍ كان.. ولفّت جسدها الممشوق بمنشفة ملونة ثم عادت ونزلت إلى البركة..وأثناء سيرها صفر لها أحدهم...ولم تلتفت له ولم تصده..بل ابتسمت..لقد كانت بحاجة إلى هذه الصفرة كي تشعر بأنوثتها.. وعندما وصلت أمام البركة..فجأة تملكها الخجل.. من أبيها الجالس هناك ومن أمها.. والأهم من ذلك من يوسف.. هذا الذي أثار في نفسها ذلك الحقد على سعاد... ووقفت أمامهم جميعهم وعيونهم معلقة عليها وبسماتهم معلقة على وجوههم...
- هيا اخلعي المنشقة وانزلي إلى الماء.. كي نرى من سيربح.. (اصمتي يا سعاد..دائمًا تقولين الكلام الغير مناسب في الوقت الغير مناسب) ونظرت إلى يوسف..لم يكن ينظر إليها..بل كان ينظر لسعاد ويبتسم...ولاحظت ذلك البريق في عينيه...واشتعل صدرها ومن دون شعور خلعت عنها المنشفة وغطست بسرعة إلى الماء ...
- هيا يا يوسف..أم تخاف التحدي؟؟ فضحك يوسف..
- كلا...أنت لست تعرفين بأي مصيبة ورطت نفسك...سأهزمك شر هزيمة... | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 5:18 pm | |
| الفصل السابع"رسالة إلى نبيل"
لم تعد ترغب بمرافقة أختها سعاد وذلك الذي يدعى بيوسف...فمنذ أن هزمها بالسباق وهي لا تستطيع أن تراه أو أن تسمع صوته، وعندما علمت وأيقنت الآن بأنه يحب أختها.. هذا يجعلها تنسى أمره.. فهي تحب سعاد وتتمنى لها كل خير..ويوسف شاب مهذب ووسيم وغني ولا تشوبه شائبة... تمامًا مثل نبيل.. وعندما استشعرت بنبيل خفق قلبها بقوة وشعرت بخوف يقبض على صدرها... خوف من نوع مختلف...مبعثر على صفحات اللذة..خوفًا ينزف آمالًا وحبًا...وسَرَت قشعريرة باردة بكل أجزاء جسمها..إنه حتمًا الشوق... تُرى ما هو فاعل الآن؟..هل يفكر بها كما تفكر به؟..هل يشتاقها؟ لماذا لم يحاول أن يتصل بها؟!..آه صحيح لم تخبره بعنوان الفندق فما أدراه؟؟ تُرى هل نظر إلى إحداهن كما نظرت هي إلى يوسف؟؟ .. وتصدعت في رأسها جملة نُسيت تحت غبار الزمن... " أنا أنت وأنت أنا ".. وشعرت بالدفء... " أنت حبيبة القلب... ميرا!!" وازداد الدفء حتى لامس روحها...وشعرت بنشوة رائعة فأغمضت جفناها بهدوء.. آملة لو تخفي صورة حبيبها في جوف عينيها بعيدًا عن كل البشر!! وفجأة طرأت لها فكرة مجنونة.. أجل إنها فكرة مجنونة ولكنها معقولة...ستكتب لنبيل رسالة... ستخبره بمدى شوقها له وكم تحبه..وسوف تطمئنه على نفسها... وعندما يرد لها الرسالة سوف تطمئن عليه وقد تُسكت وحوش الشوق هذه عن الزعق في صدرها.. وركضت وأخرجت ورقة من عندها ثم قلمًا وبدأت تفكر... (ماذا سأكتب له؟..ماذا سأكتب له؟!)
- مرحبًا..
وفزعت ميرا فرمت القلم من يدها وبسرعة خبأت الورقة تحت الوسادة وكل هذا حصل لا شعوريًا..فالورقة كانت لا تزال بيضاء..
- بسم الله الرحمن الرحيم .. لقد أخفتني يا سعاد!!
- مرحبًا يا مغلوبتي...
- آه ويوسف أيضًا؟..أهلًا.. ( هذا ما كان ينقصني!!)
- اسمعي جئت أنا ويوسف كي ندعوك معنا، سوف يفسحني يوسف في لبنان!!
- ممم...كلا أفضل أن أبقى هنا..
- أنا المرشد السياحي إن لم تأتي ستخسرين..
- لأنك أنت المرشد السياحي لن آتي..
- ميرا..لا تكلمي يوسف هكذا!!
- لا بأس فهي لا زالت متضايقة لأنني هزمتها...
- آسفة يوسف وآسفة سعاد ولكنني أريد أن أبقى وحدي..
- حسنًا إذًا إلى اللقاء.. ونصيحتي لك انزلي واجلسي برفقة والداي..قد ترفهين عن نفسك قليلًا لأننا سنغيب طويلًا.. ثم نظرت إلى يوسف الذي كان يقف بقامته الطويلة جنبها ويبتسم وينظر إليها.. وضايقت هذه النظرة ميرا..ومع ذلك قاومتها..
- إلى اللقاء..اقضوا وقتًا ممتعًا.. ونظرت سعاد إلى يوسف نظرة مليئة بذلك البريق الإلهي..
- أكيد سنقضي أحلى وقت.. وخرجا معًا..ويوسف لم يكن يجرها ولم يساعدها حتى..بل مشى جنبها.. وعادت ميرا لتبحث عن القلم..وأين وضعت الرسالة؟؟ لقد نسيت!! وتملكها الغضب بسرعة فصعدت إلى الطابق الرابع إلى الغرفة 212 تحديدًا..إلى والديها..
* * *
- ها نحن في طبيعة لبنان..
- أجل سبحان من خلق هكذا أرز..لبنان جميلة وقوية..
- بوجودك.. وابتسمت سعاد بخجل ثم..
- ألن تخبريني عن سبب كونك مقعدة؟؟
- لماذا أنت مصر أن تعرف؟
- لأن عمي طبيب وبودي أن أعرض عليه حالتك..فإن كان هناك أمل بشفائك سوف أكون أسعد إنسان بالوجود..
- صحيح؟!
- نعم..لن يكون هناك أسعد مني في هذه الأكوان...
- كلا..أقصد هل صحيح بأن عمك طبيب؟!
- آه أجل
- ولكن أبي أيمن وحياة أبي صالح لم يقصرا معي فقد عرضاني على عشرات الأطباء ولم أستفد أي شيء..
- وإن عرضتك أنا على طبيب آخر فلن تخسري شيء .. ثم عمي طبيب ماهر ويُعّد الأشهر في المنطقة!! وطار بها خيالها إلى بعيد.. ورأت نفسها تركض بين الزهور والفراش..ورأت نفسها تراقص يوسف!! وأعجبها حلم اليقظة هذا .. وابتسمت..
- ولكن.. إن سرت مجددًا فذا معناه أن الله تخلى عني ولم يعد يحبني بعد!! وأهاله بما أجابت..فقد توقع كل شيء إلا هذا..
- كلا..إن سرت مجددًا فهذا يعني بأن الله يحبك ويحبني ولذلك سيكافئني بك...ولا يهم إن كنت مقعدة أو لا..فالله يحبك لا محالة.. وأطربها حديثه وكلماته..
- حسنًا..
- إذًا أخبريني الآن كيف أصبحت مقعدة؟
- حسنًا..إليك ما جرى..عندما كنت أبلغ السابعة ، كنت ألعب أنا وأختي ميرا على شرفة غرفتها التي تبعد كثيرًا عن الأرض.. وكان هناك لعبة أن نقف على حافة فتدفع إحدانا الأخرى وتمسكها بآخر لحظة في هدف إخافتها...لا أعلم من اخترع هذه اللعبة السخيفة ولكن شاءت الأقدار أن تصل إلى متناولنا..ميرا تكبرني بثلاثة أعوام وهي البكر وأنا آخر العنقود.. وكانت أكبر مني من ناحية جسمانية أيضًا..وعندما حان دورها كي تدفعني، دفعتني ولم تسيطر على دفعتها بحيث لم تعلم متى عليها أن تمسكني مرة أخرى.. ووقعت أنا على الأرض وفي الحال فقدت الوعي..ولكن لم تكن هنا المشكلة فحياة أبي صالح أتى على صراخ ميرا..وعندما رآني ملقية بتلك الحالة على التراب..جُنّ جنونه وعمى ألم الأبوة عينيه..فركض مسرعًا وحملني على يديه ثم ذهب بي إلى أقرب مشفى..في المشفى أخبروه بأن حمله لي وأنا في تلك الحالة كان أكبر غلطة فهذا هو الذي سبب لي الشلل..أوتعرف أكثر ما ألمني بالأمر؟!..عندما رأيت الكرسي المتحرك..كان عيد مولدي وأحضره لي أبي..كان رائعًا لمن يستطيع السير ويريد تجربته عن دلع..فقد زيّنه أبي لي ولوّنه ورسم لي عليه هو وميرا فراشات وزهور...ولكن مع كل ذلك.. رأيته كابوسًا مظلمًا كالوحش سيطبق على قدماي..وبقيت أسبوع كامل أرفض أن أجلس عليه.. وتدحرجت دمعة على وجنتها عندما ثارت في قلبها تلك الذكرى.. وأثارت في قلب يوسف الغصّات..
- أنا آسف لم أقصد أن أضايقك..
- لا بأس.. ولكن هل تعتقد بأن عمك سيجد لي حل؟
- مممم...أعتقد ذلك، على كلٍ أنا سأخبره وسنرى ما سيقول..
- شكرًا يا يوسف..شكرًا جزيلًا..هذا كثير على واحدة مثلي لست تعرفها!!
- أعرفك والله..فأنت تقطنين بهذا القلب!!
* * *
- آه لقد تذكرت..
- ماذا تذكرت يا بنتي؟
- كم أنا غبية...اسمعي ماما أنا سأعود لغرفتي إن كنت بحاجة لأي شيء أنت أو أبي فأرجوك أخبريني...إلى اللقاء..
- ميرا..ميرا..ماذا هناك؟! وخرجت ميرا من غرفة والديها راكضة نحو غرفتها..ورفعت وسادتها وكانت تحتها تستلقي بهدوء الرسالة البيضاء الخالية من الكلمات.. وتنهدت بارتياح وذهبت إلى الباب وأوصدته جيدًا وأدارت المفتاح به مرّتان..فهي ليست بحاجة لمفاجأة أخرى الآن كمفاجأة سعاد ويوسف..إنها تريد أن تكون وحدها مع هذه الرسالة التي ستخط عليها أشواقها لنبيل... وحملت القلم وكتبت... "عزيزي نبيل..تحية عطرة وبعد؛ أكتب لك هذه الرسالة لأني أعتقد بأنه.. أولًا: من حقك أن تعرف ما الذي فعلته بي هنا وأنا في لبنان..فأنا لست أرى شيء ولا أسمع شيء سواك..وسوى كلماتك الرائعة التي ربطتها بعمري منذ التقينا ومنذ تحدثنا لأول مرة...مع إني لا زلت لا أعلم ما الذي وترك عندما علمت بأن صالح سليمان هو أبي لا غير!! حبيبي نبيل..لست أكتب لك هذه الرسالة كي أعاتبك على شيء.. بل بالعكس..أنا أكتب لك هذه الرسالة كي أخبرك كم أشتاقك، في كل لحظة..في كل ثانية ..لست تعلم إلى أي مدى..ومع أنك بعيد عني مسافة دولة وحدود إلا أن حبك يكبر في قلبي يومًا بعد يوم.. ولا يمر يوم دون أن أذكرك..لأنني أحبك أكثر من كل هذه الأكوان، وأعشقك أكثر من ما مرّ على الدنيا من أزمان.. حبيبي أنت ومن غيرك في هذا القلب يسكن؟؟..عشيقي أنت ولعشقي ولذودي مسكن!! وثانيًا كي أطلب منك أن تطمئني على نفسك ..أرجوك..فلست أحتمل أن أعيش هنا دون أن أعرف إذ كنت تحيى بسلام..وأقسم بحبنا الذي لم يتواجد مثله بعد بأني مخلصة لك في كل لحظة وفي كل ثانية.. نبيل...لست أستطيع أن أبثك أشواقي أو أن أشرح لك مدى حبي واشتياقي؛ لأنني سأستهلك كل الورق الذي وجد منذ بداية التاريخ وحتى الآن..ولا تكفي هذه الأوراق.. ولست أستطيع أن أطيل عليك بكلامي وأعطلك عن عملك وأشغالك..حبيبي نبيل، اشتقتك جدًا وأحبك جدًا فطمئني على نفسك أرجوك!! أحبك إلى الأبد: ميرا سليمان.." ووقعت في أسفل الورقة وعادت وقرأتها عشرات المرات ثم عطرّت الرسالة بعطرها..أرادت أن يتنشقها نبيل بينما يقرأ رسالتها وأن يستحضرها..ثم وضعتها بمغلف وكتبت على ظهره.. إلى نبيل--- وأول مرة تنتبه أنها ليست تعلم ما اسم عائلته ولا من يكون أبوه ولا عنوانه ولا شيء البتة..فقط تعرف بأنه نبيل معشوق البنات ومعشوقها..وخطرت ببالها فكرة فكتبت على ظهر الظرف... إلى نبيل معشوق البنات!! ثم خطّت اسم بلدتها واسم موطنها وخبأت المغلف بين ثنايا ثوبها وهمّت بأن تخرج من الباب..ثم طرق خفيف و..
- أنا آتية.. وفتحت ميرا الباب وإذ بسعاد أمامها..وحدها..وكم كانت سعيدة!!
- مرحبًا ميرا..
- أهلًا..
- ألا زلت هنا منذ خروجي أنا ويوسف؟؟
- كلا كنت مع أمي..صحيح أين يوسف؟؟
- أظنه عند عمه!!
- من عمه؟ أبي؟!
- أبي؟! هاها..كلا عمه الطبيب رمزي حرب..
- آه..حسنًا أنا سأنزل قليلًا إلى الأسفل..إلى اللقاء.. ولم تجبها سعاد فقد كانت شاردة، وعندما وصلت ميرا الباب..
- هل تعتقدين بأنه يحبني؟! (ماذا؟ يحبك؟! من؟؟) واستدارت مئة وثمانون درجة ونظرت بدهشة إلى سعاد..
- ماذا قلت؟
- سألتك.. هل تعتقدين بأن يوسف يحبني؟! وزاد اتساع مقلتا ميرا..
- هل تتكلمين من كامل قواك العقلية؟
- أجل .. وهل هناك ضير إن أحبني؟!
- كلا..كلا بالمرة..أنا سأنزل للأسفل ولا شأن لي بهذه الأمور.. وأكملت ميرا مسيرها وهي مندهشة أشد دهشة.. (ماذا حدث لتلك المجنونة؟!) ونزلت إلى واجهة الفندق حيث توجهت نحو عامل الاستقبال..
- مرحبًا..
- أهلًا وسهلًا سيدتي... هل أستطيع أن أخدمك؟
- ممم..كنت أتساءل إذ كان..إذ كنت..اسمع فقط كنت أريد أن أرسل هذا المغلف.. وناولته المغلف..
- حسنًا لا مشكلة!
- ممم..هل علي أن أدفع شيئًا ما؟!
- أنت صديقة يوسف ابن صاحب الفندق صحيح؟
- مم..في الواقع..حسنًا..نعم أجل!!
- حسنًا إذًا اعتبري توصيل هذا المغلف هدية من الفندق..
* * *
- إذًا سترحلون غدًا؟
- أجل..للأسف!!
- وهل كانت إقامتك هنا ممتعة؟
- أجل..صدقني سأشتاق للبنان كثيرًا!!
- ولي؟!..هل ستشتاقين لي؟! وأهالها هذا السؤال وأخجلها بنفس الوقت..
- وهل ستشتاقني أنت يا يوسف؟!
- طبعًا يا سعاد..أنت تملكين روحي!! ودُهشت مما تلقط أذنيها..
- ماذا؟! ما الذي تقوله يا يوسف؟!
- سعاد..أنا أحبك، وأحببتك منذ رأيتك في المصعد..
- يوســـــــــــــف!!
- سعاد..أرجوكِ..أرجوكِ لا ترفضيني..
- ولكن..أنا مقعدة!! وأنكست رأسها بألم..
- لا يهمني..أنت روعة..ثم أنني حدثت عمي بخصوصك وقال بأنه سيعاينك كي يرى ما يستطيع فعله...سعاد أنت لي!!
- ولكن...أنا لا يحق لي بأن أحب أحد..لن أفيك حقك..كيف سأقبل بأن أظلمك معي أنا؟!..أنا مقعدة!!
- كلا..ستقفين..والله!! وهذا وعد مني يا حبيبتي..ماذا قلتِ؟ وأخفضت رأسها بخجل ثم ردت:
- وماذا عساي أقول؟!.. لقد ولجت لقلبي منذ البداية..
* * *
كان هذا الخبر مفاجئًا على العائلة بأكملها.. وخصوصًا بأن يفاجئهم يوسف بهذا في نفس يوم سفرهم..ميرا كانت أكثرهم دهشة فهي لا زالت لا تعي حتى الآن..بأي حق يخطب يوسف أختها سعاد من والديها؟! فالفتاة مقعدة!! تمت الخطبة بسرعة لأن المدرسة كانت على الأبواب وعليهم أن يعودوا بسرعة إلى أراضي الوطن، ولذلك تبادل يوسف وسعاد بأرقام الهواتف..وتواعدوا بأن يزورها كلما يستطيع..واتفقوا كذلك أن تأتي في وقتٍ لاحق إلى لبنان فيعرضها على عمه.. وعندما تسير بإذن الله سيتزوجان.. كانت تلك أروع اللحظات في حياة سعاد...فهي لم تتوقع أن تقع بالحب أبدًا وليس هذا فقط..بل إنه يحبها أيضًا، وهي مخطوبة الآن لأروع شاب لبناني على الإطلاق.. حصل كل شيء بلمح البصر...أو لربما هذا ما تراءى لميرا.. فقد كانت تجلس على أحر من الجمر؛ كانت تتوق للعودة بأسرع ما يمكن..حتى أنها حزمت حقائبها قبل الجميع وكانت دائمًا تستحثهم على الإسراع... فقد كان قلبها ينبئها بأن شيئًا سيئًا حصل لنبيل... ليست تعلم لماذا يغمرها هذا الشعور وهذا الألم ولكن إن لم يكن ذلك فعلى أي أساس لم تصلها رسالة منه بعد؟! ولكن لا بأي فها هي أخيرًا عائدة إلى الوطن.. وعائدة إليه.. وحان الوقت للرحيل فخرجوا جميعًا من الفندق.. وبقيت سعاد قليلًا مع يوسف...
- سأشتاقك يا حبيبتي..
- أنا أكثر..
- أرجوك طمئنيني كل فترة عنك..أنا سأتصل بك دائمًا.. وإياك أن تتأخري علي أرجوك..
- حسنًا يا حياتي..
- سعاد..لن أحتمل هذا البعد وصدقيني..سآتي إليك كلما سنحت لي الفرصة..
- حسنًا يا حبيبي وإياك أن تتأخر علي..
- نعم يا عزيزتي لن أتأخر عليك..
- يوسف.. هل أنت أكيد من أن عمك سيعاينني ويعيد إلي قدماي؟!
- أنا أكيد مثلما أراك الآن.. عمي الطبيب رمزي حرب.. اسألي عنه أينما تريدين ..نار على رأس علم وإن شاء الله سيشفيك بيديه الساحرتين..
- إني أتحرق شوقًا لذلك يا يوسف..تخيل أن أستطيع أن أمشي على قدماي مجددًا..
- ستمشين يا حياتي..ستمشين وسنتزوج وستنجبين لي الكثير من الأولاد...
- يوســـف.. عيب!! وابتسم يوسف..
- أيوة هيك اضحكي.. يا حياة قلبي..
- يوسف.. ها قد حان موعد رحيلي يا عشقي..ولن أقل وداعًا بل إلى اللقاء..
- إلى اللقاء يا حبي الأزلي.. ثم قبّل باطن يدها البارد.. فمسحت بيدها على وجنته ونظرت مباشرة في عينيه وترقرقت في عينيها دمعه..ثم..
- أرجوك انتبه إلى نفسك جيدًا يا حبيبي.. فلست أقوى على أن أخسرك!
- لن تخسرينني أنا لكِ وأنت لي..وعمري يا سعاد لن أحب أحد سواك..لأن الحب في قلبي لم يولد سوى لك.. وابتسمت سعاد ونزلت عبرتها حارقة في قلب يوسف .. فمسحها لها بإصبعه ثم قبّل باطن يدها مرة أخرى..
- انتبهي إلى نفسك يا حبيبتي..أرجوك.. وأوصلها إلى أهلها.. ثم.. كم كانت صعبة ساعات الوداع وكم أنّت على باب العاشقين عثرات الرحيل.. | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 5:21 pm | |
| الفصل الثامن "و أخيرًا أعود إلى نبيل"
لم يكن قد مضى علىوصولهم من لبنان سوى بضع دقائق.. أمها وأبيها استسلما للنوم فورًا فقد كانت الرحلة متعبة، أما سعاد أختها فقد ركضت للهاتف واتصلت بحبيبها يوسف كي تُطمئنه على نفسها..أما هي فركضت إلى غرفتها وأوصدت خلفها الباب.. وأخرجت ورقة بيضاء من مخبئها خُطت عليها بضعة أرقام رُبطت بعمر ميرا!!.. كان هذا رقم نبيل..وكانت عازمة على أن تتصل به.. ودارت بعقلها الأفكار..وجرّت خلفها شريط من أحلام اليقظة اللذيذة.. فقد تخيلت نفسها تتصل بنبيل ويرد عليها ويمطرها بكلمات الحب والشوق واللهفة..ثم يعتذر كونه لم يرد على رسالتها.. وقبل أن تفكر بالأمر مرتين مسكت هاتفها ودقت الأرقام... واحد تلو الآخر.. كانت مع الجميع تفكر مليون مرّة قبل أن تتكلم، وتحسب لكلمتها ألف حساب..إلا مع نبيل..كانت تقول أول ما يأتي ببالها..وتفعل أول ما تفكر به..لم تكن بحاجة لأن تخطط لأي شيء عندما تتحدث مع نبيل.. فهي لا تخطط لشيء عندما تخاطب نفسها..أجل فنبيل هو نفسها وروحها وحياتها وكلها..فـ.."أنا أنت وأنت أنا" وأغمضت عيناها بهدوء وشهقت شهقة عميقة دافئة لتُدخل معها نبيل إلى أعماق كيانها... ورنّ هاتف نبيل طويلًا ثم المجيب الآلي و.. " أهلًا ، معكم نبيل.. أتركوا لي رسالة"
- نبيل..هذه أنا ميرا..أردت فقط أن أقول بأني اشتقتك جدًا و..وعندما تستطيع اتصل بي أرجوك..فأنا بحاجة لأن أسمع صوتك!! إلى اللقاء يا حبيبي.. وأقفلت السماعة بهدوء..وتضايقت..أجل تضايقت!!..لم يكن هذا ما تخيلته قبل قليل...ولكن لا يهم..المهم بأنها عادت أخيرًا إلى نبيل!!..وإن لم تره الآن فستراه غدًا..أكيد ستراه..وابتسمت عندما وصل بها تفكيرها إلى هذا الحد... واستلقت على سريرها ووضعت يديها تحت رأسها ثم حدقت بسقف الغرفة...إنها تحبه..أكيد تحبه..فلولا أنها لا تحبه ما كان حصل لها كل ما حصل في لبنان.. وكل هذا الشوق واللهفة، والرغبة أن تره وتسمع صوته..ورأت بسمته في سقف غرفتها، تلك البسمة الشفافة التي كلما رأتها شعرت بأطرافها تتخثر وعقلها يتخثر ولا تشعر بشيء سوى بنبضان قلبها العاشق..وبينما هي في نشوتها هذه طرأت على رأسها فكرة مجنونة..ماذا لو حدث شيء لنبيل؟! ماذا لو حدث له أي مكروه؟!..واغرورقت الدمعات في عينيها..كلا!! هي ستموت إن مسه أذى..وترغرغت العبرات في مقلتيها ، وقبض على قلبها ألمٌ عجيب وتملكها خوفٌ مرعب .. وشعرت بروحها تختنق..وركضت إلى هاتفها وضربت الرقم مرّة أخرى..
- أرجوك ارفع السماعة يا نبيل... أستحلفك برب السموات..أرجوك..أرجوك..أرجوك!! ولم يرفع نبيل السماعة واتصلت مرة أخرى ومرات ولم يرفع السماعة، وشعرت بجسدها ينهار وأحلامها تنهار وكلها تنهار.. (حبيبي نبيل..حياتي نبيل..ماذا جرى لك يا بعد عمري؟ أموت إن مسّك مكروه أو لمسك أذىً!!) وبين الشهقات والزفرات وظلال العبرات.. وها هو هاتفها يرّن.. وها هو رقم نبيل يظهر على شاشته..وها هي ابتسامة رائعة تشق طريقها نحو شفتيها..
- ألو.. نبيل حياتي اشتقت لك جدًا جدًا.. ردّت عليه بشغف ،وببرود أجابها:
- ميرا..آسف كل ما بيننا انتهى!! وأقفل الخط في وجهها!.. (ماذا؟ انتهى؟! من؟!) وجمدت في مكانها وتسمرت قدماها في الأرض وعيناها في الفراغ وبقيت في نفس الحال ، لم تحرك ساكنة.. كان لا يزال هاتفها على أذنها..وكأنها تريد أن تستشف من جموده معنى كلمات نبيل..وألقته من يدها وضربته بالحائط.. (أيها الملعون!!) ووقعت على سريرها وأجهشت بالبكاء..
- لماذا يا نبيل؟..لماذا فعلت بي هذا؟ وأنا التي وثقت بك وصدقتك وأحبتك!!..ماذا فعلت لك يا نبيل؟! لماذا طعنتني من الخلف؟ لماذا خنتني وكذبت علي؟! وأجهشت بالبكاء حتى كادت الدمعات تُغرقها..وشعرت باشمئزاز من نفسها.. ما كان عليها أن تحبه!..كان عليها أن تعرف منذ البداية أنه لن يهدي قلبه لها؛ فهو معشوق البنات وألف فتاة تتمناه، فكيف سيفكر بها؟!.. شهرٌ واحد الذي قضته في لبنان..لا غير،كي تعود وتجده بدونها؟! ورنّت في أذنيها ذكرى.. " إن أردتني لكِ عليكِ أن تحبينني من أعماق قلبك..وإن أحببتني بصدق.. يومًا لن أتخلى عنكِ" كم هي قاسية هذه الكلمات وكم هي كاذبة..كالأفعى تتلوى على رقبتها وتُطبق على قلبها الحزين وتنشر فيه سمّها القاتل.. (لماذا تخليت عني يا نبيل؟! لمــــاذا؟!..أهو ذنبي إن وثقت بك وأحببتك بصدق؟! أهو ذنبي إن صدقت كلامك المعسول وصدقت وعدك الزائف؟!) واحمرّت عيناها واشتعل في صدرها غضبٌ شديد اشتعل من شرارة ألم..وضاقت فتحة عينيها ثم...
- ستدفع الثمن غاليًا يا نبيل... والله..لست أنا من تغدر بها!! لقد وقعت في شراك الفتاة الخطأ..ستدفع الثمن غاليًا يا معشوق البنات!!
* * *
- هل اتصل بك يوسف اليوم؟
- أجل..وقد طلب مني أن أوصل سلام أبيه لكَ وللجميع...
- الله يسلمه..هل هو بخير؟
- نعم يا أبي..
- والله أن يوسف هذا ابن حلال.. وطأطأت سعاد رأسها بخجل...أمها دائمًا تتكلم دُرر.. كانوا يجلسون جميعهم على مائدة الغداء..ولكن إن عددتهم وجدتهم ثلاثة أفراد..ينقصهم واحد..الأم ،الأب وسعاد و...
- أين ميرا؟!
- أظنها بغرفتها..
- لماذا لم تأتِ لتشاركنا الطعام؟
- لا أعلم..قالت لي بأن لا نفس لها..
- ولكنها لم تفطر معنا أيضًا...وأعتقد بأنها لم تملأ بطنها بشيء منذ وصولنا..
- هل أناديها؟!
- كلا...دعيها..ستأتي الساعة التي تجوع فيها.. وابتسمت سعاد ثم أردفت:
- أجل..عندما تجوع ميرا يكون عليها وعلى أعدائها.. وضحكوا جميعهم غير عارفين بأن ضحكاتهم التي تصل إلى مسامع ميرا في تلك الغرفة المغلقة تمزقها، تحطمها..لماذا هي عكسهم دائمًا؟! لماذا هي عالة على هذه العائلة؟! في لبنان كانت عالة عليهم وهنا عالة عليهم.. كم كانت ستكون حياتهم أجمل لو لم تكن هي بينهم..لو لم تولد أبدًا.. لكانت الآن سعاد تسير..وكان يوسف تجوزها فورًا.. يوسف؟!..ليست تعلم لماذا كلما تذكرته شعرت بذلك الحنق في صدرها..ربما لأنه - ورغم أنها تسير على أحلى قدمين- فضّل عليها أختها المقعدة..أو ربما لأنه لا زال يصون سعاد مع أنه تفصلهم دولة وحدود، بينما تركها نبيل وهما في نفس البلد لا تفصلهم سوى بضع شوارع وخطوات.. أو ربما لأنه هزمها بالسباحة.. نبيل يحب السباحة أيضًا.. " ينتابني أجمل شعور وأنا أسبح..أن تكون لك القدرة على أن تتغلبي على قوة البحر..وقوة الجو.." أجل لا زالت تذكر كلماته.. كلمة كلمة وتحفظهم عن ظهر قلب.. فكل كلمة قالها، كل همسة..كل حركة محفورة في قلبها المعذب أسطورة!! (لماذا يا نبيل؟ لماذا فجعتني؟.. ماذا اقترفت أنا من ذنب؟! ماذا فعلت؟!) وأجهشت في البكاء..وكأنه كُتب عليها أن لا تهنأ بحياتها.. فكلما أحبت شيء خُطف منها وتلاطمته أمواج الحياة وحطمته ونثرته على قلاع رمالها الخيالية... كم رسمت لنفسها لوحات.. كلها تزهوها الألوان ويتربع على عرشها نبيل...وها هي لوحاتها الآن.. باتت شاحبة ، مظلمة، مُزّق من رقعتها نبيل ومَزَّقَ معها قلبها المفجوع الحزين.. ونظرت حولها إلى كل هذا الفراغ في غرفتها..إلى كل هذا الجماد..ليتها واحدة منهم، لكان لا شعور لها.. فما كانت شعرت بالحب ولا بالشوق ولا بالألم والعذاب والمعاناة..لكانت مثلها مثل أي شيء لربما تفيد ولكنها لا تضر.. لكان نزيف هذا العشق المذبوح على أرشفة عبراتها مجرد حلم وخيال... لما كان تملكها يومًا الشعور بالانتقام...وكيف ستنتقم من نبيل؟! فهي إن مسّه مكروه تموت... إن انزعج أو تضايق جُرحت ألف جرح..فكيف سيقوى قلبها على أن يحطمه، على أن يكسره...أم أنها لن تستشير قلبها بعد الآن؟..ستستشير فقط كرامتها المغدور..
- ستدفع الثمن غاليًا يا نبيـــــــــــــل!!
* * *
كان قد مر عليها وهي بهذه الحال أسبوع..لا تأكل، لا تشرب، لا تعيش... اليوم خرجت سعاد مع أمها وأبيها كي يلاقوا يوسف..أجل يوسف!!.. لقد تركوه منذ أسبوع وها هو يزورهم لأول مرّة..إنه الشوق والحب..ولأول مرة حسدت سعاد أختها على ما هي فيه..أجل حسدتها مع أنها تسير وسعاد لا!!.. مع أن نبيل سبق أن أحبها هي وليس سعاد..ولكن هل أحبها نبيل؟! ليست تعرف..ولا تريد أن تفكر به الآن.. فكلما تذكرته شعرت بأنفاسها تختنق وبروحها تُسجن..إنها تتوق للحرية، ولنبيل.. وتدحرجت العبرات على وجنتيها حارة حارقة..ليست تعي لماذا لم تنتهي العبرات من عينيها بعد؟! هل لأنها لم تبكيه كفاية؟! (كفى، كفى أخرج من رأسي يا نبيل..لن أعاتبك، لن أكلمك.. فقط اخرج.. ولكن انتبه سأنتقم منك، سأجعلك تندم لأنك عبثت بمشاعري!!) وكرّت الدمعات من مآقيها ولم تفر..وبينما هي في أعماق صومعة حزنها وألمها دق الباب...لم يكن بالبيت أحد سواها..ولم تكن تملك القوة كي تمشي نحو الباب..ودق الباب طويلًا..وشعرت به يطرق في رأسها حتى كاد ينفجر..
- حســـــــنًا أنا آتية.. صرخت بغضب وبحنق.. ثم فتحت الباب بهدوء، وكان خلفه يقف رجل أول مرة تره..
- نعم؟! أي خدمة؟
- أجل يا سيدتي هل هذا بيت أيمن سليمان؟
- نعم..إنه كذلك..
- لدي هنا رسالة له هل لك أن توقعي لي هنا بأنك استلمتيها؟!
- رسالة؟! (إنه نبيل حياتي!!)
- مِن مَن؟؟
- لا علم لي يا سيدتي...هل لك فقط بأن توقعي؟
- نعم..أجل طبعًا.. ومسكت منه القلم ووقعت بخط سريع...كانت تريد أن ترى الرسالة.. وقبل أن تكمل توقيعها وتودع هذا الساعي ظهر خلفه شاب متوسط الطول، أجعد الشعر ، أسمر البشرة، كستنائي العينين ووسيم!!...وتعجبت هي، من يكون هذا؟!
- هل أكملت؟
- نعم يا سيدي..
- حسنًا شكرًا لك..أنا سأوافيك بعد قليل، عليك أن ترجعني إلى بلدي فأنا لست أعرف الطرق هنا..
- أمرك يا سيدي!! ونظر هذا الشاب الوسيم إلى ميرا.. وابتسم لها برقة..
- هل تعرفين أيمن سليمان؟!
- أجل إنه أبي..أقصد أخو أبي!! واتسعت ابتسامته...
- أهلًا..اسمعي..إياكي وأن تفتحي هذه الرسالة ولا تسلميها إلا لأبـ.. أقصد إلا لأيمن!! وتعجبت... (هل هذا نبيل يكتب رسالة إلى أبيها كي يخبره عنهما..أو عن ما كان بينهما؟!) وذهب الشاب وأغلقت خلفه الباب ونظرت إلى هذه الرسالة المغلقة...لم يُكتب عليها عنوان.. لا من أرسلها ولا لمن تُرسل...وعجبت للأمر..إذًا هذا الشاب كان يقصد بأن يسلمها لأبوها بيده!! وتعجبت... ...وكانت لا تزال تقف مشدوهة في مكانها حيث طُرق الباب مرّة أخرى... وهذه المرّة لم تصبر عليه بل ركضت مُسرعة كي تعرف من خلف الباب.. ( لربما ذلك الشاب مرّة أخرى!!) وفتحت الباب وإذا بيوسف ينتصب أمامها بقامته..
- مرحبًا ميرا..كيفك؟!
- بخير..أهلًا يوسف نورت بلدنا!!
- تبدين شاحبة وهزيلة.. ودارت وجهها من نظراته...
- أترى يا يوسف إنها لا تأكل جيدًا.. قالت له سعاد والفرحة تكاد تسرقها إلى محبوبها..
- يا ترى هل لا زلت متحسسة لأنني هزمتك يا مغلوبتي؟! قال يوسف ممازحًا... وضحكوا جميعًا إلا هي.. لم تكلف نفسها حتى بأن تبتسم!!
- آه أبي.. لقد جاء قبل قليل شاب وطلب مني أن أعطيك هذا.. ومررت له الرسالة.. فنظر إليها متفحصًا ثم قال:
- شاب؟ من يكون؟!
- لست أعرف!! وهمّ بأن يفتحها ولكنها أضافت:
- وطلب مني أن لا أفتحها وأن لا أسلمها لسواك.. وجمدت يداه على المغلف ونظر إليها باستنكار ثم دخل مسرعًا إلى غرفته وأوصد خلفه الباب... | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 5:25 pm | |
| الفصل التاسع"ما السر الذي تخفيه؟!"
- اترك هذا السم من يدك يا نبيل!!
- هذا ليس سم.. هذا اسمه النسيان..
- ما بالك يا رجل؟..أنت على هذه الحال منذ شهر..انظر إلى نفسك لا يجوز هذا، كل الوقت تُدخن وتشرب الخمر.. ما بالك يا رجل؟! هذه الأشياء ليست من عاداتك..وليست لك!!
- أتركني يا جواد أريد أن أنسى..
- ماذا تنسى؟!
- أنسى كل شيء..أنت لا تعلم شيء!!
- نبيل..أنا صديقك ولا أريد أن أراك هكذا..أنت تحب ميرا وميرا تحبك بدورها، فلماذا تتركها؟! ولأي داع تنساها؟!
- لأنها ميرا سليمان..ابنة صالح سليمان وأيمن سليمان!! ثم رشف كل ما تبقى من الخمر في كأسه وأخذ نفسًا من سيجارته وأدار ظهره لجواد ومشى..أو بالأصح..مشى مترنحًا..
- انتظر!!..لن أدعك تمشي هكذا وكأن شيئًا لم يكن.. ثم شده من ذراعه..
- أتركني يا جواد..اتركني..حل عني يا رجل!!
- كلا لن أتركك حتى أقنعك أو تقنعني..
- ليس لدي مزاج الآن..سأقنعك غدًا أو بعد غد.. فزجر فيه جواد..
- نبيــــــــــل! ولم يهتم له نبيل بل نظر إليه نظرة ساذجة خالية من كل شيء إلا من الحزن..
- ماذا تريد؟!
- اسمع...أنت وميرا لا شأن لكما بما حدث..انسى الماضي..أنت تحب ميرا لا تقسَ عليها..
- أي ماضٍ سأنساه؟!..إن أنا نسيت هي لن تنسى..المجتمع لن ينسى، عائلتي لن تنسى..
- ولكتك تعذبها هكذا!! ورمى نبيل نفسه على المقعد ووضع يده على رأسه..
- هذا ما يحطمني يا جواد..هذا ما يفترسني ويقتلني ويشردني..لست أحتمل أن أراها تتعذب ولا أن أراها تتألم..أموت مليون مرّة قبل أن تنزل دمعة من مقلتيها الغاليتين..حبيبتي هي.. ومن غيرها للقلب مُترع؟! وأنكس جواد رأسه بأسف..
- ويؤلمني أن أراك هكذا..حسنًا يا نبيل إن أردت أن تنسى لك ذلك..سأفعل لأجلك كل شيء ولكن أترك هذه السموم من يديك ونظف جسدك منها!! وفكر نبيل قليلًا ثم أضاف..
- أريد نداء... وصدمه ما سمع.. فنظر إلى نبيل وقد فتح مقلتيه على أوسعهما..
- ماذا؟..من؟ نداء؟!
- أجل.. أريد نداء أختك!!
- نبيل..ما الذي تقوله؟..وهل تعتقد بـ..
- اسمعني يا جواد..ميرا لن أنساها لو هبطت السماء على الأرض وحتمًا لن أكون لها..ونداء أختك أحق بي.. فهي تريدني لها منذ زمن!!
- نبيل وهل تعتقد بأني سأسمح لك بأن تلهو بها كما نشاء؟! لست أقبل أن تنجرح مشاعرها لأجلك يا لئيم!!
- وهل لديها مشاعر يا جواد؟! هيا..أنت تعلم بأنها ستفرح كثيرًا لهذا..وأنا لن أتركها أو أجرحها..ستُفرحها وستكون معشوق البنات!! وفكر جواد قليلًا..لطالما أراد أن يعلم نداء درسًا ينسيها فيه طمعها وأنانيتها..وها هي الفرصة الآن سانحة .. فلا بأس إن جرحها نبيل أو عذبها، فهي تستحق..ولكن...
- نبيل..سترتكب خطأً فادحًا إن ارتبطت بنداء..فماذا سيحل بميرا؟؟
- ميرا حياة قلبي..ستكرهني.. وإن كرهتني ستنساني..سأسهل عليها الطريق وأقف في وجه العذاب كي لا يمسها ولا يصلها..ميرا..عمري ..لن أنساها!!
* * *
- ما كان فحوى تلك الرسالة؟!
- لست أعلم يا أمي..فلم أفتحها..
- من أوصلها؟
- قلت لك وأقول لك للمرة المليون..شاب متوسط القامة، أسمر البشرة، كستنائي العينين..لا أعرف ما اسمه وملا لم أسأله عنه..هل هناك أي شيء آخر؟
- كلا..أنا فقط قلقة على أبيك فمنذ أن تسلّم تلك الرسالة وهو مهموم..وكأن كل جبال العالم وقعت فوق رأسه..
- اسأليه هو .. فما أدراني أنا بها؟!
- لا يرضى بأن يخبرني...كلما سألته تهرّب من الإجابة وظهرت عيه بوادر الأحزان ثم يرحل تاركني بلا بر لأرسى عليه!!
- لحظة..تذكرت.. أظن أن الشاب كان برفقة الساعي وأظنه كان يوصله لأنه - الشاب- أخبره بأنه لا يعرف طرقات هذه البلدة وعليه أن يعيده إلى بلدته...
- وهل تعرفت على الساعي؟؟
- كلا...كنت أراه للمرة الأولى..
- الله يصلحك يا ميرا!!
- لا بأس يا أمي...لا تحملي نفسك عبء كشف هذا السر فغدًا ستمشي الأيام لتكشفه لك...
- آمل ذلك...آه..غدًا أنت عائدة للمدرسة صحيح؟
- بلى..
- هل حضرت نفسك؟
- أجل..
- إن كان هناك أي شيء تريدينه بعد اتصلي على هاتف سعاد ستحضره لك هي ويوسف..
- كلا لست أريد شيء..إلى أين ذهبا؟!
- ذهبت معه كي يتفرج على معالم بلدتنا التراثية وطبيعتها الخلابة..
- آه باتت هي المرشدة السياحية الآن.. وضحكت أمها.. بينما ابتسمت هي..وكم كانت بسمتها حزينة مؤلمة وقعت على بئرها أربعة أحرف صافية..ن-ب-ي-ل!!
* * *
- إذًا ما رأيك؟..من أجمل بلادي أم بلادك؟!
- بلادك أجمل لأنك فيها، وبعد سنة ونصف بالتحديد ستصبح بلادي أنا الأحلى لأنك ستسكنيها!!
- هاهاها...دائمًا تعرف ما تقول..على عكسي!!! فنظر إليها بلهفة..
- لست تعلمين كم أحبك... فابتسمت بخجل وأضافت..
- أنا أحبك أكثر.. وتنهد تنهيدة واسعة..
- يا حياتي!! وطأطأت هي رأسها بخجل بينما كان جوفها يصرخ.. "أعشقك يا يوسف..أعشقك" ومرّا من جنب المدرسة الثانوية فأشار لها يوسف متسائلًا..
- أهذه مدرستك حبيبتي؟! فردت عليه بألم..
- كلا..إنها مدرسة ميرا...أنا كانت تُدرسني مُدرسة خصوصية...
- آه أجل...
- لم أكن أذهب إلى أي مكان... فابتسم لها يوسف برفق..
- غدًا ستذهبين إلى كل مكان .. سأعلمك الرقص والسباحة..والجري!! وأعجبتها كلماته.. وأطربتها، كاللحن الشادي سحرتها..
- كيف؟! كيف يا يوسف؟؟
- عمي رمزي سيعالجك وستكونين أحلى سعاد لي...وسنتزوج بإذن الله... وطأطأت سعاد رأسها بخجل..
- أتتجوزيني يا سعاد؟؟ سألها يوسف بجدية..وشعرت بالخجل والفرح يعششان في جسدها المعاق..فقالت له مازحة..
- كلا.. فأنكس رأسه وابتسم بألم..وأدركتها بسمته الحزين..فأضافت:
- ولكن هل لي أن أغيّر قراري فيصبح.." أجل في قيد التنفيذ"؟ فابتسم ابتسامة كبيرة ثم قال:
- واللـــــــه أحبك يا سعاد روحي!!
* * *
كان الهدوء يعم المكان.. ماذا كان يجري؟ ولماذا الآن؟؟ ... وعاد ونظر إلى هذه الرسالة الخالية من العنوان..وقلبها بين يديه المرتجفتان..وقرأها عشرات المرّات.. ثم..
- بابا...بابا أيمن!! وانتبه من شروده إلى سعاد تناديه..ونهض ثم وضع الرسالة في درجه وأدار بها المفتاح ووضع المفتاح بجيبه الآمن.. كان يحرص عليها أشد الحرص...فهذه الرسالة خطيرة..قد يموت أناس لأجلها ويُقتل أناس.. وخرج من غرفته والحزن يقطف من ربيع حياته زهرات يانعات ويزرع مكانها جروح الأشواك!!
- نعم؟!
- ألن تودع يوسف؟ سيرحل الآن..
- بلى...بلى أين هو يوسف؟
- بغرفة المعيشة مع ميرا... ومشى مترنحًا إلى غرفة المعيشة وتبعته سعاد بتعجب...
- أهلًا، أهلًا بعمي..
- الحمد لله أنك أتيت يا أبي كي تريحني من هذا.. وأشارت إلى يوسف بقرف بينما انفجر الأخير ضاحكًا وأضاف..
- ميرا تريد أن تتحداني مرّة أخرى.. ووجه كلامه إليها قائلًا:
- ستخسرين لا محالة يا مغلوبتي!! ونظر إليهما أيمن سليمان دون أن تنفرج حتى ابتسامته بل بقي وجهه عابسًا... وشردت ميرا... (ما السر الذي تخفيه يا أبي؟!)
* * *
ها هو الليل يقع بظلامه على ذلك المنزل الشبيه بالقصور...وليس يصدر منه سوى ضوء خافت يأتي بالتحديد من غرفة نبيل...كان لا يزال مستيقظًا.. يفكر بميرا.. والألم يعصر جوفه وكيانه.. (لماذا قتلت الشياطين ملاكي؟! لماذا سُلب مني في ليلة ليس فيها قمر؟!..لماذا علي أن أعاني عن أجيال من عائلتي هذه؟!) كان ألمه لا يوصف واحتجاجه لا يُقهر..ولكن ليس بيده حيلة..إنه يعرف بأنه لن يكون لها، ويومًا لن تكون له..ميرا حبيبة قلبه ستكون غدًا لغيره.. وطار به خياله حتى رآها في أحضان جواد..وكم تضايق وعبس... لم يعلم لماذا تخيلها مع جواد بالذات..ومع أنه أعز أصدقائه ويأتمنه على حياته فإنه لا يرضى بأن تكون عشيقته هو لجواد!!...ومن شدة ألمه وعذابه ومعاناته سقطت من عينه دمعة حاول طويلًا أن يسجنها في قرارة نفسها الممزقة...ولكنه لم يعد يحتمل بعد .. منذ كلمها آخر مرة..لا..بل منذ أخبرته بأن صالح سليمان هو أبيها لا غير وهو يتعذب..يتألم..يتحطم.. ومشى إلى سريره بهدوء وأخرج من تحت وسادته ورقة... يتهيأ لمن يراها بأنها موجودة تحت وسادته منذ أعوام، فتشققات الزمن لم تترك فيها شيء صحيح.. ولكن صراحةً هي تبدو بهذه الحال المزرية من كثر ما فتحها وقرأها.. فلو عدّ كم مرّة قرأها لتعدى المليون مرّة.. فهذه الرسالة عزيزة على قلبه وروحه... وكيف لا وثناياها تحمل خط ميرا ومشاعر ميرا وعطر ميرا.. لقد وصلته هذه الرسالة قبل حوالي الشهر.. ولم تزد في نيران ألمه سوى حطبًا.. وفتحها بهدوء وتنشق عطرها وتراءى له طيف ميرا أمامه وشعرها الأجعد الرائع وابتسامتها الملائكية الساحرة... مثلما يتراءى له كلما فتحها... وقرأها مرّة أخرى ثم مرّة أخرى... ومرات.. وفي كل مرّة كان يقف بصره عند التوقيع.. " أحبك إلى الأبد...ميرا سليمان".. (كلا يا ميرا، كلا يا حبيبتي لست أريدك أن تحبيني إلى الأبد!!) ومرّة أخرى يقف بصره عند نفس التوقيع.. (لماذا اسمك أنت بالذات ارتبط بآل سليمان؟!.. لماذا يا حبي؟؟) وعاد وثناها برفق ثم تنشق عطرها وقبّلها وضمها على صدره برفق.. (أنا الذي.. أحبك إلى الأبد يا ملاكي!!) ورفع وسادته وألقى الرسالة تحتها بتحسب.. ثم وضع رأسه على الوسادة وأغمض جفناه..
الآن أستطيع أن أنام..إلى اللقاء يا حبيبتي!!
| |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 5:28 pm | |
| الفصل العاشر"نداء... ستندمين!!"
ها هي تجلس هنا، في صفها.. وتنظر إلى المعلم المرهق في الشرح والتدقيق..وصحيح أن عينيها كانتا معه ولكن عقلها وفكرها كانا بمكان آخر وبالتحديد كانا عند نبيل.. أجل حتى هنا في المدرسة ليست تسلم منه... لا تعلم لماذا لا زالت تحبه وتعشقه مع أنه تركها هكذا بدون أي مقدمات..ومع أن دمعاتها لم تهن عليه فسكبها وحياتها لم تضن عليه فعذبها وآلمها...وتنهدت تنهيدة عميقة ثم وجهت وجهها نحو الشباك ونظرت خارجه إلى رحاب السماء وصفوها..وتحت الشباك كانت تجلس نداء، وما إن التقت نظراتهما حتى ابتسمت نداء ابتسامة ربح وأشاحت وجهها عن ميرا بتكبر... لم تفهم ميرا ما السبب وما تخبئه هذه الابتسامة الماكرة ولكن ضايقها تصرف نداء هذا الذي ربما يكون نابع من قتالهما الأخير يوم سألتها عن نبيل!! (آه نبيل مرّة أخرى!!) وألقت برأسها على الطاولة أمامها وأغمضت جفناها ...ثم...ها هو الجرس يرّن وأخيرًا ستخرج من المدرسة..ولملمت أغراضها بسرعة وخرجت مسرعة من الصف.. ربما لأنها داخليًا كانت تشعر بأنها سترى نبيل، وأخيرًا سترى نبيل!! وعندما وصلت بوابة المدرسة رأت سيارة نبيل تقترب بهدوء ثم تتوقف ونظرت إلى داخلها، كان نبيل يجلس بترقب خلف مقودها.. والتقت عيناهما فأشاح وجهه عنها بحزن، وتألمت هي كثيرًا.. هل حقًا هذا هو نبيل؟ لماذا هو شاحب إذًا؟؟ وما هذه اللفافة التي يحملها بين أصابعه؟؟ .. لماذا يدخن؟ ولماذا توقف؟! وإذا بنداء تأتي من خلفها وتصدم كتفها بكتف ميرا عمدًا ثم ترمقها بتلك النظرة الرابحة المتكبرة وتفتح باب سيارة نبيل وتلقي نفسها جنبه ثم تنطلق السيارة في عباب الكون تاركة ميرا في هول الصدمة مع ألف دمعة تتسابق على وجنتيها... وبقيت محدقة في الطريق الذي طارت به السيارة.. وأدركت نفسها فمسحت دمعاتها ومشت محطمة عائدة إلى البيت... (إذًا لهذا تركتني يا نبيل!!.. لأجل نداء.. أكيد هي لعبت بعقلك وأغرتك وأبعدتك عني!!) ونزعتها الذكرى إلى يوم كلمت نداء لآخر مرّة.. يومها كانت نداء ملهوفة جدًا لتعرف ما جرى بينها وبين نبيل..وعندما.. " يا لك من خبيثة هل رفضت نبيل معشوق البنات؟!" وتذكر فرحها وهي تسألها هذا السؤال... إذًا هي تحبه منذ زمن لذلك أرادت أن تعرف كل شيء عنهما..و.. "هل تحبيه؟! هاها طبعًا تحبيه فهو معشوق البنات!!" (إنه معشوقك أنت يا نداء!!) وغصّت العبرات في حلقها..وها هو باب بيتها يتراءى لها عن بعيد، فمسحت بوادر الدمعات ورفعت رأسها ومشت بخطًى ثابتة؛ فهي لا تريد لأحد أن يعرف شيء... يكفي أن كرامتها انجرحت، وقلبها وحياتها وكيانها كلهم كبداد رقيق الزجاج تحطموا..ليس ينقصها أن تضيع منها عائلتها أيضًا!! ودخلت ميرا الباب بهدوء.. وإذا بأبيها يرمقها بارتباك.. وتعجبت هي.. (لماذا ينتظرني؟ هل علم بشيء؟!)
- ميرا..تعالي إلى غرفتي أريد أن أكلمك!! وارتعشت ميرا.. (ماذا تكلمني؟؟ بخصوص ماذا؟! أنا لا شأن لي بنداء ولا بنبيل!!)
- حسنًا أنا آتية.. ودخلت غرفتها ووضعت حقيبتها على السرير ثم ذهبت بتوجس إلى غرفة أبيها وطرقت الباب بخوف...
- أدخلي.. ودخلت ...وأغلقت خلفها الباب.. وكان يجلس على سريره واضعًا رأسه بين يداه..وما إن رآها دخلت حتى قام واتجه إلى الباب وأقفله ووضع المفتاح في جيبه...
- اجلسي هناك أريد أن أكلمك بشيء مهم.. ونظرت إليه بتعجب وخوف ثم جلست حيث أشار لها ولكنها كانت تجلس كالجالس على أشواك ..
- ماذا؟..ماذا هناك يا أبي؟! ونظر مباشرة إلى عينيها ثم حدق بهما..
- ميرا..أوصفيه لي..
- أوصفه؟! من هو؟!
- ذلك الشاب..
- أي شاب؟؟
- الشاب الذي أعطاكِ الرسالة كي تسلميها لي..
- آه..أجل، أجل حسنًا.. وتنحنحت ثم أخذت شهقة عميقة وأضافت بصوتٍ سريع:
- لقد كان شابًا متوسط القامة ، أسمر البشرة ، كستنائي العينين وشعره أجعد.. وابتسمت!!!
- آه وماذا أيضًا؟! فنظرت إليه بتعجب..
- ماذا؟!
- ميرا..لقد وصفتي لي نصف الدنيا..أعطيني وصفًا أدق.. فنظرت إليه بهدوء وأضافت:
- حسنًا..أنفه يشبه أنفك بالضبط، أما فاهه فهو شبيه بفاه..بفاه سعاد أختي وعيناه شبيهتان بعينا..بعينا..نبـ.. وكادت تقول نبيل ولكنها مسكت لسانها في آخر لحظة وأضافت:
- لا أعرف عينا من... فتنهد أبوها بحسرة وأضاف:
- حسنًا شكرًا جزيلًا.. الآن تستطيعين الخروج... ووقفت على قدميها وأدارت قبضة الباب وكان لا يزال مقفلًا فنظرت إلى أبيها مستنكرة..
- أبي... المفتاح!!
- آه أجل.. وأخرج من جيبه مفتاحين.. وأعطاها أحدهما ثم أضاف:
- إياكِ أن تخبري أحد بما تكلمنا به.. لا أحد يا ميرا، أتفهمينني؟!.. لا أحد!!
- حسنًا يا أبي.. وفتحت الباب وخرجت ثم... (ما هذا المفتاح الآخر الذي كان معه؟!)
* * *
- هاها..هل رأيت كيف أغظت ميرا يا حبيبي؟
ونظر إليها نبيل بألم ولم يجبها..
- إذًا رأيتما ميرا اليوم؟!
- أجل يا جواد...تصوّر أنني أغظتها لدرجة أني أعتقد بأنها انفجرت بعد رحيلنا... وطأطأ جواد رأسه بقرف، بينما أشعل نبيل لفافة أخرى وألقاها بين شفتاه ثم نفث عبابها في الهواء.. حيث كانت عيناه لا تزالان معلقتان هناك..
- نبيل..لو سمحت لا تدخن ببيتي!! فنظر نبيل إلى جواد باستنكار..
- ماذا قلت؟ وعلت نبرة جواد الغاضبة:
- قلت لك لا تدخن في بيتي..وسيكون أحسن إذ لا تدخن خارجه أيضًا!! فنظر إليه نبيل بلا مبالاة..
- وما شأنك بي؟
- نبيل أنا صديقك ويؤلمني أن أراك توغل هذه السموم في رئتيك..
- دعها تتدخل وتتوغل علّها تقتلني وأرتاح!!
- نبيل..بعيد الشر عنك حياتي..أموت أنا وأنت لا.. فرمق نبيل نداء نظرة كلها حقارة وأضاف..
- أنا خارج..هل تريد شيئًا يا جواد؟!
- كلا..
- ولا أنا!! ابتسمت له نداء.. (أنتِ من سألك أصلًا.. لماذا لا تكونين ميرا؟!أم لن تكونيها قط؟!) ورمقها بنظرة جافة ثم رحل..
- لماذا كلمته هكذا يا جواد؟ انظر لقد تضايق منك!!
- حلي عني يا نداء لست أنقصك!! وهمّ بالوقوف إلا أنها مسكته بذراعه..
- انتظر..ألا تريد أن تسمع كيف أغظت ميرا؟؟
- أنت سخيفة يا نداء..اتركيني وشأني..
- حسنًا ولكنني لم أنسَ مكافأتك... فنظر إليها متعجبًا..
- أي مكافأة؟!
- مكافأة "معشوق البنات"!! ونظر إليها بحنق..
- لا أريدها..
- بلى فأنت أبعدت ميرا عن نبيل وها هو نبيل معشوق البنات لي أنا..
- أنا لم أفرّق بينهما..ألا تفهمين؟ الظروف أبعدتهما ولكن إن أنت عمياء ولا ترين بأنه لا زال يحبها أو أنت مجنونة ولا تعين بأنه لا يزال يعشقها فذنبك على جنبك أنا لا شأن لي!!
- ما بالك غضبت هكذا؟! ثم لا يعنيني إذ كان يحبها أو لا..المهم أنه عندي أنا..
- آآآه مما مصنوعة أنت يا نداء؟؟ من أنانية وحقد؟! ولماذا عليك أن تكوني أختي أنا؟..أنا أكرهك..أكرهك أكرهك!! وخرج مسرعًا صافقًا الباب في وجهها، تاركًا إياها تحت تأثير الصدمة..
* * *
نظرت إلى نفسها بالمرآة..فهذه المرآة يومًا لم تكذب عليها ولمست وجهها بيدها المرتعشة.. (ما لدى نداء شيء أجمل مما لدي يا مرآتي؟!) وعندما لم تجبها المرآة.. (صحيح أن جمالها غربي..فشعرها الأشقر القصير الناعم عكس شعري البني الأجعد الطويل وعيناها الزرقاوان عكس عيناي العسليتان..ولكن أنفي الدقيق أجمل من أنفها الكبير، وشفتاي المكتنزتان أحلى من شفتيها الدقيقتان..ووجنتي وجفني.. يا مرآتي هل أعجب بها نبيل روحي؟!) ونهضت من أمام مرآتها ثم استلقت على السرير وكي تعرف إذا نبيل قارنها بنداء ، قارنته هي بجواد..جواد مثل نداء يملك ذلك الجمال الغربي المصنّع..والعينان الزرقاوان والشعر الذهبي الناعم ولكنه لا يملك بسمة نبيل ولا عيناه الساحرتان القاتلتان..ولا غمازتيه الغارقتين في حقول وجنته الحنطية، ولا جماله الشرقي الرجولي الخلاب ولا قامته..وآهٍ من نبيل!! إنها تراه أكثر وسامةً من الجميع.. وتذكرت الشاب الذي سلمها الرسالة لأبيها، لقد لاحظت في عينيه شيئًا من ظلال عينا نبيل..هل يُعقل بأنه يقربه؟!! كلا!! لا تظن فعائلة نبيل -التي لا تعرفها- على الأرجح كلها تسكن هنا...ثم إن كان قريبه فهذا يعني بأنه يتردد عليه وعلى أهله بين الحين والآخر، ولو تردد عليهم لعرف على الأقل قسمًا من الطرقات.. (ولكن ما دخل هذا الشاب بأبي أيمن؟؟ ولماذا سألني عنه كثيرًا واستوضح مني كل التفاصيل؟!.. وما سر تلك الرسالة؟! ولأي سبب أراه يشبه...) وقطعت عليها سلسلة أفكارها طرقات خفيفة على الباب..
- أدخل..
- ميرا..ميرا لدي لك خبر رائع..
- أهلًا سعاد..وما هو؟!
- احزري..
- مممم.. يوسف سيزورنا مرّة أخرى؟! فابتسمت سعاد بمرح:
- كلا..لكنك اقتربت كثيرًا، فأنا التي ستزوره!!
- ماذا؟ متى؟!
- هذا الأسبوع!!!
- ما الذي تقولين؟! ثم كيف سأترك دراستي ومدرستي؟!
- لا..أنت وأمي ستبقيان هنا، سأذهب فقط أنا وأبي!! (لماذا لم يحدث هذا الترتيب قبل شهر؟! ربما ما كنت انفصلت عن نبيل!!)
- آه حسنًا..أرسلي سلامي ليوسف..
- هو لا زال عند التحدي!!
- وأنا أيضًا..
- ولكن رويدك..ليس هذا هو الخبر السار!!
- إذًا ما هو؟؟
- لقد طلب من عمه أن يعاينني!!
- ماذا؟! حقًا؟! عمه الطبيب رمزي حرب؟! وصرخت سعاد بفرح:
- نعم..سأمشي..سأمشي أخيرًا يا ميرا!!! وقفزت ميرا من على سريرها واقتربت من سعاد وطبعت على وجنتها قبله حارة..
- أجل،،، أجل ستسيرين وأخيرًا..أجل أجل!! وابتسمت لها سعاد بمرح..
سأذهب لأحضّر أغراضي!! واستدارت وخرجت وهذه المرّة استمعت ميرا جيدًا لأصيص الكرسي المتحرك فقد تكون هذه آخر مرّة تسمعه... وكم كانت فرحتها كبيرة..أخيرًا ستتخلص من أعباء هذا الذنب!!
| |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 5:33 pm | |
| الفصل الحادي عشر"مرّة أخرى لبنان!!"
ها هي تعود مرّة أخرى إلى لبنان..ولكن هذه المرة في قلبها شوقٌ وحبٌ أكبر..فهنا بات لها حبيب وهنا بات لها أمل في الشفاء وهنا ستسكن لباقي أيام عمرها.. ورمقت الأرز الشامخ على الجبال..لطالما أحبته وأحبت لبنان وسماؤها وخضارها وطبيعتها الساحرة الخلابة، فهي ترى وجه الله في هذه الحقول وهنا فقط يملؤها الشعور بالحب الإلهي والإيمان التام بالخالق عز وجل.. هذه المرّة تأتي لبنان وحدها مع أبيها..يوسف ينتظرهم في الفندق..لقد اشتاقته، لم تره منذ حوالي الأسبوعين..هي تعشقه...حياة روحها يوسف..لولاه ما كانت قد تعيد فتح موضوع شللها وعلاجه..ما كانت تعود وتحلم بأن تسير..وتذكرت يوم قالت لها ميرا.. "يعذبك لأنه يحبك!!" كم شعرت يومها بالنشوة والنور..ولكنها الآن - ولا تعرف لماذا- تشعر بانقباض عجيب في أوردة قلبها.. (ماذا لو لم يعد يحبني الآن؟!..فإن مشيت وتزوجت من يوسف حبيبي فأي عذاب سيكون من نصيبي؟! هل سيتخلى الباري سبحانه عني؟!) وعقدت حاجبيها بألم..فهي تخاف أن يأتيها العذاب من حيث لا تدري.. كانت غارقة في شباك أفكارها المضمحلة عندما وصلوا إلى الفندق، هذه المرّة كان يقف باستقبالهم يوسف وأبيه... فيوسف أبواه مطلقان وهو يسكن هنا لدى أبيه..
وترجل أبيها من السيارة ثم ذهب إلى الخلف وأخرج كرسيها المتحرك من خلفية السيارة ثم وضعه جنبها وفتح لها باب السيارة وحملها عليه.. كم شعرت بأنها صغيرة في ذلك الوقت؛ كحبة السمسم.. وكم خجلت من نفسها ومن يوسف وأبيه.. (ماذا سيعتقد الآن؟..ليس لدسها القدرة على الخروج وحدها من السيارة فعلى ماذا ستكون لها القدرة؟!!) وآلمها هذا الشعور فانفرجت أساريرها عن عبسة وتكشيرة..
- أهلًا عمي ، هلا بسعاد حبيبتي! وابتسمت له ابتسامة جافة..كم تشتاقه وكم تتضايق منه لوضعه لها بهكذا موقف!!
- هلا يوسف..
- أهلًا صغيرتي..لقد أخبرني يوسف عنك الكثير والظاهر لم يخطئ بشيء.. وكالسكين طعنتها هذه العبارة.. (الظاهر لم يخطئ بشيء؟! لماذا؟ ماذا أخبرك؟!) ولأول مرّة تتضايق من يوسف...لماذا يفعل بها هذا؟؟ ورأت أبيها يصافح يوسف وأباه ثم يدخل مع الرجل إلى الفندق تاركًا إياها مع يوسف..
- لست تدرين كم اشتقتك يا حلوتي!!
- وأنا اشتقتك أيضًا..
- ما بك؟!
- لا شيء.. ماذا أخبرت أباك عني؟
- أخبرته كم أنت جميلة وحساسة ورائعة..
- آه...ولم تخبره بأني مُقعدة؟! وصمت قليلًا ثم أردف:
- سعاد...ماذا هناك؟ هل ضايقك وجود أبي؟
- كلا ولكن ألا تتوقع بأنه يتمنى لابنه فتاة أحسن مني؟! على الأقل فتاة تسير!! وآلمه حديثها.. (لماذا تقولين هذا يا سعاد؟؟) وطأطأ رأسه بألم فماذا سيجيبها بعد..ثم قال:
- أبي يتمنى أن أتزوج الفتاة التي أحب..وأنا أحبك أنت.. وقريبًا لن تكوني مقعدة يا سعاد!! وتدحرجت دمعة من مقلتيها...
- سعاد حبيبتي ما بك؟! وانحنى عليها ومسح دمعتها ثم ضمها إلى صدره الرحب بينما أفرغت هي كل ألمها عليه!!
* * *
هل عليها كل يوم أن تراه يصحبها بسيارته؟!..هل عليها أن تجلس جنبه دائمًا؟؟ ثم لماذا هو يدخن؟!..نبيل..نبيل ..نبيـــل!! كل شيء بحياتها بات نبيل..لا تأكل ولا تشرب ولا تنام...فهي ليست مع نبيل..منذ أيام وهي تشعر بنفسها تنهار.. ليست تحتمل كل هذا الألم الملقى على كاحلها..ظهرها يكاد ينقسم من ضربات العذاب هذه...متى تخلص من كل هذه المعاناة ويعود نبيل لها؟!! اليوم عندما كانت بالمدرسة كانت نداء ترمقها بتلك النظرات المتكبرة.. كان بودها لو تقفز عليها وتخنقها أو تدق عنقها أو تصرخ بوجهها.. "نبيـــل لي أنا..حبيبي أنا وليس لك يا نداء النحس!!" كان بودها لو تنقض عليها وتقطعها بأسنانها...ولكن هيهات...نبيل بات لنداء ولن يعد لها يومًا!! (لماذا فعلت بي هذا يا نبيل؟!) عند عودتها من المدرسة انتظرت بالصف قليلًا؛ فليست تريد أن تراه مع نداء.. وعندما خرجت كانا قد رحلا..تُرى ماذا هما فاعلان الآن؟ هل حدثها عن المكتبة وكرة السلة والسباحة؟؟ وتدحرجت من عينيها عبرة لم تلحظها.. ولكن عن بعيد.. كان ذلك الشاب ذو الشعر الذهبي يرمقها بألم، وعن بعيد رأى عبرتها مسكوبة على شحوب وجنتها البيضاء الشاحبة الهزيلة... وشعر بألم يحرق أوصاله... لم يكن يريدها أن تتألم ومرّ من جنبها ولكنها لم تلحظه فزاد سرعة السيارة وسابق الوقت كي يصل إلى نبيل...
- نبيل..أريد أن أحدثك بشيء مهم...
- ليس وقته الآن يا جواد..ألا ترى بأن نبيل معي أنا.. فنظر إليها جواد شزرًا، كيف ترضى بأن تكلمه بعد أن أخبرها بأنه يكرهها؟؟..ولم يعلّق على كلامها بل عاد ووجه كلامه لنبيل قائلًا:
- نبيل هيا..علي أن أحدثك..
- ليس الآن يا جواد..سأبقى مع نداء بعد!! ونظر إليه جواد باستنكار.. (كلانا يعرف بأنك لست تريد أن تجالسها..فهل أنست بها فجأة؟؟)
- ماذا؟.. ما بك؟ لماذا ترمقني بهذه النظرات؟
- لا شيء يا نبيل..ولكن كي تعرف لك لقد رأيت ميرا اليوم.. وما كادت نداء تقول:
- وما شأننا بهذه القذرة؟ حتى قام نبيل على قدميه وقال:
- ماذا! أين؟!
- ما بك؟! ألم أقل بأن لا شأن لنا بها؟؟ ونظر إليها نبيل بغضب.. (اصمتي أنت!! لست أطلب رأيك السخيف)
- لا بأس...لن أقول أنا ذاهب..
- جــــــــــواد...انتظر عليك أن تخبرني!!
- كلا..لن أخبرك يا نبيل أتعلم لماذا؟! لأن دمعتها لم تهن عليك وألمها لم يهن عليك.. ولست تهتم إذا ما وقعت كل مصائب الكون فوق رأسها...لذلك حديثي معها هي وليس معك!!
- جواد إن حدثتها كلمة واحدة فوالله سأقتلك!!
- نبيل.. أنا لن أسمح لنفسي بأن أرى عذابها وأصمت..أنا أملك قلبًا عكس قلبك، فهو غير مصنوع من حجر ومرمر!!
- جواد..ميرا لي أنا!!
- ماذا؟! أنا لا زلت هنا.. مالي أراكما تتشاجران عليها أمامي؟؟
- أصمتي أنت يا ملعونة.. ها هو نبيل معشوق البنات بات لك غرري نفسك به!! وخرج غاضبًا ومرّة أخرى صفق الباب في وجهها.. ووجهه!!
* * *
- مرحبًا عمي..
- أهلا يوسف..
- هذه هي سعاد التي حدثتك عنها..
- أهلًا سعاد...والله أنت أحلى بمليون مرّة مما وصفك يوسف.. وابتسمت سعاد بخجل..
- شكرًا لك ...كلك ذوق!! ونظر إليها الدكتور رمزي حرب بألم...فقد آلمه أن يرى فتاة بهذا الجمال وهذه الروح..مقعدة!! ، آلمه أن يرى فتاة بعمر الورد الجوري والحلم الوردي تتبعثر كشتاة الرياح على كرسي متحرك!!.. وصمم في صميم قلبه أن يشفيها، أن يبذل أقصى جهده كي يعيد لهذه الفتاة قدميها.. ولاحظ يوسف شروده فقال:
- عمي..عمي.. هل ستعاين خطيبتي الآن؟؟
- ها؟! آه أجل طبعًا.. وقال موجهًا كلامه لسعاد:
- تفضلي إلى خلف الستار.. وحركت نفسها ودخلت إلى خلف الستار وأزيز كرسيها يترك على البلاط أثرًا من نار!! وبقي يوسف ينتظر وحده وقلبه يخفق مليون خفقة في الدقيقة... أما سعاد فقلبها كاد يخرج من صدرها لشدة وعنف نبضه المتألم الحزين..ودخلت خلف الستار، وكأنه عالم آخر هناك.. ونظرت حولها تراقب كل حركة تصدر من أي مكان!!..؛ كانت تختبئ خلف الستار غرفة واسعة مليئة بالمعدات الطبية وبالأدوية والرفوف... وسرير موضوع في وسط الغرفة مستلقي كالميت بلا حراك..وفوقه معلقة أشياء ليست تعرف ما هي... ولكنها تعتقد بأن تلك لامبة كبيرة وهناك شاشة تلفزيون!!! (شاشة تلفزيون؟ لماذا يحتاج إليها هنا؟!!) وفي إحدى زوايا الغرفة كانت تقف ممرضة شابة، خضراء العينين وسمراء البشرة، تشبه يوسف حبيبها كثيرًا.. واستلفتها فستانها الأبيض الضيق القصير وساقيها الممشوقتين.. كم تحب لو يكون لديها كهاتين الساقين..
- هذه ابنتي مي.. وهي ممرضة محترفة.. واقتربت مي من سعاد وصافحتها ثم قال:
- لم يخطئ يوسف باختياره كعادته يختار الأحلى!! وخجلت سعاد ثم قالت لها:
- شكرًا جزيلًا، عيونك الحلوات.. وردت لها مي بابتسامة ساحرة بعثت في قلبها طمأنينة عارمة... ثم طلب منها الدكتور رمزي أن تتجه نحو السرير كي تساعدها مي على الاعتلاء عليه.. وفعلت بما طلب منها وساعدتها مي على ارتقاء السرير.. واستلقت عليه بتوجس وخوف ثم رأت الطبيب يفتح أمامه حقيبة مليئة بالأدوات الغريبة والعجيبة، ثم يُخرج شيئًا حديديًا يشبه الشاكوش ويقترب منها بهدوء، وتشعر برهبة عارمة في كل أجزاء جسدها الملقى على هذا السرير..فتغمض عينيها بقوة..و..
- هل تشعرين بشيء؟!
- كلا!! قالت سعاد بصمت.. ورفعت نظرها إلى مي ورأتها تحدق بها بشدة، ثم رأتها تشيح وجهها عنها بسرعة وفي عينيها بريق حقد...أو ألم!!! | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 5:41 pm | |
| الفصل الثاني عشر"من هو نبيل مراد؟!"
- ميرا عزيزتي الغداء جاهز...
- لست أريد أن آكل شكرًا يا أمي..
- ماذا؟! أنت لم تأكلي فطورك كذلك، عليك أن تأكلي شيئًا يا عزيزتي..
- آه..أرجوك يا أمي لا نفس لي!! ودخلت غرفتها مسرعة قبل أن ترغمها أمها على الأكل.. وكيف ستأكل إذ لم تكن متأكدة بأن نبيل لها؟ كيف ستحيى إن لم يكن حقًا لها؟!.. وغصت في عينيها دمعة.. ( كفى أيتها الدمعات اختفي، لقد بكيته ما يكفي..كفى أيتها الدمعات فأنت لست تساوين شيئًا لديه، كما لا أساوي شيئًا أنا!!) وخطر ببالها أن تتصل به.. وكعادتها بأي شيء يتعلق بنبيل لا تفكر مرتين.. وحملت هاتفها بألم وضربت الرقم بسرعة وبلهفة.. ولم يكد الهاتف يرّن رنتين حتى..
- ألو..ألو.. ها هو صوته مرّة أخرى يمزق في شرايينها الألم.. ها هو صوت الحبيب يتدفق في عروقها كالدم..وها هي تشرد في هذا الصوت وذاك الطيف الذي يتراءى لها عن بعيد ، وابتسامة عذبة كغيث السماء وعطر نسمات الربيع.. وها هي تراه يقترب نحوها كالحلم الوردي ويكاد يمسك بيدها المرتجفة الممتدة نحوه بعطف وشوق جامحين..ثم..
- ميرا؟! أهذه أنتِ؟؟ أيقظها هكذا سؤال من أحلام يقظتها الخلابة فارتبكت ولم تعرف ما تفعل وبسرعة أقفلت الخط دون تردد..لقد عرفها!!.. عرفها نبيل دون أن تتحدث ولا أي كلمة... شعر بها حبيبها عبر أنفاسها المتقطعة المشتاقة له.. وشعرت بنفسها تطير.. إذن نبيل لا زال يحبها، لماذا قال ميرا..ولم يقل نداء؟! واتسعت ابتسامتها وهمّت بالخروج من غرفتها ثم.. طرق خفيف على باب غرفتها و..
- أدخل.. كانت هذه أمها، نظرت إليها بقلق ثم قالت:
- هناك شاب على باب الدار يريد أن يحدثك..
- نبيــل!! صرخت ميرا وركضت مسرعة إلى باب الدار.. ثم أوقفتها الدهشة أمام هذا الشاب..إنه ليس نبيل.. فليس لنبيل هذا الشعر الأشقر ولا هذان العينان الزرقاوان، إنهما لنداء..أو.. لأخيها جواد!!
- جواد؟؟.. أهلا وسهلا..
- أهلا ميرا.. وصمتت ميرا بينما دارت في عقلها المئات من الأفكار.. (ماذا يريد؟! هل أتى من قِبل نبيل أم من قِبل نداء؟؟.. هل أتى كي يشمت بي هو الآخر؟!...)
- ميرا...أريد أن أكلمك بشيء مهم يتعلق بأختي نداء... ورمق أمها المندهشة بنظرة خائفة..
- آه ..حسنًا تفضل..
- كلا.. أقصد.. إنه موضوع خصوصي بعض الشيء.. إن لم يكن هناك مانع لديك أو لدى الخالة أفضل أن نناقشه في إحدى الأماكن وحدنا.. ونظرت ميرا إلى أمها متسائلة فقالت أمها:
- حسنًا يا بني ولكن أعدها لي سالمة!
- أنت تأمرين.. واستدار وخرج وخرجت خلفه ميرا بتعجب.. ودعاها كي تجلس جنبه بالسيارة فجلست خلفه وقالت:
- أرجو أن لا يرانا أحد!!
- لا بأس لن أطيل عليك..دعينا نذهب إلى المطعم ونتكلم بهدوء..
- حسنًا.. وانطلقت سيارته الفاخرة تقطع صمت الزمان إلى أجزاءٍ متناثرة من ألمٍ حزين...
* * *
لم يعلم يوسف لما بدت شاحبة عندما خرجت من خلف الستار ومنذ ذلك الحين لم يحاول أن يكلمها لأنها كانت عابسة بشدة، وتذكر كيف رمقت مي باحتقار عندما قالت له: "يوسف مبروك..فعلًا عرفت من تختار!!" لا يعلم لماذا رمقتها هكذا.. ولا يعلم ما الذي قلب مزاجها فقبل دخولها إلى خلف الستار كانت على ما يرام..وكانت سعيدة جدًا!!
- سعاد..
- نعم؟
- ما بك؟ ونظرت إليه سعاد وحاجبيها معقودين..
- ما بي؟!
- لا أعلم ولكنك لست تبدين على ما يرام!!
- آه..لا شيء..
- هل آلمك عمي؟!
- كلا..بالمرة.. (آلمتني ابنة عمك يا فهيم!!)
- هل قال لك شيء؟؟
- كلا..فقط قال بأنه سيرى ما هي نتائج الفحوصات وصور الأشعة ثم يقرر ما عليه فعله..
- آه جيد..وماذا بالنسبة لمي؟! فردت سعاد عليه بدهشة وكأنها لم تكن تنتظر هكذا سؤال..
- مي؟!..ما بها؟
- كيف رأيتها؟ هل أعجبتك؟! ورمقته سعاد بنظرة لئيمة..
- وهل أعجبتك أنت؟
- أنا دائمًا تعجبني..إنها ابنة عمي..
- آه رائع..وهل ستخطبها؟!
- ماذا؟! ما الذي تتفوهين به يا سعاد؟ كيف أخطبها؟! ألستِ أنتِ خطيبتي يا حياتي؟!
- لا أعلم..
- سعاد ما بكِ؟ هل هي الغيرة؟!
- كلا يا سعاد والله عندما تتعرفين إليها ستحبينها!!
- وهل تحبها أنت؟! وتوقف يوسف بغضب..
- كفى يا سعاد!! ثم أدار لها ظهره ومضى..
* * *
- حسنًا .. ها قد طلبتُ لي طعامًا كما طلبت مني.. هل لي أن أعرف ما الموضوع الآن؟!
- ميرا ما سأخبرك به سيضايقك كثيرًا..
- وأنا مستعدة!! فنظر إليها بنظرة حزينة محطمة ثم قال:
- ميرا..منذ متى تركك نبيل؟!
- منذ عدت من لبنان..
- هل تعتقدين ذلك؟!
- أجل طبعًا.. فيوم رجعنا من لبنان اتصل بي وأخبرني بأن كل ما بيننا انتهى..
- ولكنني أعتقد غير ذلك.. فنظرت إليه ميرا وفي قلبها رغبة جامحة على أن تعرف إلى ماذا يرمي هذا الجواد..
- ماذا تعتقد؟!
- أعتقد بأنه تركك منذ علم بأن صالح سليمان هو أبوك لا غير!!! ففتحت ميرا عيناها على وسعهما..
- أجل هذا صحيح! هي تذكر كم انفعل نبيل عندما أخبرته بأن صالح سليمان هو أبيها..وهي تذكر كيف أقفل الخط بسرعة حتى دون أن يودعها.. "ها؟!..لا..لا شيء حسنًا علي أن أقفل أكلمك لاحقًا" أيٍ كان كان ليشعر بتوتره آنذاك يتخبط بين هذه الكلمات... وشردت ميرا..
- ولكن لماذا؟! لماذا انفعل هكذا؟
- ميرا لست أستطيع أن أخبرك..ليس لأنني لا أريد ولكن نبيل لا يسمح لي..ولأنني أعلم بأنني إذا قلت سأريق الدماء..
- الدماء؟؟ أي دماء؟! ولماذا ليس يسمح لك نبيل أن تخبرني؟! وصمت جواد بألم وجعل يمضغ الطعام وعيناه معلقتان بالصحن..
- جواد؟ هل لك أن تجيبني؟
- ميرا..لا تحرجيني.. وعبست ميرا..ثم ظلال عبرات في عينيها و..
- أرجــــــــــــــوك!! وكيف يستطيع أن يُسقط عبرة من منابع عينيها؟..وكيف يستطيع أن يقول لا لهذا الملاك الباكي الحزين؟!
- مــــيرا...
- أرجوك..أرجوك يا جواد أخبرني فأنت لست تعرف كم يؤلمني أن لا أعرف.. (أرجوكِ كفى..لست أقوى على أن أراك تتألمين و..تبكين!!) وتدحرجت عبرة على وجنتها البيضاء الشاحبة حافرة أسطورة حب داسها القدر..
- حسنًا..سأخبرك.. فمسحت دمعتها وانفرجت شفتاها عن بسمه..بسمة ملاك.. فأسكرته بسمتها وأتاهته و..
- لا أستطيع أن أقول الكثير ولن أشرح لك شيئًا جل الذي سأقوله هو كلمة واحدة وأنت بنفسك عليك أن تعرفي البقية..
- حسنًا..أي شيء..المهم أن تتكلم.. وها هي تدفع له ببسمة أخرى..وكيف يستطيع أن يرفض هكذا بسمات أو أن يخيب أملها؟!
- حسنًا..نبيل يكون..يكون نبيل مراد!! وصَمَتْ.. بينما هي رمقته بتعجب..
- ماذا؟! لست أفهم!! فرمقها بنظرة شفقة ثم قال:
- ستفهمين..يومًا ما.. ثم وقف على قدميه وقال..
- هل نعود الآن؟! كان يريد أن يقطع حديثهما.. لقد سرّه جدًا أن يتواجد معها ولكنه لا يريد أن يتورط أكثر.. ولا أن يغرق بالوحل أكثر مما غرق!! وقامت هي دون أن تنبس بكلمة.. فوضع بضع نقود على الطاولة وخرج معها ثم ألقى نفسه أمام المقود.. وهذه المرّة جلست جنبه، وشعر بلفحة دافئة في صدره وتنشق عطرها بعمق.. هذا العطر وهذه الفتاة وتلك البسمة.. كلها تجعلها أحلى ملاك!! وأطلق عنان السيارة فسارت بسرعة عائدة إلى منزل ميرا..وأثناء عودتهما طارت نظراته بين والآخر إليها .. لم يكن يستطع أم يمنع عينيه عنها وفي كل مرة لحظها كانت سارحة، واضعة يدها على خدها وتنظر من شباك السيارة بشرود.. وفي كل مرّة كان يلحظ هزلها وشحوبها وكم تغبرت منذ رآها في الحفل!! (هل فعل بك نبيل كل هذا؟!) وأوقف السيارة أمام الدار فترجلت هي..
- شكرًا لك يا جواد.. أنت فعلًا نعم الصديق، تفضل اشرب فنجان قهوة..
- لا شكرًا لك..أوصلي سلامي لأمك الغالية.. فعادت ورمت عليه بسمة أخرى..
- وصل..إلى اللقاء.. ودخلت البيت بسرعة وعندما أغلقت خلفها الباب أدار محرك السيارة ورحل!!
* * *
- ماذا يريد؟
- من؟
- هذا الشاب..
- أتقصدين جواد؟
- أجل..
- لا شيء.. أراد أن يحدثني بخصوص أخته نداء..
- آه..هل هذا هو أخوها؟! انه يشبهها كثيرًا..
- نعم يا أمي..
- وماذا فعلتما؟!
- أمي لماذا تسألين كثيرًا؟؟ لم نفعل شيء!! واستوقف حديثهم طرق خفيف على الباب.. وركضت ميرا كي تفتح، كانت تأمل لو يكون جواد وبجعبته بضع الأخبار.. وفتحت الباب وها هو ذلك الشاب المتوسط القامة صاحب عينا نبيل يطل عليها بشعره الأجعد.. ومرّة أخرى يكلمها ويقول..
- مرحبًا..
- أهلًا..
- هل أيمن سليمان موجود؟!
- كلا.. أبي أيمن بلبنان..
- لبنان؟! هل سلمتميه الرسالة؟!
- أجل طبعًا..
- متأكدة؟!
- نعم سلمته إياها بيدي هاتين.. ومن الداخل صرخت أمها..
- ميرا..من على الباب؟! فنظرت إليه ميرا متسائلة ثم قالت..
- إنه..إنه..
- فارس..
- إنه فارس يا أماه..هلا فارسJ فابتسم لها وقال:
- أهلا ميرا..
- تفضل أدخل..
- كلا أنا مستعجل ولكن عندما يأتي أبـ.. أباكي قولي له بأن فارس سليمان زاره.. ورحل.. تاركًا إياها تحت هول الصدمة..فارس سليمان؟!.. إذن هو يقربها ولكنها لم تره من قبل.. لا بد وأن بينه وبين أبيها أيمن أعمال متعلقة بالإرث.. ربما لم يأخذ حصته من ورثة جدها.. واقتربت منها أمها بهدوء ثم قالت:
- من كان هذا؟!
- إنه فارس سليمان.. فشهقت أمها ووضعت يدها على صدرها بخوف..
- ماذا؟! فارس؟! فارس سليمان؟!!
| |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 5:44 pm | |
| الفصل الثالث عشر "أريد أن أعرف ما السر!!"
- أمي ..أمي ما بك؟! هل تعرفيه؟ وانتبهت إليها أمها من شرودها، وكانت لا تزال واضعة يدها على صدرها برعب.. - ها..من هو؟! - فارس سليمان.. فصرخت أمها بوجهها.. - اصمتي.. لست أريد أن أسمع هذا الاسم في بيتي!! ووقفت ميرا بذهول محدقة بأمها.. إنها من المرات القليلة التي ترى على وجهها آيات الغضب..والحزن!! - أمي ما بك؟! ما الذي حدث؟؟ - لا شيء.. لا شيء.. ولكن إياكِ أن يعرف أحد!! فنظرت إليها ميرا باستغراب.. - لماذا؟! - لا تسألي..فقط افعلي ما أقول.. لا أريد أن يعرف أحد بأن هذا الشخص زارنا.. - ولكن لماذا يا أمي؟! - ميرا..إياكِ أن تكثري من الأسئلة!! - ولكنني فرد من هذه العائلة وعلي أن أعرف.. - عندما يحين الوقت ستعرفين...لا تستعجلي!! - أمـــــي!! قالت ميرا بتوسل بينما رمقتها أمها بغضب.. - كفى يا ميرا.. يكفي!! - سأسأل أبي إذن.. - كلا.. أنا سأخبر أباكِ وأنتِ إياكِ أن تخبري أحدًا.. - حسنًا..حسنًا فهمت!! وصمتت ميرا وابتعدت من وجه أمها ودخلت إلى غرفتها تفكر.. من هو فارس سليمان؟ ولماذا ارتعبت هكذا أمها عندما سمعت اسمه؟؟ وما قصة " لست أريد أن أسمع هذا الاسم في بيتي"؟!!.. وما الذي يجري في هذا البيت؟!.. لم يعد يحتمل رأسها كل هذه الألغاز.. (علي أن أفهم.. أن أعرف!!) وخطر ببالها أن تتصل بأبيها ولكن أمها نبهتها بأنها هي من ستخبره.. (ولكنني لست أدري لماذا كل هذه السرية ولماذا ترفض لأن تخبرني الآن؟!!) وشعرت بأنها مسجونة بين قضيبان من حديد.. قضيب كتب عليه ~ فارس سليمان ~.. وقضيب كُتب عليه ~ نبيل مراد ~ .. وشعرت بأنها تحيى بدوامة من الأكاذيب؛ لا أحد يقول لها الحقيقة ولا أحد يُعلمها بها.. وآلمها هذا.. من هو فارس سليمان ولماذا كان أبوها يلّح بأن يعرف تقاسيم وجهه؟؟ ولماذا خافت أمها الآن عندما سمعت اسمه؟؟! ومن هو نبيل مراد ولماذا إن عرفت ستريق الدماء ولماذا تردد جواد بإخبارها مع أنها حتى الآن لا تجد عيبًا واحدًا فيه؟؟! وآلمها رأسها من كثر ما فكرت وحللت.. فرمت به على وسادتها وأغمضت أسوار عينيها بهدوء ثم نامت في سلام!!
* * *
كانت مي تجلس جانب سعاد وسويةً كانتا تراقبان يوسف أثناء تدريباته للسباحة.. وغارت سعاد على جسد يوسف من هذه الأفعى الجالسة جنبها... - أنظري كم هو ماهر!! ( آه أصمتي يا مي،،، لست أقوى بأن أجيبك الآن!!) وصمتت سعاد وأجابتها بتكشيرة.. - آه سعاد لقد تذكرت.. - ماذا تذكرتي؟ - أبي.. لقد طلب مني أن أخبرك.. ونظرت مي مباشرةً في عينيها الرائعتين ثم أمسكت يدها برفق وأردفت.. - طلب مني أن أخبرك بأنه سيجري لك جراحة!! - ماذا؟! جراحة؟! انتفضت سعاد بعصبية.. - لا تخافي ليست بالشيء الصعب... وترغرغت عينا سعاد بالدموع، ما الذي تخبرها به هذه المجنونة؟!.. هل ستحتاج لجراحة؟ وتقولها وهي مرتاحة؟! أليست تدري بأنها رمت الآن على ظهر سعاد ثِقلًا من حديد؟! - ما بك يا عزيزتي؟! سأنادي يوسف.. وحركتها هذه الكلمة وأثارت حنقها وغيرتها.. (ما شأنكِ أنت بيوسف كي تناديه؟؟ هو خطيبي أنا ألا تفهمين؟!) - كلا.. صرخت سعاد بألم ثم أضافت.. - أنا من ستناديه.. وشرعت تحرك يديها محركة الكرسي المتحرك ومتجهة نحو قلبها الذي يسبح بهذه البركة.. وعندا وصلت أمامه ورآها، لم تعرف لماذا أجهشت بالبكاء!!.. يوسف أيقظ عبراتها فسكبتها بلا حساب.. - حياتي.. سعاد ما بك؟! ثم خرج من البركة بسرعة وضمها إلى صدره الرطب ثم أغدقها باللثمات على شعرها ووجهها.. - أرجوكِ لا تذرفي هذه العبرات الغالية.. إنها تجرحني يا سعاد!! - يوسف.. يوسف.. شهقت سعاد من بين عبراتها.. - أجل يا حبيبتي؟! ومسك رأسها الباكي بين يديه ثم رفعه ليواجه عيناه بعينيها الغارقتان تحت سيول الدمعات.. - عمك..سوف...سوف.. - سوف.. ماذا يا سعاد؟! - سوف يجري لي.. - ماذا؟! ماذا يا سعاد؟! - جراحة يا قلبي!! وعادت وأجهشت ببكاء صارخ.. كل دمعة منه تنتحر على أرشفة جفناها وتقع قتيلة على صدر يوسف باحثة عن ملجأ كي تقبر نفسها فيه!! وجحظ يوسف وفغر فاهه.. ثم قال لها بحنان: - ماذا؟! جراحة يا حبي؟! - هكذا قال لي تلك... مي!! وأشاح بوجهه إلى مي .. كانت تنظر إليهما بحقد، وكانا حاجبيها معقودين بطريقة غريبة.. أول مرّة يلاحظ على وجهها هذه الكراهية والحقد.. وعندما لحظت بأنه ينظر إليها رسمت على وجهها ابتسامة كبيرة ورمتها إليه بانتصار.. ولكنه عبس ثم أشاح وجهه عنها.. ( هل كان مع سعاد حق؟! ما بها تنظر إلينا هكذا؟!) وضم سعاد بقوة ثم ضغط بها إلى صدره كأنه يخاف من أن تخطفها بسمة مي أو يغتالاها حاجبا مي المعقودين.. وغاصت سعاد بصره ثم صمتت وتوقفت عن البكاء والحركة.. فنظر إليها يوسف فزعًا.. - حياتي ما بك؟! وردت عليه بصوت مخنوق.. - لا شيء.. هل علي بأن أجري هذه الجراحة؟! وابتسم لها تلك البسمة الشفافة ثم أردف.. - اجل.. فأنت تريدين أن تسيري أليس كذلك؟! وفكرت قليلًا وسرحت بعيدًا في سماء الكون وشردت.. وعاودها ذلك الحلم الوردي فرأت نفسها مع حبيبها يوسف يرقصان،،، كم تحب أن تستعيد قدميها كي تسير هي ويوسف جنبًا إلى جنب، كي تراقصه، كي يضمها تحت القمر وهو يقف على قدميه فلا يضطر للركوع كي يكلمها بعد الآن.. ثم.. - أجل..أجل يا يوسف أتمنى لو أسير!! - إذن عليكِ أن تتشجعي وتُجري هذه الجراحة كي تسيري مرّة أخرى يا حبيبتي... وابتسمت له.. لقد راقتها الفكرة.. أجل فهي مستعدة على أن تفعل أي شيء مهما كان عظيم كي تعود قدماها لها.. كي تسير مرّة أخرى ، كي تركض وتقفز وتعيش!!
* * *
لقد بدأ رأسه يؤلمه من هذا التحقيق.. إنه مسجون هنا مع هذا الذي يدعى نبيل منذ ثلاث ساعات، ويرفض الأخير بأن يخلي سبيله, ويكفيه دخان سجائره الذي ينفثه بوجهه.. لقد سأم منه!! - اتركني وشأني يا نبيل.. - كلا.. لن أتركك,,, قل لي ماذا حدث بينكما بالضبط؟ - لقد قلت لك مليون مرّة.. - لست أصدقك يا جواد.. لا أعلم لماذا ولكنني أشعر بأنك تكذب!! - والله.. أقسم لك ، لقد أخبرتك الحقيقة كاملة.. - إذن لم تعطها شيء ولم تخبرها بشيء سوى بأن اسمي نبيل مراد؟! - أجل هذا صحيح!! - وهي.. هي لم تفهم عليك؟! - هذا ما قالته ، وهذا ما شعرته أنا.. أظنها ليست تعرف شيئًا!! - كيف لا؟؟ كيف لا تعرف؟!.. عقلي لا يستوعب هذا,,, إنه أبوها!! - ربما لم يخبرها أهلها بشيء!! - وماذا بشأن عمها أيمن؟! ألم يخبروها أيضًا؟ ولا أظن بأن فارس سليمان لم يزرهم بعد!! - نبيل.. أنا لا أعرف شيئًا ولكنني أعلم بأنني عندما أخبرتها نظرت إلي بتعجب وكأنها ليست تعي شيء!! - إذن هي.. هي لا تعلم!! يا لي من غبي.. كيف تركتها هكذا؟! - أخبرتك منذ البداية.. والآن أعذرني يا غبي!! وضحك جواد باستهزاء ثم وقف على قدميه وأولى نبيل ظهره وخرج وعندما وصل الباب عاد واستدار وقال له: - نصيحتي.. أخبرها أنت يا معشوق البنات!! وترك نبيل وحده يفكر.. (لماذا لا زالت لا تعرف حتى الآن؟! إنه أبوها وأيمن هو عمها!!) وتذكر البارحة حين رنّ هاتفه.. لقد سمع شهقات روحها في الناحية الثانية.. هل ما زالت تحبه؟؟.. وطار قلبه ، سيكون أسعد إنسان بالكون إن أحبته ميرا, إن عشقته,, إن لم ينسه قلبها بعدما فعل بها!! لماذا فعل بها هكذا؟! وكيف سيسامح نفسه لأنه تركها عرضة للوحدة والألم؟.. كيف سيسامح يديه الآثمتين إذ رموها بين أحضان الدمعات؟.. كيف سيسامح لسانه القاتل إذ قال لها: "آسف كل ما بيننا انتهى" ؟!! لقد كذب عليها.. ما بينهما لن ينتهي للأبد، وكيف سينتهي الحب الطاهر من قلب عاشقين؟!، وكيف سينتهي الإيمان الصافي من قلب عبدين؟!.. هي له وستبقى له للأبد.. ولن يفرق بينهما أحد،، معًا سيقفان بوجه أجيال آل مراد وتاريخهم الأسود مع آل سليمان.. سينسيان كل شيء.. لأن الحب في قلبيهما أعظم من كل تاريخ الحقد والكره والقمع والظلم والتشريد... ( أنت لي يا نيرا.. أنت لي يا حبي الأبدي.. فأنا سأحبك إلى الأبد !!)
* * *
- ميرا... ميرا.. - نعم يا ماما؟! - الهاتف يرّن... اذهبي واعرفي من المتصل أنا مشغولة.. ومشت ميرا بكسل نحو الهاتف الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة ثم رفعت سماعته الشقية بهدوء.. - ألو.. - ميرا؟!.. مرحبًا عزيزتي.. - بابا أيمن..كيفك؟ لقد اشتقتك جدًا وكيف سعاد ويوسف؟ وكيف لبنان؟! وضحك أبوها بقوة.. - مهلك علي يا عزيزتي.. أنا اشتقتك أيضًا..سعاد بخير ويوسف ينتظر منافستك على أحر من جمر,, ولبنان كما تركناها بقيت آية من الجمال، سبحان الخالق.. وابتسمت ميرا.. - الحمد الله.. - هل لي أن أكلم أمك الآن؟! - طبعًا، لحظة.. ونادت لأمها فأتت الأخيرة مسرعة.. - الو.. أيمن كيفك؟ - بخير الحمد الله.. - اسمع هناك أمر مهم يجب أن أكلمك به.. - تفضلي.. ونظرت الأم إلى ميرا ثم قالت لها: - اذهبي إلى غرفتك يا صغيرتي علي أن أحدث أبوك على انفراد.. وأطاعتها ميرا بهدوء وخرجت... ولكنها لم تطعها إلى النهاية فهي لم تذهب إلى غرفتها بل وقفت خلف الباب تنصت إلى أمها... أجل هي تعلم بأن استراق السمع هو عادة قبيحة وغير مستحبة ولكن مع ذلك، الفضول يكاد يقتلها .. عليها أن تعرف ما يجري في هذا البيت!!.. وأنصتت جيدًا.. - أيمن اسمع.. لقد زارنا فارس، فارس سليمان.. - ...... - أقسم بالله.. - ........ - ليست هذه المشكلة، المشكلة أنه تحدث إلى ميرا.. - ...... - إنها تسأل الكثير من الأسئلة يا أيمن، عليك أن تخبر الصغيرتين بأسرع وقت.. - ........ - ومتى تعودون؟! أخاف أن تسأل بنفسها ويفجعها الأمر.. - ........ - ماذا؟ جراحة؟!.. كلا يا أيمن لا تعرض صغيرتي لهكذا ألم.. - يا الهي ...حسنًا ولكنني لن أتركها وحدها سنآتيك أنا وميرا إلى لبنان.. - ....... - حسنًا إذن أراك لاحقًا.. أوصل سلامي الحار لابنتي الحبيبة سعاد ولخطيبها يوسف.. - ...... - إلى اللقاء.. وعندما أقفلت أمها الهاتف ركضت ميرا إلى غرفتها دون أن تلحظها أمها ثم.. - ميرا.. ميرا.. - نعم يا أمي؟ - سعاد ستجري جراحة.. وصعقها هذا الخبر..أختها ستتألم وتتعذب وكل هذا بسببها.. ألا يكفي ما حملته من ذنب؟؟ - ماذا؟! كلا يا أمي لا تسمحي لهم.. - الجراحة سوف تعيد قدميها.. وأنكست رأسها بألم.. - آمل ذلك يا أماه!!! | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 5:48 pm | |
| الفصل الرابع عشر " الجراحة"
كانت غرفة الجراحة موحشة، لقد عاودها ذلك الألم في قلبها وذلك الإحساس بالذنب.. أجل فهي السبب بكل ما سيحصل لحبيبتها سعاد الآن... نظرت إلى كل هذه الأدوات بينما كانت سعاد مع يوسف الذي كان بدوره يهدئها ويشجعها... كم يحبها يوسف!! .. وكان أبيها يحدث الطبيب فيما لا تعلم، بينما كانت مي - تلك التي عرفت حديثًا من تكون - بصحبة أمها.. إلا هي بقيت وحيدة تصارع كل هذا الألم والذنب.. آهٍ لو كان نبيل معها الآن لاستطاعت بأن تُغرق صدره بدمعاتها,,, دمعاتها التي تحبسها منذ أزمان... دمعاتها التي لا تقوى على زنزانة العذاب، إنها تحتاج للنور، تتوق للحرية ولا أمل لها لتلقاهما لأنهما هناك يرقدان بأمان على صدر نبيل.. - ميرا عزيزتي تعالي سأحدثكم جميعًا بشيء مهم.. والتفتت ميرا إلى هذا الشخص.. كم كان حياة أبوها صالح سيسعد لأن أخيرًا رِجلا سعاد ستعودان لها.. ولكن هذا الرجل هل سيسعد مثله؟!.. هذا الرجل الذي تود أن تحفر عميقًا في صدره حتى تصل إلى مكنونات سره.. كي تعرف من هو فارس ومن هو نبيل!! - ميرا صغيرتي ما بك؟! - لا شيء يا بابا..أنا آتية.. ومشت خلفه منكسة الرأس .. (انزلي أيتها العبرات..خلصيني.. احرقي هذا الألم في صدري.. عذبيه!!) ولم تنزل من عينها عبرة!! وجلست جنب أمها .. حيث كانت تجلس مي ومسكت يدها.. - سعاد حبيبتي أنا سأقول لكم جميعًا الآن ما اخبرني به الدكتور رمزي حرب... هو سيجري الجراحة ولكنها ليست مضمونة مئة بالمائة وإن نجحت الجراحة فهناك نتيجتين؛ إحداهما هي أن تستعيدي قدماك كاملتين بإذن الله، والثانية أن تستعيدي نصفهما.. أي أن يعيد لك الشعور بقدميك فقط حتى الركبتين وفي هذه الحالة سيعطيك دعائم لقدميك تساعدك على الوقوف، ولكن ستحتاجين لعكاز كي يساعدك على السير.. وابتسمت سعاد بألم.. لا يهم.. المهم أن تتخلص من هذا الكرسي!! - فلندعو لها جميعًا بالشفاء والله معك يا صغيرتي!! واقتربوا منها جميعًا وأغدقوها بالدمعات وبالقبلات وبدعوات الشفاء .. ما عدا ميرا لم تدمع لها عين ، لم يرف لها جفن... فقط هذا الألم الذي تشعر به في داخل قفصها , هذا الشوك المترهل الذي يوخز قلبها.. ولا دمعات!! ودخلت سعاد إلى غرفة العمليات كالعروس التي تُزف للبحر.. يتلاطمها بأمواجه ويسجنها بأعماقه...وقد تخرج منه سليمة وقد لا تخرج أبدًا.. وبقيت ميرا وأبواها ويوسف وأبوه ينتظرون خارجًا,,, يوسف حفر الأرض بذهابه وإيابه وأمها حفرت وجهها بسيول الدمعات.. وكلهم متوترون وخائفون ويدمعون... ما عدا هي لا تشعر بشيء,,, لا تحس بشيء.. لا تتألم، لا تتوجع، لا تفرح، لا تهنأ.. لا شيء بالمرّة.. عقلها لم يك في تركيزه فلم يكن فيه نبيل ولا جواد ولا فارس ولا سعاد ولا نداء ولا أحد، لا أحد بالمرّة.. وقلبها كأوراق الخريف قد ينكسر مع أي لمسة؛ تكفيها لمسات المعاناة.. وعيناها كالصحراء قاحلتين.. ليسا يكرا دمعًا ولا غيمًا ولا شمسًا ولا رمال.. وحدهما صامدتين في وجه هذا العذاب.. وحدهما لا تذوبان، لا تصرخان، لا تستغيثان.. ومشت قليلًا إلى أمها.. علّ عينيها منها تغاران فتسكبان بضع دمعات!! واقتربت منها بصمت وبهدوء.. كانت تجلس مع أبيها وكانا يتحدثان فيما ليست تعلم وليست تهتم، واقتربت منهما بهدوء الأشباح فلقطت أذنيها كلمة أيقظت فيها كل شيء.. وكما تذكر.. هكذا كان الحديث.. - ولكني لا أعلم ما الذي أتاه إلينا الآن يا أيمن.. - أنا، أنا أعلم.. سلمني الرسالة من قبل لقد توفيت أمه وهو الآن.. - ماذا؟! هل ماتت ابنة آل مراد؟! "ابنة آل مراد!!" ، هذه العائلة.. وهذا الاسم.. ونبيل.. لماذا يتدفقون بسرعة هكذا برأسها.. - مراد؟! من هذه؟! من هؤلاء؟!؟! صرخت ميرا بوجهيهما.. فجرت غضبها في صمتهما.. (نبيل مراد..إنهم حتمًا يعرفوه(!!
* * *
- جواد، هل رأيتها اليوم؟! - كلا.. - اذهب واطمئن لي عليها.. - كلا.. - جواد ارحمني، ارحم أشواقي وألمي.. - آسف يا نبيل.. أنت الذي حطمت قلبها فتحمل أوشال الذنب!! - لقد اتصلت بها مرارًا وتكرارًا ولكن هاتفها خارج الخدمة.. - نبيل دعك من هذا!! - انظر.. لقد تركت السجائر لأجلها هي لن تحبني معها.. - كلا... قلت لك كلا!! - جواد.. ألست أنا صديقك؟! وصمت جواد,,, أول مرّة يفكر في هذا السؤال.. فعلًا هل نبيل صديقه؟!.. ومن عليه أن يفضل نبيل أم ميرا؟! وتصارع بجوفه تنينين... واحد يحمل أجنحة ملاك والآخر يحمل أجنحة معشوق البنات!! - أجل.. نحن أصدقاء ولكنك جرحتها يا نبيل.. - والله لم أكن أعلم بأنها ليست تعرف.. أرجوك يا جواد لأجل صداقتنا.. بحق من يحب قلبك!! اذهب واطمئن لي عليها.. أرجــــــــــــــوك!!! وكيف يستطيع أن يقف في وجه هكذا حلفان.. "بحق من يحب قلبك" (ليتك تعرف من يحب قلبي يا نبيل.. ليتك تعي من عشقي ومن عمري ومن أتمناه لي يا نبيل!!) - وماذا سأقول لها هذه المرّة؟ - ممم.. قل لها بأنك ستعطيها بضع معلومات عني.. - إذن تريدني أن أخبرها الحقيقة؟! - كلا.. إياك,, لست أنت الذي ستخبرها الحقيقة، بل أنا!! - نبيل.. ماذا تريدني أن أخبرها إذن؟! - قل لها أن تتصل بي أو أن تقابلني في مكان لقائنا الأول.. فهناك سأخبرها بكل شيء!!
* * *
ها قد مرت ساعات وحبيبته لم تخرج من هناك.. لقد ضاق به صدره وشوقه.. يريد أن يراها,,, لماذا ورطها بكل هذا؟!.. هو الذي عرّضها للجراحة فلولاه ما كانت حتى أتتها الفكرة!!.. ولكنه غدًا سيكون "يوسف بطل العالم في السباحة" فكيف ستكون زوجته مقعدة؟!.. ولكنه يحبها رغم ذلك.. مرارًا سأل نفسه لماذا أحبها؟!.. صحيح هي منحوتة فنية رائعة وجمال طبيعي قاتل، وعذوبة ما بعدها عذوبة ولكن... لا قدمان لها.. أو لها ولا يمشيان!!.. وآلمه هذا.. لماذا يفكر هكذا؟ ما به؟! وشعر بألم عميق يجتاح كيانه وشعر بأن دمعاته تكاد تسقط..وبسرعة أمسكها.. ( لن تنزلي أيتها الدمعات.. فأنا رجل والرجل لا يبكي!!) كلا، هو لن يبكي سعاد.. ليس لأنها لا تستحق دمعاته ولكن لأنه لن يضعف أمامها أو أمام هكذا موقف.. بل سيقف جبار كالصخور وصلب كالأرض.. فهو يوميًا يغالب أمواج البحر، فما الفرق بين البحر والقدر؟.. كلاهما يقطفاننا في ربيعنا ويرمياننا يباس أوراق، كلاهما يتلاطمانا ويتلاعبان بنا ثم يدفننا في أعماق التربات.. - يوسف.. - ميرا؟..ماذا هناك؟! - سلّيني!! - ماذا؟ ماذا تقصدين؟! - لا أعلم.. لست أستطيع أن أبقى هكذا,, أعصابي ليس تتحمل.. أريد أن أروّح عن نفسي قليلًا .. - ما رأيك بالتحدي؟! هل لا زلت عنده؟! وابتسمت ميرا بسمة مكارة ولكن.. - هل سنسبح بينما أختي هنا تصارع الموت؟! (الموت؟! كلا حبيبتي ليست تصارع الموت.. حبيبتي الموت بعيد عنها فأنا لن أسمح له بأن يقابلها .. لن أسمح له بأن يقترب منها أو يمس شعرة واحدة من رأسها.. سأكسر مناجله حتى لا يحصد روحها مني ، وأحطم نيرانه كي لا يحرق حياتها بي!! سعاد ستحيى.. ستحيى .. لأنها حياتي أنا ستحيى!!) - يوسف.. أين شردت؟ - ها؟! اسمعي دعينا نتنافس الآن.. لأنني إن صارعت أنا الماء قد أرتاح.. - وأبي؟!.. لن يدعنا نخرج الآن كي نتنافس بالسباحة بينما أختي ملقية هناك على فراش الجراحة.. - لحظة واحدة!! واتجه نحو أبيها ثم.. - عمي أيمن ألا تشعران بالجوع؟! - بلى يا بني.. - اسمع سأذهب أنا وميرا لإحضار الطعام..انتظرونا.. - حسنًا يا بني.. وخرجا معًا.. وجلست جنبه بالسيارة ثم انطلقا سوية نحو البحر.. هو كان بحاجة للبحر كما حاجتها هي له.. البحر مولدها ومأتمها وما بينهما.. والبحر لحده وقبره وما يحويا.. " ينتابني أجمل شعور وأنا أسبح.. أن تكون لك القدرة على أن تتغلبي على قوة البحر.. وقوة الجو.." وتدحرجت من أسوار عينيها عبرة حارقة مسحتها بسرعة.. خطفتها قبل أن تولد!!.. منذ قليل في غرفة العمليات كانت تتوسل لها كي تنبت في هكذا عينان ولم تنبت!! والآن بمجرد أن رمت لها الأيام هذه الذكرى تدحرجت خلفها الدمعة!! إذن دموعها لا يستحقها أحد سوى نبيل؛ حبيب القلب وعشق الروح.. ووصلا الشاطئ وخلع عنه ملابسه بسرعة وهذا ما فعلته وغطسا سوية في البحر.. هو يلطم الأمواج ويكسر صلابة غضبه.. وهي تكسر الأمواج وتلطم وجنات ألمها،،، هو يسابق الريح ويغالب الوقت وهي تسابق الدمعات وتغالب الألم.. هو كعادته يصل أولًا وهي كعادتها تصل بعد فوات الأوان...
* * *
- نانا نجية, نانا نجــيــة.. - نعم يا بنتي؟ - هل رأيت أخي جواد؟ - نعم.. لقد خرج باكرًا.. - وهل رأيت نبيل صديقه؟ - أجل كانا معًا ثم خرجا.. - هل قالا إلى أين هما ذاهبان؟ - أجل السيد نبيل قال بأنه سيعود إلى بيته وأخوك لم يقل لي!! - آه..حسنًا.. اسمعي أنا قد أتصل بنبيل وألمح له بأنه عليه أن يتقدم لخطبتي.. - ماذا؟! خطبتك؟! ألف مبروك يا بنتي .. - نـانــا.. لم أقل بأنه أتى.. أقول بأنني سألمح له فقط.. - ولكن هذا ليس من الأصول يا بنتي .. - آه.. أية أصول؟!.. لقد تقدمنا عصور عن الذي تدعيه بالأصول.. - ولكن ألا تعتقدي بأنك يجب أن تشاوري والدك أولًا؟! - كلا.. إن قلت له أريد ذلك الشيء جاءني به، فماذا إن قلت له أريد ذلك الشاب؟! وقهقهت نداء بكل ما في قلبها من لؤم وكره وأنانية.. فمعشوق البنات قريبًا سيصبح خطيبها وكل البنات سيحسدنها لهذا.. كلهن سيقلن " ها هي نداء حصلت على أحسن الشبان وأوسمهم".. وتلك الحقيرة ميرا ستعرف مقامها.. ستعرف بأنه ما كان عليها منذ البدء أن تلهو مع نداء.. مع بنت السلطان.. وإن ولدت من الطين ستعيدها للطين.. ولتغرر نفسها بالوحول، فنبيل بات لنداء الآن وملكًا لنداء وقريبًا سيكون فقط لنداء..ثم.. ثم لا تعلم!! وابتسمت نداء بخبث ثم وضعت على رأسها منديل أبيض طويل ضمته كي يشبه طرحة العروس ثم ركضت لتشاهد تلألؤها بالمرآة.. ( عروسٌ أنا.. عروسك يا معشوق البنات!!)
* * *
- ألم يتأخر يوسف وميرا؟! - بلى ولكن دعيهما.. ميرا بدت لي غاضبة وحانقة جدًا علينا.. - أعرف يا أيمن، ألا ترى بأنها تريد أن تعرف؟!.. انه أبوها يا أيمن وفارس لقد فاجئنا و.. - مع هذا.. لماذا حصل لها كل هذا عندما سمعتنا نتحدث؟.. أعني لماذا غضبت كل هذا الغضب ولماذا صرخت هذا الصراخ؟ - أرجوك يا أيمن.. أختها في غرفة العمليات, الله يعلم ما بها.. أكيد هي تشعر بالضيق والغضب الشديدين ولن تجد منفذًا لكل هذا الألم المطمون في أعماق قلبها إلا أن تفجره في وجهينا.. - كفاكِ.. ألست تفهمين؟ هناك شيئًا أكبر من هذا.. أكبر من هذا بكثير، ميرا تحمل في صدرها سر لسنا نعرفه.. منذ أتينا لبنان في المرّة الأولى وحتى الآن.. أخاف أن تغلط كغلطتي.. أخاف أن تحذو حذوي!! - كلا.. لا تقل هذا، لا سمح الله..هي لن تعود لتسير خلف وصمات قدميك.. ميرا فتاة عاقلة ولن تفعلها!! - ولكنها ليست تعلم.. ليست تعلم بشيء.. وإن أحبت فهي إذن غرقت ولن نستطيع إنقاذها.. - كلا.. كلا، أنا أعرفها هي لن تفـ.. - والله لأكسرن رأسها وأحطم قلبها إن فكرت فقط بهذا.. - أيمن ما بك؟ لما كل هذا الغضب؟!.. هدئ من روعك.. - كلا, لن أفعل .. لن أسمح بأن يموت شخص آخر من آل سليمان لأجل الذي يدعونه بالحب.. نحن قد حُرّم علينا أن نعشق, أن نحب.. لذلك علينا أن نرضى بقدرنا..ولعنتنا!! وصمتا.. فماذا سيقولان بعد؟.. ولحظات قليلة مرّت عليهما حتى دخلت ميرا بصحبة يوسف وبجعبتهما بضع أكياس واتجها نحو والديها.. - أبي, أمي .. تفضلا.. وفتحت أمامهما الأكياس ورائحة الطعام تفوح منها لتداعب شهيتهم وتُخلي معداتهم .. - ألن تأكلي؟! سألها يوسف المنهك.. - كلا.. لا شهية لي!! ومتى كان عندها شهية؟! منذ عرفت نبيل انفقدت شهيتها، كأنها استبدلته بها.. ولا بأس, شهيتها فداه وروحها فداه وكلها فداه.. ومشت وألقت برأسها على باب غرفة العمليات وأغمضت جفنيها.. - ما بك؟!.. هل أحزنتك لأنني هزمتك هذه المرة أيضًا؟!.. وانفرجت شفتاها عن بسمة خلابة، بسمة ملاك.. - كلا.. لقد أراحتني هذه المنافسة ليست كسابقتها.. كنت بحاجة لأن أنفّس عن غضبي!!.. وابتسم لها يوسف ثم أدار لها ظهره.. ولم يكد يخطو خطوته الأولى مبتعدًا.. - نبيــــل.. صرخت به.. - أقصد يوسف.. انتظر.. لا تتركني وحدي.. يؤلمني هذا الصمت.. والتفت إليها يوسف بتعجب.. - من هو نبيل؟!
* * *
إنه يجلس هنا منذ وقت طويل.. ينتظر عودة جواد بفارغ الصبر.. فقلبه يؤلمه ونفسه تزعق بأعماق جسده.. ولن يُشفي هذا الألم العقيم أو يُصمت صراخ هذه النفس سوى حبيبته وعشيقته ميرا.. إنه يشتاقها.. يشتاقها بجنون.. جنون لم يعهد مثله من قبل.. جنون رائع يصرف فيه هذا الشعور الموجع اللذيذ الذي لا يعرف كيف يصفه سوى بالحب.. والخوف على الحبيب.. ومن الباب دخل جواد.. - جواد!! قفز نبيل من مكانه وركض نحوه كالظمآن الذي لم يذق للماء طعمًا.. نعم هو ظمآن وإن طمأنه على ميرا أذاقه بضع قطرات زانحات من ماء الكوثر،،، حيث ترقد ميرا ملاكه الآن.. - نعم؟! أجابه ببرود.. - كيف هي؟ - لم أرها.. - ماذا؟!.. لماذا تفعل بي هذا يا رجل.. ألم أطلب منك بحق صداقتنا أن تطمئن لي عليها؟ لماذا لم تذهب يا جواد؟! - كلا.. ليس هذا السبب.. - ما السبب إذن؟! - أنهم ليسوا بالبيت وقد أعلمتني جارتهم بأنهم في لبنان.. - لبنان؟! منذ متى؟ ولماذا عادوا إلى لبنان؟! - لست أعلم يا نبيل!! أجابه جواد بضيق.. - لبنان.. لبنان.. سأتبعها إلى لبنان.. - ما هذا الجنون؟! - أجل يا جواد.. أنا سأتبعها إلى أي مكان .. حتى الموت ، سأتبعها!! - نبيل.. لا تتهور!! - لست أتهور.. أنت لست تفهم.. أنا لست أستطيع أن أحتمل بعد.. لست أستطيع أن أحيا دونها.. هذه ليست بحياة.. أنا أتألم، أتعذب حطمتني قيود المعاناة.. لا أستطيع أن لا أراها, أن لا أكلمها.. أن لا أشعر بملاكي يا جواد.. لذلك سأتبعها.. سأتبعها إلى لبنان!! | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 5:52 pm | |
| الفصل الخامس عشر " ضيف غريب في منزلي"
لا تصدق بأنها أخيرًا خرجت من تلك المغارة السوداء الحالكة.. أول شيء حاولته هو تحريك قدميها ولم تستطع، ربما هي فقط لا تعرف كيف يحرك البشر أقدامهم.. ولكنها كانت تمشي من أزمان!!.. وتضايقت.. لماذا لم تتحرك قدماها؟! ونظرت إلى جنبها ولم يكن حولها أحد.. كانت وحدها.. وترغرغت الدمعات في مقلتيها.. وضايقها هذا الجهاز الملصق بأنفها – كان هذا جهاز التنفس، ولكنها ليست تريده.. ليست تريد أن تتنفس إن لم تتحرك قدماها!!.. وبسكونها المميت سمعت أصوات صرخات خارجًا.. كأنه صوت ميرا لامس أذناها.. - إنها تتحرك، إنها تتحرك!! واعتقدت بأنها تحلم فأغمضت جفناها بهدوء.. وللحظات شعرت بيد دافئة تحضن يداها ودفءٌ عارم يجتاح صدرها وصوت رخيم يمزق قيود الصمت من حولها.. - حبيبتي سعاد هل تسمعيني؟! وانفرجت شفتاها عن بسمة طاهرة لم يلحظها أحد بسبب جهاز التنفس الملقى فوق فاهها.. وفتحت عيناها بهدوء ونظرت إلى يوسف.. ونَبَضَ قلبها نبضة غريبة قوية جبارة، ربما هي نبضة الشوق أو نبضة الأمان.. وحاولت أن تكلمه ولم تستطع.. ونظرت حولها وكانوا جميعًا يحيطونها.. وشعرت بأنها ميتة.. ولكنه موت جميل, موت رائع.. موت جمع كل أحبتها حولها.. موت أضحكهم وأسعدهم، وإن أبكاهم فدمعاتهم كانت دمعات فرحة، دمعات الخلاص... وارتاحت لهذا الموقف وتناسيت قدماها للحظات.. لم تحاول أن تحركهما مرّة أخرى .. ليست تريد قدماها إن أبعداها عن هذه العائلة الحنونة أو عن هذا الحبيب المتلهف .. وأثناء نشوة هكذا لقاء تطاير بؤبؤا عيناها نحو الباب، حيث كانت تقف مي وتنظر إليهم.. وخصوصًا إليها.. إلى سعاد.. ولم تكن نظراتها طبيعية، فقد لاحظت شررًا في عيناها وفوقهما حاجبين معقودين كالمناجل.. لماذا تكرهها؟!.. ليست تعرف.. ولكنها ستعرف لا محالة.. وبعد قليل دخل الطبيب رمزي حرب وكان سعيدًا جدًا ثم طلب إليهم أن يكلّم سعاد.. - سعاد صغيرتي، أعرف أنك تسمعينني وأود لو أعلمك بان الجراحة نجحت.. وصرخات سرور تصدعت الغرفة ودمعة سعيدة سقطت من مقلتيها.. ( الحمد لله.. الحمد لله .. شكرًا جزيلًا يا ربي.. يا حبيبي.. شكرًا لأنك ستعيد إلي أخيرًا قدماي .. الحمد لله ) - ولكننا .. لسنا متأكدين إذ عادتا قدماك كاملتين.. لذلك عليك أن تخضعي لتمارين مكثفة سوف تساعدك على المشي وتقوية عضلات قدميك الراكدة منذ أعوام.. لذلك عليك أن تبقي في إضافتنا لمدة ستة أشهر إضافية.. وتحدث بعد.. ولكنها لم تسمع البقية.. فقد شعرت بوخزًا في قلبها.. ستة أشهر بعد؟.. ستة أشهر بعيدة عن بلادها الحبيبة؟.. بعيدة عن وطن الحنين؟! .. ستة أشهر سترافقها تلك الأفعى المدعوة بمي حيث هي لا تستطيع الوقوف وحدها؟؟ وبساعة غفلة قد تسرق منها حبيب القلب يوسف!!!
* * *
- وأخيرًا سنعود إلى البيت.. قالت ميرا بفرح.. كانوا قد غادروا المشفى هذا الصباح وتركوا ابنتهم سعاد بين يوسف ومي والطبيب رمزي حرب... بين أهلها الجدد.. وفي عقل كل واحد منهم كانت تدور الدوائر وتُرسم الخطوط.. لقد كان أسبوعًا شاقًا قضوه في لبنان.. وميرا لم يكن يشغلها سوى شخص واحد.. حيث لا زال يشغلها منذ أزمان.. نبيل.. حبيبها الأبدي.. كانت تعلم بأنها تركته في الوطن .. ولكنها علة ما تعتقد رأته قبل مغادرتهم.. كان في الفندق.. وتذكُر أنه نظر إليها بتلك النظرة العميقة الحزين.. لقد تغير كثيرًا .. لقد هزل ويظهر عليه التعب والألم.. لم يبتسم لها مع أن أكثر ما تحب ابتسامته.. فهي تشتاقها أيضًا.. هل حقًا رأته؟! وهل كان ذلك نبيل؟! أم أن عيناها يخدعاها فباتا الآن يصورانه في كل مكان وفي كل وجه؟! هل هي سعيدة أم تعيسة؟!.. أم أنها كعادتها ليست تشعر بشيء، فقط تصل بعد فوات الأوان؟!.. لماذا لم تره البارحة؟.. فبدل من أن تنافس يوسف كان باستطاعتها أن تره، أن تحدثه.. وأيقظ اسم يوسف في قلبها مخاوف.. يا لها من غبية كيف أخطأت فنادت يوسف بنبيل؟!.. لو لم تتحرك ساعتها سعاد فالله أعلم أي عواقب وخيمة كانت ستسقط عليها.. - ميرا.. - نعم يا أبي؟ - ما أدراك بآل مراد؟ واسوّد وجه ميرا واصفر واحمر وتتابعت عليه كل الألوان وخانها لسانها فانعقد ثم تأتأ قليلًا.. - لا.. لا أعرفهم.. ونظر إليها تلك النظرة الحانقة.. التي تشعر أمامها بأنها جُردت من كل شيء إلّا من تلك العينان.. ثم أدار وجهه وأكمل قيادته .. بينما أخفضت هي رأسها.. - هل لك أن تقول لي أنت من يكونون؟! وصمت قليلًا ثم.. - كلا..ليس الآن قريبًا ستعرفين.. - وفارس؟! - فارس؟! ما به؟! - من يكون؟! - اصبري فالله مع الصابرين.. وغدًا يأتي اليوم الذي فيه تعرفين.. - ولكن.. - ثم أمسكت عن الكلام.. لأن الحديث الآخر دار في رأسها بصمت.. ( نبيل.. أريد أن أعرف من يكون.. آل مراد وآل سليمان.. ماذا يجري بين هاتين العائلتين؟!)
* * *
- لقد رأيتها.. لقد رأيتها.. - نبيل؟ من أين تتصل؟ - من فندق أبو يوسف في لبنان.. - آه.. ومن رأيت؟ - رأيت حبيبتي وروحي وملاكي.. رأيت ملاكي يا جواد!! - ميرا؟!.. هل رأيت ميرا؟! - أجل.. أجل وأخيرًا رأيتها.. حياة قلبي كم أحبها.. - كيف هي؟ - هي بخير ولكنني أراها هزلت وهالات الحزن تحلق فوقها.. كأن نيران الغدر حرقت جناحيها الفضيين.. ولكن لا تخف سينبت مكانهما جناحان ذهبيان.. وستعود كما كانت لي، لي أنا.. - آه رائع.. ومتى أنت عائد؟! - ولكنها دُهشت عندما رأتني.. آه لو تشعر مثلما أشعر يا جواد.. لقد ملكتني رعشة غريبة عندما رأيتها كأنها بعثت في قلبي الدفء من نظرة عينيها.. - إذن رأتك؟ - أجل، أجل.. كم هي رائعة وجميلة و.. إنها سيدتي وأميرتي وعشقي الأبدي.. أحبها وسأحبها إلى الأبد.. - رائع.. ومتى ستعود؟! - لا أعلم.. اليوم.. - اليوم؟!.. لقد ذهبت البارحة!! - أعلم ولكنها غادرت وأهلها وعلي أن أعود كي أراها.. - آه رائع.. - جواد شكرًا لك يا أعز صديق بالوجود.. لولاك لحقدت علي نيران الشوق بعد.. والله أعلم ما كان سيحدث لي.. أنا فعلًا أتمنى لقلبك أن يعرف الحب كي يعيش بسعادتي، وبتعاستي الرائعة اللذيذة.. - قلبي يحب يا نبيل، ويعرف الحب منذ دهور.. - حقًا ومن هي سعيدة الحظ يا رجل؟! - إنها..إنها.. اسمع إن أخبرتك من تكون قد تكرهني.. - كلا.. أنا لا أكرهك ولن أكرهك حتى لو كانت حبيبتك أمي.. ثم قهقه نبيل بينما ضحكاته تصل إلى جواد عبر سماعة الهاتف وتُقطع قلبه بسكين " الحب أم الصداقة".. - أنا.. أنا أحب.. أحب ميرا يا نبيل!!
* * *
هذا الصمت منذ وصلوا.. والألم في جوفها يتجبران.. ( أرجوك أيتها أيام أركضي قليلًا للوراء كي أراه مرّة واحدة بعد!!) أجل انه نبيل يأتي ويلقي على قلبها رحيق الأمل ثم بدون سابق استئذان يرحل.. لماذا رأته الآن؟! لقد مرت شهور على آخر مرّة شاهدته فيها..والآن تره مرّة أخرى؟.. ولماذا خفق قلبها هكذا حتى شعرت بأنه سيقع من بين قيود صدرها ويركض نحوه؟! ثم شهقت شهقة عميقة أدخلت معها نبيل وصورة نبيل وبسمة نبيل.. وحب نبيل الدافئ إلى صدرها الفارغ البارد الحزين.. ولحظات قليلة ثم طرق خفيف على الباب.. - أدخل.. - ميرا عزيزتي.. - ماما.. ماذا هناك؟ - اسمعي.. رزين ابن خالتك عبير أتى لزيارتنا.. تعرفين أن هناك مشاكل بين أبويه ولذلك أتى كي يمكث لدينا بضع أسابيع ريثما تنحل المشاكل بين والديه.. تعالي لاستقباله.. - هل وصل؟ - نعم.. مؤقتًا سنعطيه غرفة سعاد.. - حسنًا أنا آتية.. رزين.. إنها تذكره من أيام طفولتهما، تذكر ذلك الفتى المشاكس اللطيف الرقيق.. ذلك الفتى المحبوب.. كانت سعاد أختها معجبة به أثناء طفولتهما.. ولكن عندما كبروا قليلًا انتقل هو ووالديه إلى بلدة مجاورة لأن أبيه وجد عملًا هناك.. ومنذ ذلك الحين هي لا تره إلا في المناسبات.. وخرجت ميرا بفرح شديد كي تلاقي ابن الخالة.. - مرحبًا رزين كيفك؟ - أهلا بميرا ابنة الخالة .. أنا بخير وأخبارك؟! - أنا سعيدة بتواجدك معنا.. شرفت بيتك.. وابتسم لها رزين.. كان لا يزال بناظريها ذلك الطفل اللطيف الذي سرق قلب أختها في الصغر.. ولكنه الآن شابًا في مثل عمرها.. وليس أي شاب.. شاب متوسط القامة، متناسق الجسم، أبيض البشرة وأسود العينان والشعر.. ولكن كان هناك شيء غريب فيه.. فقد تراءى لها بأنه حزين وكئيب..ربما لأجل والداه.. أو.. لا تعلم.. وساعدته على ترتيب أغراضه في غرفته الجديدة ولاحظت شروده الدائم وشعرت بحزنه العميق,,, فصممت في صميم قلبها أن تعرف ما السر الذي يخفيه وما سبب هذه الكآبة العميقة.. وأن تساعده بقدر ما تستطيع..
* * *
- جواد.. - نعم؟! - لماذا تحدثني بهذه الطريقة؟! - يا رب السموات صبرني..ماذا تريدينني أن أقول لك يا نداء؟! - لا شيء.. لا تغضب أرجوك.. ونظر إليها بقرف.. كان قلبه مشغول ورأسه مشغول.. ما كان عليه أن يبوح بسره لنبيل.. نبيل بالذات.. على الأغلب هو الآن ناقم عليه وعندما يعود من لبنان قد لا يكلمه.. وقد يرتكب جريمة ذلك المجنون.. - جواد؟! - ماذا تريدين الآن؟! - أنا أتحدث منذ ساعة أين كان عقلك؟! - هفففف... ماذا تريدين؟! - هل لي أن أطلب منك طلب صغير؟! - هاها.. اطلبيه من أبي هو سيأتيك به على بساط من ذهب.. - كلا..كلا.. هذا الطلب لا يستطيع أن يلبيه لي أحد سواك.. - حسنًا, اطلبي.. - أريد منك أن تكلم نبيل.. - بشأن ماذا؟! - اسمع.. عليك أن تخبره بأن عليه أن يتقدم لخطبتي لأنه لا يجوز له أن يبقى معي هكذا دون خطبة.. وهاله ما سمع.. - ماذا؟! يتقدم لخطبتك؟ ألا تفهمين يا مجنونة؟! إنه يحب ميرا سليمان!! - وأنت تحبها أيضًا!! فنظر إليها جاحظًا مقلتيه الكئيبتين.. - ماذا؟!.. ماذا تقولين؟! - هل تعتقد بأنني لا أعرف؟!.. أنا أعرف كل شيء.. - من أخبرك؟! - لا حاجة لأن يخبرني أحد، الأمر واضح كعين الشمس!! وصمت جواد ثم أطرق رأسه.. ليس يريد أن ينبس ولا بأي كلمة بعد.. - أخي حبيبي.. اسمعني,,, أنا خطّطت برأسي لكل شيء وما عليك إلا أن تنفذ.. للأمر منفعة لنا نحن الاثنين معًا.. فانا يخطبني نبيل معشوق البنات وأنت ستتوفر لك ميرا.. ميرا كلها ستكون لك أنت!! ونظر إليها جواد نظرة تعجب وبريق طفيف بالكاد لمع في عينيه ثم ألقى بتلك النظرة إلى نداء التي حثتها على الاسترسال بشرح مخططها الشرير!!
* * * | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 5:55 pm | |
| الفصل السادس عشر " رزين وسره الدفين "
سوف يكون هذا يومها الأول البعيد عن الفراش بعد الجراحة، هذه الليلة لم تنم أبدًا... وكيف تنم وليس في رأسها سوى شيئين اثنين تحب لو تعيش باقي عمرها برفقتهما؛ يوسف حبيب الروح وقدماها ذلك الكنز المفقود.. لقد حاولت مرارًا وتكرارًا أن تحرك قدميها وليست تعرف لماذا لم تنجح للآن.. لقد شعرت بإحباط مروّع ولم يعزيها سوى معرفتها بأن يوسف كان يجلس كل الليل جنبها، يسهر عليها وعلى ألمها..وها هو الآن غافٍ جنبها، كالطفل الصغير البريء يحمل رأسه بكتفه الأيمن..لا شك بأنه تعب جدًا!!.. وتنهدت سعاد بألم ففتح يوسف عيناه على الفور.. - حبيبتي.. كيف كانت ليلتك؟! وابتسمت سعاد.. - جيدة.. وأنت هل نمت جيدًا؟ - ها!.. أظنني غفيت رغمًًا عني.. - لا بأس عُد للنوم فأنت بحاجة للراحة.. أنا بخير لا تقلق علي.. - كلا.. أنا بخير سأبقى معك حتى تبدأي تمارينك وحتى تنهيها وحتى.. الأبد!! وابتسمت سعاد... - وهل تعرف متى أبدأ تماريني؟! ورمق يوسف ساعته.. كان لا يزال الوقت مبكرًا.. - أعتقد بعد ساعتين أو ثلاث.. - أوف.. وماذا سأفعل حتما ذلك الوقت؟ - ممم... سأصحبك معي!! - هاها وهل ينفع ذلك؟ - طبعًا.. ولكن على شريطة أن تذهب معنا إحدى الممرضات ونحن سنصحب مي ابنة عمي.. - كلا!!!.. أقصد .. أليس هناك سوى مي؟! وتمعن فيها يوسف قليلًا ثم أردف: - مي هي الأحسن!! واشتعلت الغيرة بصدر سعاد تصحبها وخزات ألم.. - حسنًا.. واستأذن يوسف كي يذهب إلى مي ويطلب منها مرافقتهما.. وخرج من الباب ليدخل الغضب إلى جوف سعاد من الشباك وملايين من الأفكار شغلت رأسها.. ( لماذا اختارها هي بالذات؟ ولماذا أصر بأن تذهب هي بالذات؟.. ألا يوجد سواها ممرضات؟ فقط مي؟!! "مي هي الأحسن".. وما أدراك؟..أنت فقط تريد أن تبقيها جنبك.. فهي تبقى مي ابنة عمك وابنة بلدك.. وتملك قدمان يسيران!!) وتضايقت سعاد بشدة.. لماذا الآن.. بعد أن غرقت بحب يوسف حتى قمة رأسها قد تأتي فتاة كمي لتأخذه منها؟!.. لماذا الآن؟!.. ودخل يوسف ولم يكن وحده، كانت بصحبته مي؛ تلك الأفعى صاحبة العينان الخضراوان.. - عزيزتي.. هيا بنا.. وجلب لها كرسيها المتحرك.. (كلا.. لن أعود إلى هذا!!) وحملها بين ذراعيه حتى شعرت بنفسها تطير.. آه لو تبقى طوال العمر بين ذراعيه.. إنها الآن تتمنى الموت.. الآن فقط تريد أن تموت بين ذراعي حبيبها ولا تبارحهما أبد..
* * *
وهكذا علقت في حالة حب!! لا تذكر سواه، لا تعشق سواه ولا تعيش إلا لذكراه.. كانت تتخبط في دماء عشقها وغرامها، وتنهمر غيثًا في ليالي نسيانها.. كانت تخاف أن لا يعود إليها، كانت تتمنى أن تكلمه مرّة واحدة بعد!! كانت تعلم أنه لا يناسبها ولا يناسب كرامتها.. لكنه حقًا يناسب هذا القلب!! اعتقدت بأن حبه هو مجرد حالة حب وستمر، ولكنها كانت مخطئة فغرامه كان أسطورة عشق ووله وهيام لم تكمل بعد!! فحطمتها قيود البعد وسلاسل النسيان وأوقعتها في أعماق كاسات الألم آملة لو تستطيع السباحة حتى بر الأمان!! ( أين أنت يا نبيــل؟!) ووخزها قلبها بشدة وتذكرت حين رأته في لبنان، أو تراءته.. لم تكن تعلم بأنها تشتاقه إلى هذا الحد فمنذ رأته في لبنان وهو لا يفارق عقلها وكيانها، وكأنه لعنة من لعنات الجنيات كُتبت عليها كي تتعذب هي.. وهو يهنأ.. ولكم ما الذي أخذه إلى لبنان؟!.. ( لا، لا.. هذا ليس نبيل!!) وبينما هذه الصراعات تدور حول ممالك قلبها شعرت بظلٍ أسودٍ خفيف يمشي أمامها بخفة ويبتعد.. إنه رزين؛ رجل الظلال.. منذ أتى إلى هنا وهو صامت شارد كئيب وهالات الحزن تحلق فوقه، منذ أتى وجناحه مكسور وتركيزه مزعزع، كأن هناك ما يشغل باله، ما يؤلمه ويعذبه..كأنه يعاني من شيء ما.. من شيء لا يقوى على حمله في صدره الجبار..ورقّ قلبها الطيب الرقيق لهذا الرزين.. وصممت أن تساعده،،، لا يهمها ما سيكلفها هذا لأن كل شيء يهون كي تراه يبتسم ويضحك ويفرح!! ولحقت به إلى المطبخ حيث ذهب مترنحًا.. - رزين.. كيفك اليوم؟ - الحمد لله وأخبارك؟ - أنا بخير.. ولكنني قلقة!! - قلقة؟! لماذا يا ابنة الخالة؟! - لأن هناك شخص قريب على قلبي وقريب مني يكاد يقطّع قلبي.. - لماذا يا عزيزتي؟ ومن يكون هذا؟؟ - شخص حزين وكئيب لو حدثني بألمه سيرتاح وقد أستطيع أن أقدم له المساعدة فمن لي غيره قريب؟! وأطرق رزين رأسه بألم وكأنه فهم من كلامها أنها تقصده هو.. - وماذا تريدين أن تسمعي بالضبط؟! - أريد أن أعرف لما كل هذه الكآبة والمعاناة يا رزين؟؟ - ميرا.. أرجوكِ.. أنا لن أخبر سري إلا لشخص أثق به أشد الثقة.. وعقدت ميرا حاجبيها بغضب ثم قالت: - رزيــــــن أنت لا تثق بي؟! لا تثق بابنة خالتك؟! إذن اسمح لي أن أخبرك بأن لديك مشكلة ثقة!! وانفرجت شفتا رزين عن ابتسامة، ابتسامة مرحة صغيرة.. - ما بك؟ لماذا تغضبين بسرعة؟؟ ونظرت إليه ميرا بصمت وجاوبته بنفس الصمت.. - حسنًا، حسنًا إياك وأن تتضايقي مني فلست أقوى على زعلك.. سأخبرك ولكن بشرط.. ونظرت إليه ميرا باهتمام.. - اشرط ما تريد!!
* * *
- أيمن .. متى ستخبر البنات؟! - قريبًا بإذن الله.. - قريبًا متى؟! - لست أعلم.. عندما تتسهل الأمور.. - كلا... لن أنتظر حتى ذلك الوقت، لا أريد لإحدى بناتي أن تتعرض للأذى خصوصًا وأن عائلة طليقتك يعرفون بأنها ماتت!! - أرجوكِ.. اتركيني وشأني الآن!! ونظرت إليه بإمعان ليس من عادته أن لا يناقشها!!.. وهذا الشحوب البادي على وجهه.. ماذا هناك؟! - أيمن ما بك؟! والتفت إليها.. كانت الدموع تملأ عينيه.. كان يحاول حبسها ولكن إلى متى؟!.. إلى متى سيحتمل كل هذا العذاب وكل هذا الألم؟!.. هو بشر وليس حجر، لديه أحاسيس ومشاعر.. (اسأليني ما ليس بي يا زوجة الأخ.. لكانت إجابتي أسهل!!) وهالها ما رأت.. لما كل هذه الدموع؟!.. إنها تعرف أيمن جيدًا، هو ليس من النوع الذي يظهر ضعفه لأحد.. تذكر يوم كان شابًا يوم صفعه زوجها صالح.. إنها تذكر الأحداث جيدًا.. كم تألمت لأجله وكم بكت!!.. لقد أشفقت عليه كثيرًا لأنه قُدر عليه بأن يحب وأن يعشق الفتاة الخطأ.. يومها لم يبكِ ولم تطرف له عين فقط نظر في عيني زوجها وشكره وذهب.. ولم تره إلا عند وفاة زوجها.. فما بالها الآن تلمح في عينيه ظلال العبرات؟! ( العبرات لم تولد للرجال يا أيمن.. وأنت نعم الرجل!!) وشعرت بعطفٍ شديد نحوه، لطالما شعرت بأنه أخوها الصغير مع أنه يكبرها بسنتين.. ولكن.. ربما لأنه طائش.. فمسحت بيدها على وجهه.. - أيمن، أخبرني .. ما الذي يؤلمك؟! وانفجرت دمعاته.. كل دمعة من صوب؛ كزخات المطر بللت وجهه الشاحب الحزين ثم لفظ بكلمة واحدة: - فــــــــــــارس!!
* * *
كان الهواء يداعب شعرها الأجعد الطويل ويلثم وجنتيها الباردتين برقة.. وشعرت بارتياح كبير لخروجها من البيت ثم شهقت شهقة عميقة دافئة وسرت قشعريرة ناعمة في أطرافها.. ثم عاد الشعور بالفضول يتملكها فالتفتت نحوه وقالت: - ها أنا قد وفيت بشرطي لك وأخذتك إلى كل الأماكن التي اعتدنا ارتيادها في صغرنا.. فهلّا أخبرتني ما بك يا رزين؟! وطأطأ رزين رأسه ثم قال: - سأخبرك.. ومشت جنبه تنتظر أن تسمع ما رواية ابن خالتها.. - كلّي آذان صاغية.. فشهق شهقة عميقة وألقى بناظريه نحو السماء وكأنه يسترجع ذكريات غابت خلف عباب الغيوم، أو تناقلتها طيور الجو تحت أجنحتها.. ومسح جبينه بأصابعه وكأنه يحفر برأسه خطوط المأساة.. - الحب.. هو الذي يفعل بي كل هذا، هو الذي شردني وشتتني وآلمني.. وكأنني ولدت شاذًا عن باقي البشر.. أنا لا يُسمح لي بأن أعشق فالعشق يكرهني!!.. صدقيني يا ميرا لم أحب أحدًا من قبل.. كنت أخاف الحب أو بالأصح أخجل منه، أجل كنت أخجل من الحب ومن الفتيات بشكل عام.. لا أعلم لماذا.. لكنني كنت أرتاد المدرسة وحدي ولا أكلم الفتيات كباقي الشبان فلم يكن أمرهن أو ربما كنت أخافهن.. وأخجلهن.. ولكنها كانت عكسهن جميعًا.. كانت أميرة فاحتلت ممالك قلبي بكل سهولة.. اسمها نغم وكالنغم العذب تسللت إلى ثنايا روحي وأطربتها.. هي كلمتني أولًا وجلست جنبي وصادقتني.. حطمت كل قيود الخجل التي كنت أحملها وكالنسم العليل اخترقتها.. وبفضلها أصبحت " شابًا عاديًا" كباقي الشبان من جيلي.. أهتم للفتيات وأُعجب بهن.. ولم أعلم لماذا لم يختر قلبي سواها.. أجل يا ميرا لقد أحببتها بصدق وبكل جوارحي.. أحببتها حبًا عظيمًا لو عرفه قيس لثار على ليلى.. أحببتها بكل ما قي صدري من حياة وبكل ما يجري في وريدي من عشق.. كانت عشقي الأول.. وآهٍ من اعشق الأول..كالعسل حلّى أيامي وكالرحيق أخصبها.. كقضية وطن وحرية أثارها.. فثرت على أحاسيسي وعلى قلبي وبت أريدها لي.. لن أحيا دونها.. وكيف سأحيى إن لم تكن هي معي؟! كيف سأعيش؟!.. ونُثرت في صدري عساكر الرفض ضد عساكر التأييد واشتعلت حرب عالمية ثالثة داخل أجوافي.. وأصابتني حالات غريبة من القلق المصحوبة بالأرق والحيرة والخوف.. خفت أن ترفضني، أن تحطمني، أن تتركني لوحدة الأيام كي أعاهدها على الدمعات.. ومرّت الأيام ولا تعتريني سوى هذه المشاعر المتخالطة.. ولكن.. صدقيني يا ميرا.. كانت حاجتي إليها وحاجتي أن أكون معها وحبي الجم لها أقوى من كل هذه المشاعر.. لم أقوى على أن أحبها بصمت.. فتحدثت.. وحلت علي المصيبة؛ لقد رفضتني... وكيف قوي لسانها على الــ"لا"؟! كيف قوي الحجر الذي تحمله في صدرها أن يحطم أحلامي ويمزق رشقات ألواني؟!.. كيف استطاعت يداها الآثمتين على قتل أجنحة قلبي وتخديش بياض حبي؟!.. لقد آلمتني.. آلمتني بشدة، بشدة لم أتصورها.. بشدة جعلتني أعيش ولا يصاحبني سوى الألم .. والعذاب يصحبني كظلي.. ولا غسول لوجهي سوى العبرات وليس هناك مطهر لقلبي.. وكيف أنساها؟! وكيف أعيش دون هواها؟!.. وأي حياة ستكون هذه؟! كيف سأقوى على أن أراها مع سواي؟! وأرى نفسي بلا نغم؟! بلا نغمي أنا؟ وعشقي أنا وحبي أنا؟.. واسوّدت الحياة في وجهي وأوصدت كل أبوابها في طريقي.. فأظلم بصيص الألم في عيناي ولم يبقى لي سوى خيار واحد.. الموت.. هو الوحيد ساعتها الذي ابتسم لي.. وأعجبتني ابتسامته القذرة، على الأقل كانت ستخطفني من محيط هذه العبرات وتنتشلني من آبار هذه الأحزان..وكان علي أن أموت!! وكل هذا بسببها.. لقد ضللتني عيناها يا ميرا في بحور الظلام، وأرشفتني كاسات من عذاب الحب والغرام.. ففرشت في طريقها أزهار بنفسج وياسمين، علّ قلبها إلي يلين...ولكنها لم تفقه بأن دونها حياتي عدم وبأنني لأجلها تحملت أصعب ليالي من الزمن؛ ليالي أحرق عطرها ألم البعاد وضاع في ظلامها القمر، ليالي حلقت في سمائها غيوم السهاد وتركتني فيها وحدي أتعذب من الضجر.. لم تعلم بأن روحي كانت حلمًا أيقظته براثن الحياة... كانت أملًا أيبسته مخالب اليأس والملل..ملل الانتظار، ملل الدموع والعبرات.. لم تعي بأن الخوف في قلبي خاف من أن لا يلقاها، بأن الحضن في حضني أحزنه أن يحضن سواها.. لم تك تعلم بأنها سحرتني بلا عصا وقتلتني بلا سلاح، بأنها شردتني بالأسى واصطادني من محيطات قاحلات..بأنها رمتني في غابات الحب والسماح،، فإياها عشقت منذ زمن، منذ كان للحب رحيقًا على شفتاي وبريقًا في عيناي، منذ كان لأرض السلام هذه موطنًا وللحب في قلبي مأسرًا.. منذ دهور أطول من الزمن... فكيف سأقوى على العيش دونها؟! وكيف أنساها؟! وكيف لا أركض للموت بأذرعٍ مفتوحةٍ ولا أذرع إليه بأدمعٍ مكسورةٍ؟!..فكرة واحدة بقيت تقض مضجعي.. الانتحار!!..والانتحار كان بالنسبة لي كالحب.. كان هو الخلاص.. ولم أهتم للصراعات القائمة بين روحي وعقلي فأخليت تفكيري من كل شيء إلا من نغم ومن عظمة الألم.. ولم أعي بأنه مهما تجبر العذاب وكبر فالله أكبر.. وبسرعة أخذت معي حبلًا وتوجهت نحو الجبل.. كي ألقى حتفي هناك وحتف حبي وأملي وكبريائي.. وقبل ذهابي توجهت نحو أحد الأصدقاء.. كان صديقي الوحيد الذي لم يتركني لأجل ما فعلت بنغم.. وكأنني ارتكبت حماقة بالحب.. وأعطيته رسالة صغيرة ثم طلبت منه ألا يفتحها قبل مرور ساعة من الزمن.. وخرجت من عنده متوجهًا نحو الموت..كي أستلقي في حضنه الأمان!! وصمت رزين قليلًا عن الكلام ثم نظر إلى ميرا ورأى الاستياء بادٍ على وجهها.. ثم عبرة صغيرة شقت طريقها على وجنتها.. وشرود عارم تملكها..ثم.. - وماذا كان فحوى الرسالة؟! ونظر إليها رزين بألم ثم ابتسم..
* * *
- يوسف.. أين تأخذني؟؟ - ممم... انتظري وستعرفين!! فابتسمت بصمت.. إنها تعرف هذه الطريق.. هل يعيدها إلى الفندق؟! وتمارينها؟! وفتحت فاهها كي تسأله.. - أتذكرين؟! - ماذا أذكر؟! - لقد وعدتك مرة وعدًا وها أنا ألبيه لكِ الآن.. ونظرت إليه باستغراب... عن أي وعد يتكلم؟ ليست تذكر بأنه وعدها بشيء ما.. وأكملوا مسيرهم جميعًا..هي وهو ومي.. وآهٍ من مي.. لا زالت لا تعلم لماذا تشعر بهذا الضيق من مرافقتها.. - ها نحن ذا.. قال يوسف وعيناه تشعان بذلك البريق الإلهي.. ونظرت سعاد أمامها.. حيث كان يوسف ينظر.. - بركة السباحة؟! سألته سعاد بتعجب!! - نعم.. ألم أخبرك بأنه سيأتي اليوم الذي أدخلك فيه بهذه البركة وستسبحين؟! وتذكرت سعاد.. (أجل .. هذا صحيح!!) وانفرجت شفتاها عن بسمة كبيرة ونظرت إليه بعينيها الرائعتين.. - هيا.. ألا تريدين أن تسبحي؟! - بلى..بلى.. فابتسم يوسف بفرح ثم اقترب منها بهدوء.. وها هي تغادر هذا الكرسي المتحرك مرّة أخرى إلى أحضان يوسف، إلى ذراعاه القويتان... وبهدوء نزل في الماء وشعرت ببرودة الماء تلامس أصابع قدميها.. - أنا أشعر بقدمي.. أنا أشعر بقدمي يا يوسف.. صرخت سعاد فرحة وابتسم يوسف ابتسامة كبيرة منفرجة الزوايا.. وشعرت بالماء يسبح حول قدميها ويغطيهما بنعومته الساقعة.. وتركها يوسف في الماء ولكنها لم تستطع أن تحرك قدميها فتشبثت به محوطةً إياه بذراعيها حول رقبته... وجعل يتمايل بها بالماء والسعادة غامرة إياهما.. - هل تريدان أن أحضر لكما شيئًا من الدكان؟! والتفت إليها يوسف بحنق ثم قال: - حسنًا أحضري لنا البوظة.. فنظرت إليه وابتسمت ثم قالت: - Cool لك ولسعاد؟! - نعم.. لي ولحبيبتي سعاد!! وانصرفت مي بحنق.. بينما انفرجت أسارير سعاد؛ لقد أعجبها رد يوسف على مي.. ونظرت إليه وغاصت داخل أدغال عينيه الخضراء وشعرت به يقترب منها بهدوء.. وأنفاسه الحارة تلمس وجهها حتى كادت شفتاه تلامسان شفتاها.. - Cool!!! قالت سعاد بسرعة بدون سابق تفكير مقلدة بذلك صوت مي الثخين...كانت تريد أن تتفادى قبلته مع أنها تتمنى الموت على أشرفة شفتيه.. وابتسم يوسف بألم ثم قال... - مي مجنونة ومعاصرة!! وضحكا سوية ثم.. - سعاد؟! - أجل يا يوسف.. - هل تعرفين شخصًا من عندكم كانت قد ذكرت ميرا اسمه أمامي.. يدعى.. نبيل؟! | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 6:00 pm | |
| الفصل السابع عشر "مسكين يا رزين"
- ...ألوان ممزقة وحلم بعيد الوفاض.. وعمر مرّ من أمامي في لحظات.. وشريط الذكريات، أيامي هنا وهناك.. كل شيء مرّ من أمامي في لمح البصر.. وصورتها تتقدم نحوي بهدوء وابتسامتها كالنغم تتسلل إلى ثقوب جسدي المثخن بالجراح.. وأشواك توخزني في أعماق الروح حيث يسكن حبها القرمزي بظلال الحرمان.. وحبل لا أتوانى بربطه على غصن شجرة الزيتون.. مهيبة هذه الشجرة، ستحمل جثتي وجثة حبي وعشقي.. لأكون شهيدًا للحب شُيعت روحه بين أغصان الزيتون.. ورائحة غريبة تعبق الجو وتستعر في أنفي، رائحة الزيتون الحزين الذي ينتحب على حبي... وخلا رأسي من كل شيء سوى من عينيها المكحلتين، كالسيفين يطعنا حدود ألمي لا شيء سوى ذلك العشق اللامتناهي المؤلم الحزين.. وعذاب جم استجمع في كياني ونشر شباكه السوداء على عيني وأغمضت أسوارهما بهدوء وصرخت بكل ما أوتيت من قوة.. "لأجلك يا نغم.. لأجلك يا حب" وقفزت.. الأرض البعيدة تحتي والسماء العظيمة فوقي وشعرت بالحبل يخنق أنفاسي بينما كنت أتأرجح على غصن الزيتون الجبار ورأيت ملاك الموت يقترب مني بوشاحه الأسود الفضفاض ويمد مناجله الحادة نحو رقبتي ثم ظلامٌ حالك عظيم تخللته بضع ألوان حمراء وبنية ورمادية وقحول من سابع المستحيلات,, وأنفاسي توقفت عن التنفس وأنا وحدي لست أعلم أين أنا..أهذا هو الموت؟! أين نغم فيه؟ لست ألمح طيفها.. لست ألمس شعرها.. لست ألثم يدها.. أين نغم فيه؟! وأين الحب؟! لست أشعر به كالماضي يغزو جسدي.. هل الموت سلبني الحب؟ ألهذا قتلت نفسي؟!.. وخطرات لست أعرف مصدرها تسللت إلى رأسي وأفكار وكلمات لم أسمعها من قبل.. ويدٌ واهنة تصفعني.. وصراخ.. لا ليس صراخ بل نداء.."رزيــــــــــــــن" .. من ينتشلني الآن من وادي الأموات؟!.. وشعرت بجفني يلثما نورًا عظيمًا.. الجنة؟! .. كلا.. بل حياة الدنيا من جديد.. أوتعرفين يا ميرا من أيقظني من الموت؟! .. أتذكرين صديقي الذي سلمته الرسالة قبل رحيلي؟! لقد فتحها قبل موعدها.. وقرأها.. أوتعرفين ما الذي فيها كتبت؟!.. سأخبرك.. عمّا قريب .. قد أخبرك!! ونظرت إليه ميرا ودمعة شفافة معلقة على أسوار عينيها.... - رزين، أرجوك... أخبرني الآن ماذا حدث بعد؟! وتنهد رزين تنهيدة عميقة ثم أضاف بتعاسة: - ماذا لم يحدث؟! توالت الأحداث علي بسرعة.. كأنني في حلم.. كان قد أغمي علي بعد أن ألقتني شجرة الزيتون إلى الأرض.. نعم، لم ترضى تلك الزيتونة العظيمة أن تكون قاتلتي فقتلت غصنها كي تحييني,,, ولم أفتح جفناي الباليان سوى لأراه، صديقي العزيز يحمل رأسي بين كفيه ودموع مترددة تملأ وجهه.. ورسالة أعيتها الدموع يحملها في يده.." رزين.. رزين هل أنت بخير؟!" حاولت أن أجيبه، لكنني لم أستطع.. لساني كان معقودًا فرفعت بعيني للسماء.. كم كانت رحيمة آنذاك.. كم كانت عظيمة وصافية وزرقاء.. ولحظات مرّت كالاحتضار السريع حتى شعرت بحيويتي تعود إلي.. وعدت مع صديقي إلى البيت حيث رمى بين أصابعي المتجلدة تلك الرسالة التي خَطَتُ عليها مأساتي.." صديقي.. لست أحتمل رفوض نغم لي، لست أعي من أكون دونها.. أحبكم جدًا، لطالما أحببتكم، أوصل سلامي الحار لأمي وقل لها بأني آسف لأن حبي لنغم كان أكبر,,, أخبر نغم بأنني سأكون صريعًا لحبها فلتغرر نفسها بالدموع,,, صديقي العزيز.. أحبكم جدًا وأستودعكم في مرضاة الله".. أناتي المترهلة التي رميت بها حبرًا على ورق أطعمتها للنيران.. لم يكن الانتحار حلًا ولن يكون.. كان علي أن أرضى بقدري ونصيبي، حتى لو كان هذا القدر لا يحمل لي سوى سفن مأساوية أغرق الدهر معظمها ومزق الألم أشرعتها.. حتى لو وصلتني السعادة محطمة الأوصال، متناثرة الأعضاء.. كان علي أن أرضى بها.. ولا أطلب المزيد!! وأكمل رزين سرد حكايته لميرا، تلك التي ما لبثت أن أجهشت في بكاء مر عظيم.. وليست تعلم لماذا تذكرت نبيل... نبيل الخالي من كل شيء إلا من بسمته الشفافة... إلا من عيناه الساحرتان.. ن ب ي ل كل أبجديتها.. نون النور في عينيها، باء البرد في حرارة شوقها، ياء اليم العظيم من حب تناثر على أهداب سديم، لام اللون في خرائطها، على شوارعها، في سماء كونها.. نبيل كل الكون.. كل العالم تملكه إن كان معها!! ودموع غزيرة ذكرتها بكلماته الأخيرة.. هل عليها أن تنتحر هي الأخرى كي تنساه؟!.. وغالبت الدموع رجولة رزين فسكبها بلا حساب.. - لكنني سأجد حبًا جديدًا فنغم باتت من الماضي الآن!! وهي.. ألن تجد حبًا جديدًا؟!.. أم أنها لن تستبدل كل الكون بنبيل؟!.. وعلت نبضاتها في سكون سجون الجسد.. وشعرت بوخزٍ عظيم في قلبها.. أرادت لو ترتمي في حضن رزين وتخبره كل شيء، عنها وعن نبيل، عن حبٍ كُتب عليه الفراق وهو في عمر الورود.. على عشقٍ قيد إلى مشانق البعاد وهو لا يتعدى كلمات على سطور.. وليتها تستطيع أن تخبر أحدًا بما يكنه هذا القلب الحزين، أم عليها الآن أن تقول.. شطحات هذا القلب؟! فماذا تبقى لها من قلبها؟!.. لا شيء، ولا قطعة، كلها نهشها القدر أو انتزعتها الأحزان.. لن يعود هذا القلب إلى حاله، إلى أمله وكبريائه ما لم يعد لها نبيل، ومسحت دمعاتها بهدوء.. دمعات عذراء ملّت الرحيل، واستأذنت رزين كي تعود إلى غرفتها، وعادت وأوصدت خلفها الباب، فقد شعرت بحاجة ملحة للنحيب وفجأة وبدون استئذان رنّ هاتفها بإزعاج... لم تفقه شيئًا مما حدث.. كل شيء حدث بسرعة.. شعور عميق في قلبها كأن روحها هبطت في كعب رجليها.. - ألو..ألو.. مرتان على العدد وأنفاس من شوق عارم صادفتها.. وترغرغت الدمعات في مقلتيها المبللتين.. ثم أقفلت الخط بهدوء... - هل يُعقل بأن يكون هذا نبيل؟!
* * *
ولم تشعر سوى بالدمعات تغزو وجهها... ومدّت يدها المرتجفة ومسحت على شعره ثم شعرت به يرتمي على صدرها ويبكي كالرضيع... - لا بأس يا أيمن... قريبًا ستنحل كل مشاكلنا.. - لن تنحل مشكلتي إلا إذا أخذت فارس في حضني، إلا إذا رأيته بأم عيني.. - سيعود، أنا واثقة بأنه سيعود.. - إنه يكرهني الآن.. أنا أكيد.. - كلا..وكيف يكرهك؟!.. ألست أباه؟! - وإن كان.. أي أب كنت؟!.. أي غائب غير سائل..آه من هذا المجتمع لقد حطمني.. أن أعرف بأنه هناك في أي مكان كان لي ابن من لحم ودم ولم أعرف ذلك.. لم أره يكبر.. لم أشاركه طفولته ولا مراهقته فبأي حق سأشاركه رجولته؟!.. فكرة أني حطمت حياة من خرج من أعماق حياتي تقتلني.. لو أبقاني صالح لديها.. فقط بضعة أشهر بعد.. لكنت شهدت ولادة فارسي.. أوتعلمين ما يؤلمني بشدة؟!.. بأن الفتاة الوحيدة التي أحببتها والتي لا زلت أحبها توفيت.. غابت عن الحياة.. كنت دائمًا أعزي نفسي بأنني يومًا ما سأعود إليها، مرّة أخرى سآخذها بحضني.. والآن أين الأمل لأتأمله؟ وأين اللقاء لأحلمه؟!! وصمتت أمامه.. لقد حرق قلبها!!.. وأشاحت بناظريها إلى صورة ذلك الرجل الموشحة بالسواد، كيف أحبته؟!.. إنها الآن تشك بنفسها.. كان طيبًا معها ورائع، ورجلًا بكل ما في الكلمة من معنى..يكفيها تضاريس وجهه القاسية التي شدتها له منذ البداية.. وقلبه الطيب الحنون الذي سحبها إلى عش الزوجية.. وكم هنئت معه، كانت أيامهما كلها رومانسية.. وثقت به وأحبته وكان بالنسبة لها كالبدر، يغدقها بنوره الصافي الشفاف ويسهر عليها ليلًا كي لا يمسها الخوف أو الألم، ولكن أن يكون قد فرّق بين قلب أخيه وحبيبته بالخفاء.. فهذا ما لم تعرفه.. وتتوق لمعرفته.. وسوف تعرفه عندما يهدأ أيمن من نوبته هذه.. - أتعلمين؟!.. صالح اعتقد بأنه لو أبعدها عني سأنساها.. لو فرّق بين قلبينا سأكرهها ولكنه لم يعرف بأنه كان لي أروع أن أشعر مرّة واحدة فقط برائحة شعرها، بملمس يدها، بقبلة حب على ثغرها.. مرّة واحدة فقط من أن أحيا للأبد دونها!! وتكاثرت العبرات على وجنتيها بينما كانت لا تزال تحضنه.. عبرة خلفها عبرة خلفها عبرة خلفها سيول من عبرات.. وفجأة نهض من بين يديها وعلّق عينيه في حور عينيها ومسك يداها بشدة.. - لكنه سيعود، فارسي سيعود وسيحيى معي إلى جانبي إلى الأبد.. وابتسامة طفولية بريئة قفزت إلى وجهه.. وحلم وردي مرّ أمام عيناه ثم وقف على قدميه وسار نحو الباب والتفت إليها التفاتة أخيرة.. - شكرًا لك يا زوجة الأخ!!!
* * *
كان الغضب يسيطر عليه من كل جانب.. ليس يدري ما الذي حدث.. لقد نثر محيط من العبرات في وحدة الكون السرمدية وآلمته الذكريات.. ذكريات الصداقة العذبة.. أين هي الآن؟!.. كيف استطاع جواد أن يخونه ويعشق حبيبته؟! كيف استطاع؟! كل هذا الغضب وتلك المشاعر المتناقضة اجتاحته إثناء عودته من لبنان.. كان كل همه أن يصل إلى جواد ثم.. ثم لا يعلم، لكنه يود لو يقتله بيديه الجبارتين أو يمزقه بأنيابه الحادة وقد يهشمه بأظفاره القاطعة... جواد.. جواد.. جواد.. لقد حطم في قلبه صخرتين عظيمتين.. وعليه أن يدفع ثمنهما غاليًا؛ صخرة الصداقة الزمردية الخضراء وصخرة غروره.. غرور الرجل العظيمة الأنقاض.. كان المساء قد نصب خيامه في تلك المنطقة من العالم.. حيث يتواجد بيت جواد الشبيه بالقصور.. ولكن ظلمة المساء لم تردع نبيل عن طرق الباب.. وها هي نانا نجية تفتح له الباب وتستقبله بصدمة أخرى من صدمات هذا البيت اللعين.. - أهلًا نبيل.. مبروك خطبتك على نداء يا بني.. ونظر إليها نبيل والشرر يتطاير من عينيه.. - أين جواد؟! - انه في الداخل، هو وخطيبتك.. تفضل.. ودخل نبيل مسرعًا كالبرق غاضبًا كالرعد.. وما إن التقت عيناه بعينا جواد حتى اشتعل صدره الفتوي وهاجم جواد ثم ضربه بالحائط وأحكم بذراعه على صدره.. - أيها الخائن.. لقد وهبتك حياتي.. - نبيل.. اتركني تكاد تقتلني!! - وهذا الذي سأفعله.. سأقتلك يا جبان.. يا سارق الحبيبات!! واقتربت منه نداء بسرعة محاولة أن تبعده عن أخيها.. ولكنه كالبركان انفجر في وجهها.. - ابتعدي أيتها الشمطاء.. وإياكِ أن تقتربي مني بعد الآن.. ثم وجه كلامه لجواد مهددًا.. - اسمعني أيها السافل، إن كلمت ميرا أو اعترضت طريقها سألقنك درسًا لن تنساه.. سأقطع رأسك وأطعمه للحيوانات.. لن أرأف بك يا خائن ولن أسامحك ما حييت!! ثم أرخى ذراعه عن صدر جواد وانسحب مبتعدًا عنه.. وما إن وصل إلى حافة الدار حتى نظر إليه بحنق ورفع سبابته في الهواء مهدًدا.. - ستندم يا جواد.. سيندم قلبك وعقلك وروحك لأنك فكرت بميرا.. وخرج غاضبًا بينما جلس جواد واضعًا رأسه بين يداه.. ( ما كان علي أن أخبره,,, ما كان علي أن أفعل... يا لي من مجنون!!) - أرأيت ما فعل؟! ونظر جواد إليها.. كان يعلم ما الذي يدور في عقل نداء.. نداء أفعى حياته ومدمرتها.. ولم يجبها بشيء بل لاذ للصمت.. علّ الصمت يخفف من وطأة الألم عن قلبه!! - جواد.. عليك أن توقف ذلك المجنون عند حده.. عليك أن تثأر لكرامتك وتسلبه ميرا كما سلبك إياها.. أم أنك لست رجلًا يا جواد؟؟!! وأثارته كلماتها فحدق بها بغضب.. - أنا رجل رغمًا عنك وعن الجميع... - إذن انتقم لشرفك المهدور.. خذ بيدي ودعنا ننفذ مخططنا العادل.. واسترسلت بشرح كامل مخططها الشرير بينما لا جواد للصمت.. وللاستماع!! | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 6:04 pm | |
| الفصل الثامن عشر " أنتقم ولكن.."
حرارة الأمل تتقد في صدرها مع كل حركة...الآن فقط باتت تحب قدميها.. كيف لا وهما يكادان يسيران الآن؟! أجل لقد تقدمت بسرعة بالعلاج,,, حتى الطبيب رمزي حرب شجعها وأخبرها بأنها ستستعيد قدرتها على السير بسرعة لأنها نشيطة.. مع أن هذه التمارين مرهقة جدًا ولكن لا يهمها.. عليها أن تقف بالتحدي حتى تسير وتركض... اليوم مشت بضع خطوات، صحيح أنها كانت تستعين بالعكاكيز إلا أنها استطاعت أن ترفع بقدمها وتغير مكانها.. كم هي سعيدة!! سعادة لا توصف بالكلمات,,, وهي تنتظر يوسف على أحر من الجمر كي تُريه تقدمها... كل شيء كان رائع وجميل.. نشوة هذه السعادة العظيمة في قلبها تكاد تقتلها.. إنها فرحة جدًا الآن وإن ماتت في هذه اللحظة ستكون راضية عن حياتها.. كل شيء كان بنظرها كامل الأوصاف باستثناء فكرة واحدة كانت تتردد بين الحين والآخر في رأسها.. نبيل.. من يكون هذا الشخص؟! ولماذا ذكرته ميرا أمام يوسف؟!.. ولأي داعٍ قد تُخفِ ميرا عنها هكذا اسم؟!.. كثير من الأسئلة تهاودت على رأسها.. وشعرت بضيقٍ شديد.. إنها تريد أن تعرف من هذا وقريبًا بإذن الله ستكشف عن هوية نبيل.. ولحظات قليلة مرّت عليها حتى دخل يوسف عليها والفرح يكاد يسلبه منها.. - سعاد، سعاد عزيزتي لدي لك مفاجأة ولا كل المفاجآت.. وابتسمت سعاد بمرح.. - وأنا لذي لك مفاجأة من أحلى المفاجآت.. - قولي أنت أولًا.. ونظرت إليه سعاد بمرح ثم حركت العكازين وبصعوبة فائقة حركت قدمها وبعد جهد عظيم تحركت خطوة أو خطوتين.. بينما وقف يوسف يشاهدها كالمشدوه فاغرًا فاهه ثم بسرعة البرق ركض إليها وضمها بين يديه ورفعها بالهواء ودار بها دورتان... - أحبك يا قلبي.. أحبك!! - أنا أمشي يا يوسف..أمشي.. وصرخ يوسف صرخة فرح ثم قال لها.. - حبيبتي تمشي وأنا قُبلت للمسابقات القطرية,,, يا له من يوم سعيد.. أجمل أيام حياتي!! ونظرت إليه سعاد بتعجب.. - أي مسابقات؟! - هذه هي مفاجأتي لك يا حبيبتي.. لقد اخترت لأشارك بمسابقات السباحة القطرية يا سعاد وقريبًا سأشارك بالمسابقات الدولية العالمية يا حبيبتي... ولم تعلم سعاد لماذا شعرت فجأة بانقباض بقلبها.. وخوف عجيب استجمع قواه في ممالك جسدها.. كان عليها أن تفرح له فهذا حقًا لخبر مُفرح,,, لكن.. لما تشعر هكذا؟! وأخفت مشاعرها الهوادة عنه، وابتسمت بسمة كبيرة ثم رمت بقبلة سعيدة على وجنته.. - مبروك يا عزيزي!!!
* * *
ها قد حان الوداع.. وداع مؤلم حزين,,, وداع أثار في ذاكرتها الذكريات وفي قلبها المتبقي الجراح.. لقد كان رزين مؤنسها الوحيد بعد رحيل أختها سعاد وبعد رحيل نبيل.. كانت تجد بوجودها معه متعة أن يكون لها صديق وقريب وأخ لم تلده أمها.. وها هو القدر كعادته يُشتت أحبائها عنها.. هذا الصباح عندما استيقظ رزين كان وجهه بشوشًا على غير عادته.. وكأن غمام كآبته انقشع لتشرق خيوط ابتسامته,,, أراحها وضعه هذا جدًا،،، كما أراحه الحديث معها.. - ميرا أنت وجه خير علي.. - ماذا؟!.. هاها لماذا؟َ! - أبي وأمي.. لقد انحلت المشاكل بينهما وآن الأوان كي أعود لأستلقي في أحضان بيتي الحبيب.. وأنكست ميرا رأسها بألم.. - ستتركنا يا رزين؟! - سأعود إلى بيتي.. إياكِ وأن تحرميني من رؤيتك.. زوريني وسأزورك يا أعز قريبة وأغلى صديقة في الوجود.. وابتسمت ميرا ابتسامة محطمة ثم صافحته ورافقته مع أمتعته إلى باب الدار حيث كان أبوه ينتظر.. - إلى اللقاء يا رزين عُد يومًا ما.. - إلى اللقاء سأعود بإذن الله.. ثم ركب السيارة ولوح لها بيده وها هي السيارة تنطلق مُخلفة غبار من الذكريات.. ودخلت ميرا إلى الدار.. ها هي تفقد رزين بعد أن فقدت نبيل وسعاد فمن يليهم؟!.. وكرّت من عينها عبرة مسحتها بسرعة.. وليست تعرف لمن زُلقت هذه الدمعة، لنبيل أم لرزين أم لسعاد.. ولكنها أكيدة بأن دمعتها هذه سقطت من نزيف القلب المتألم الحزين... ها هو البيت يعود إلى فراغه، إلى صمته القاتل اللامتناهي.. وها هي كعادتها تصطاد ضحكات أطفال يلعبون، آهٍ لو تعود طفلة كالفراشة الوردية ترفرف بكحل أجنحتها وتطير.. تطير بعيدًا عن هذا العالم القاسي، بعيدًا عن هذه الأيام والأزمان.. آه وألف آه.. وبينما كانت تستغرق بأفكارها وآلامها فاجأها هاتفها برنينه الغير منتظم.. والتقطته بسرعة.. - ألو.. - ألو.. مرحبًا.. (لمن هذا الصوت؟! اعتقدته نبيل!!) - أهلًا.. - ممم.. هل لي أن أحدث ميرا سليمان لو سمحتِ؟! - أنا ميرا.. - أهلًا ميرا ,,هل عرفتني؟ - ممم.. كلا! - أنا جواد.. أخو نداء وصديق..صديق نبيل.. - آه.. جواد أهلًا وسهلًا.. وارتسمت بسمة على شفتيها.. صحيح أنه ليس نبيل ولكنه من رائحة نبيل.. - اسمعي,, أريد أن أحدثك بشيء مهم.. هل لكِ أن تقابليني بالمطعم حيث صحبتك أول مرّة كي نتحدث هناك؟! - أجل طبعًا.. ساعة واحدة وأكون هناك.. - حسنًا..إلى اللقاء.. - مع السلامة.. وأقفلت الخط بسرعة ثم اتجهت إلى خزانة ملابسها واختارت لها فستانًا فضفاضًا خفيفًا لترتديه.. جواد سيخبرها عن نبيل.. وأخيرًا ستعرف من يكون نبيل مراد!! وبسمة كبيرة شقت طريقها إلى شفتيها.. كم هي سعيدة!!.. وبسرعة ارتدت ملابسها وحسنت من هندامها وسرحت شعرها الأجعد الطويل واستعدت كي تلاقي جواد.. وكي تلاقي في عينيه صورة حبيبها نبيل!!
* * *
انه ينتظر منذ كلمها.. يشعر بانقباض عظيم في قلبه ولا يدري له مصدرًا.. كأن جو هذا المطعم يخنقه, كأن الحب في قلبه يؤلمه.. والصداقة إنها تذبحه.. هل يُقدم على هذا أم لا؟.. وأطلت عن بعيد كالملاك بفستانها الفضفاض وشعرها الأجعد الطويل، وراقبها وهي تبحث عنه بعينيها الحائرتين.. وراقب ارتباكها.. كم هي رائعة وجميلة!!.. وكم سيكون محظوظًا لو قُدرت له، لو استلقت في حضنه، لو لمست أنامله، لو داعبت شعره.. والتقت عيناهما فشعر بدفءٍ عظيم يتسلل إلى أعضائه ويُسري رعشة مشتعلة في فرائصه.. آهٍ من عيناها ومن أنفها وثغرها وجمالها.. آهٍ من حُسنها كالغادة الزمردية تُقبل نحوه,, كالحورية الخيالية تسبح في فضاء السكون... نحوه... وشعر بلذة عظيمة تتأجج في عواطفه.. وها هي بسمتها الملائكية الشفافة تدعوه للإغماء اللامتناهي.. - جواد.. كيفك؟! - أهلًا.. أنا..أنا بخير وأنت؟! - بخير الحمد الله... وبقي لوهلة يحدق بها ويسبح في عالمه الخيالي حتى قاطعت أحلامه البنفسجية.. - ألن تدعني للجلوس؟! قالتها مصحوبة ببسمة.. وآهٍ من هكذا بسمة,,, ستكون السبب باغتياله.. - بلى تفضلي... وسحب لها المرسي المقابل لكرسيه وجلست هي عليه بتأنق بينما عاد هو وجلس مكانه ثم.. - هيا.. أخبرني.. - بماذا أخبرك؟! - لماذا أحضرتني إلى هنا؟! وصمت.. لم يدرِ ماذا عليه أن يقول.. هل يخون صداقته مع نبيل وينتقم لشرفه المهدور وكرامته المسلوبة ويحقق مبتغى نداء.. أم يرفض أنانيتها ويتصرف كما يشاء فلا يطعن صديقه في الظهر؟! وألقى بنظرة مترددة نحو ميرا... كيف سيعيش دونها؟! وأين الحياة مع سواها؟!.. أنى له هذه النظرات وهذه البسمات وأحرف شفافة تتراقص على ضفاف هكذا فاه؟!.. وتذكر نداء... "أم أنك لست رجلًا يا جواد؟!" وأثارت هذه الكلمات حنقه وغضبه.. إنه رجل رغمًا عن نداء وعن نبيل.. وعن الجميع.. إنه رجل ميرا حبيبة القلب المحطم الحزين... - ممم... صراحةً لست أعرف من أين علي أن أبدأ.. - ابدأ من حيث يرتاح قلبك ولسانك.. وتنحنح جواد واستقام بجلسته ثم... - ميرا.. ما سأخبرك به لا ينم عن الشفقة أو الرفق بتاتًا بل ينم عن الحب والعشق الشديدين... - .... - ميرا.. نبيل سيخطب أختي نداء!! - مـــــــــــاااذا؟! صرخت به ميرا وألم عجيب يعصر قلبها.. وتوالت أما عينيها ألوان سوداء وحمراء وبيضاء وشعرت بالدم يتدفق نحو رأسها وذكريات عجيبة تتناوب على ذاكرتها وانتهى بها الألم على ضفاف الشعور وما عادت تحس بشيء البتة.. - آسف,,, آسف جدًا لكنني أحبك.. ولست أطيق أن أراك تتعذبين لأجل ذلك الخسيس!! أبدًا لم تحس بشيء البتة سوى بالعبرات كجيوش مفترسة تفترس وجنتاها.. ودموع ودموع ودموع... - انتقمي منه يا ميرا وهاتي يدي بين يديك.. ومن خلف الدموع رأت يده تمتد لها... ومشاعر متخالطة.. الانتقام؛ لطالما أرادت أن تنتقم من نبيل,,, وجواد يعزز فكرتها ويغذيها.. ولكن أن قبل نبيل أن يعذبها فهي لن ترضى أن تذيقه ذرة عذاب... - كلاااا.. صرخت بوجه جواد.. بينما حاول هو أن يحتويها بين ذراعيه.. - دعني وشأني.. أنا أكرهك، أكرهك وأكره أختك البليدة نداء!! - سامحيني واعذريني.. ولكن الحب.. - إياك حتى وأن تفكر بأن تحبني فوالله لأقتل نفسي وأبيد روحي بيدي.. وشعرت بنفسها تكاد تقع,,, يكاد يغالبها الألم والدنيا تدور حولها وأوجه عديدة تقابلها.. أوجه تعرفها أو لا تعرفها وأناس يروحون ويجيئون.. وجواد المذعور.. ونبيل.. ونداء وسعاد ويوسف وأمها وأبيها ورزين و.. كثيرون كثيرون وألوان صفراء وخضراء ونجوم وكواكب وأفلاك.. كلها تمر أمام ناظريها بينما هذا الكون يدور.. وصوت وقوع.. وصمت كئيب وظلام دامس طويل.. - ميـــــــــراااا وكالطير المذبوح تقع.. كلا.. لن يغالبها الألم.. فغالبها العذاب!!!
* * *
طرق خفيف على الباب مزّق في سكون هذه الدار كلمات.. وانتبهت للطرق الخفيف الذي سوف يبعدها من أمام هذه الصورة.. إنها تحدق بها منذ ساعات.. صورة زوجها صالح.. تحاول أن تكشف ما الذي تخفيه قسوة هذه العينان.. وعاد الطرق ليزداد وقُمعت بسرعة من أمام الصورة وذهبت راكضة إلى الباب وفتحته.. - مرحبًا يا خالة.. - أهلًا وسهلًا.. تفضل.. وخلف هذا الشاب الغريب ظهر أيمن.. - فارس أعرفك لأرملة عمك صالح وزوجتي الحالية.. وابتسم لها فارس... كم هو رائع,, وشعرت بالدمعات تخونها فتسقط من عينيها بسرعة فائقة.. - أهلا وسهلا صغيري فارس تفضل.. نورت بيتك.. وابتسم فارس ثم خطا أول خطوة إلى داخل البيت وجعل يتأمله.. وتوقفت عيناه عند تلك الصورة الموشحة بالسواد وحدق فيها طويلًا حتى لاحظ أبوه تحديقه.. - هذا عمك صالح.. ودفعه من الخلف كي يستحثه على المسير.. - سنعطيك غرفة سعاد.. كان يسكنها رزين ولكنه رحل.. وعندما تأتي ميرا سنعرفك عليها بإذن الله.. ثم أضافت زوجه: - ميرا وسعاد هن بناتي.. بنات عمك صالح, سعاد الآن موجودة في لبنان لتتابع علاجها هناك أما ميرا فستكون هنا خلال دقائق وأظنك التقيتها قبل الآن.. فابتسم فارس .. - أجل هذا صحيح! - حينًا يا بني.. إذن تفضل وارتاح سوف تحضر لك زوج عمك الطعام.. - شكرًا جزيلًا.. ودخل فارس غرفته بينما اتجه أيمن لزوجه والفرحة تكاد تسلبه من أحضان فارس.. - سوف أخبرهم جميعًا كل شيء.. قريبًا بإذن الله.. - وسعاد؟! - لا تخافي لقد طلبت من يوسف أن يحضرها وسيكونان هنا قريبًا بإذن الله.. - الحمد الله لقد اشتقتها جدًا.. وفارس.. كيف تقبل الأمر؟! - لست أعلم.. ولكنني لم أخبره بكل التفاصيل.. غدًا سأخبرهم جميعًا.. (وأخيرًا سينزاح هذا الهم عن صدري!!!)
| |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 6:09 pm | |
| الفصل التاسع عشر"ونبقى أصدقاء"
وفتحت أسوار عينيها بروية.. فقد كانت تشعر بوهن شديد في جسدها ونظرت حولها ومرّة أخرى تتالت عليها الوجوه.. سعاد ويوسف ونبيل وأمها وأبيها وجواد وذلك الشاب الغريب.. انه فارس و.. واعتقدت أنها تهذي وأغمضت أسوار عينيها بتعب فشعرت بالماء يُرش على أهدابها ويد ناعمة تمسح على رأسها.. - ميرا صغيرتي.. استيقظي!! أمها؟! من أين أتت أمها؟؟.. وسمعت أصوات بعيدة متصدعة.. - شكرًا يا بني.. - هل ستكون بخير؟! - أجل بإذن الله... كأنه صوت نبيل وأبوها.. كلا.. لا يُعقل هذا..وعاودها ذلك الألم في صدرها ثم عادت وفتحت جفناها.. - ميرا...؟ - نعم يا ماما؟! - اجلسي يا صغيرتي.. وانتبهت أنها كانت مُستلقية على ظهرها وفي بيتها!! فاستجمعت قواها وجلست وأرخت جسدها ثم ألقت رأسها بين يديها وأجهشت بالبكاء... - ميرا صغيرتي ما بك؟! - لا شيء.. أريد أن أرتاح.. وأمسكها فارس بيد وأبوها بالأخرى وساعدوها للوصول إلى غرفتها ثم وضعوها على سريرها وأقفلوا الباب وخرجوا.. كانت تشعر بدوار طفيف في رأسها.. ولكنها لم تأبه له.. جل ما كان يهمها هو نبيل,,, هل حقًا خطب نداء؟!.. هل صحيح ما قاله لها جواد؟!.. ثم كيف وصل إلى هنا؟! ألم تكن بالمطعم؟! وماذا يفعل فارس سليمان في بيتها؟ّ!! ( كفى,, لا تتدفقي في رأسي بعد أيتها الأفكار.. اطردي نبيل واطردي جواد واطردي الخسيسة نداء!!) ولم تستطع أن تُبقي على ألمها فأغمضت جفناها علّ النوم يُبعدها عن هذه المعاناة.. ولكنها لم تعي بأنها ستلاقيها في الأحلام!!
* * *
ليست تعي شيئًا من الذي يحدث ها هنا.. في بادئ الأمر اتصل أبوها أيمن ودعاها هي ويوسف إلى العودة بأسرع وقت ممكن مشيرًا إلى أن هناك أمر مهم عليهم أن يعرفوه.. ولكن ألا ينتظر ذلك الأمر حتى تنتهي من العلاج؟! ثم هناك أمر أثار في قلبها الحيرة حتى شعرت بأنها اختفت عن هذا البيت منذ دهور.. من هذا الذي أوصل ميرا إلى الدار؟!.. ثم.. تظنه قال بأنه يدعى نبيل.. نبيل,, نبيل!!! .. إنها تعرف هذا الاسم وتظن أنها باتت تعرف شكل هذا الاسم وتضاريسه، ولكنها ليست تعرف ما علاقته بميرا... ولماذا أتى بها وهي مغمىً عليها؟! ومن ذلك الذي يدعى جواد؟!.. من أين تعرف ميرا كل هذه الشخصيات ثم من هذا الغريب الذي يسكن غرفتها الآن؟.. أمها سبقت وأخبرتها أن رزين هو الذي كان يقطن بغرفتها ولكن.. هذا ليس رزين!!... إنها تذكر رزين... ثم لماذا عليها هي أن تنام هنا مع ميرا بينما ينام يوسف في غرفة الجلوس بينما يقطن ذلك الغريب غرفتها... وشعرت بحاجة ملحة للخروج من هذه الغرفة المعتمة.. فالجو هنا يخنقها... وميرا تخاف أن تنقض عليها وتوقظها لتجد كل الإجابات لأسئلتها المترددة في عتمة الليل المهيب... وسحبت عكازيها عن الأرض وبصعوبة فائقة وقفت.. أجل أنها تقف الآن وقد تحسن مسيرها كذلك فباتت تمشي بمساعدة العكازين تمشي لأميال وليس لخطوات...ومشت خارجة من غرفة ميرا على مهل .. وهالها ما رأت كان أبوها يجلس جنب ذلك الغريب وقد لفّ ذراعه حوله.. - مرحبًا بابا.. - أهلًا صغيرتي سعاد ..أودّ أن أعرفك بفارس، فارس هذه سعاد ، سعاد هذا فارس.. ومدت يدها وصافحته.. - أهلا فارس.. - هلا سُعاد.. - أبي هل رأيت يوسف؟! - أجل لقد خرج قبل قليل, قال بأنه يحتاج لاستنشاق الهواء الطلق.. - ماذا؟! لماذا لم يخبرني؟! - اعتقد أنك نائمة.. - آه حسنًا.. - صغيرتي أنت تسيرين!! قال أبوها وبسمة كبيرة تحتل وجهه فابتسمت له سعاد بمرح.. - أجل.. ليت أبي صالح هنا ليراني!! فأنكس رأسه بهدوء وقال.. - نأسف لأننا لم نعرك الانتباه في البداية, لقد فاجئنا ذلك الشاب بإحضار ميرا إلى هنا وهي في حالة إغماء.. - من؟!.. نبيل؟! - هل تعرفيه؟! - كلا.. لكنني سأعرفه لا محالة.. فلا بأس.. تمامًا كأيام الطفولة.. دائمًا ميرا تحصل على الأولوية.. هي التي كانت تذهب للحفلات وهي التي كانت تحصل على اهتمام والديها... حتى اهتمام أبوهما أيمن حصلت عليه أولًا.. وسارت سعاد ببطء بمساعدة عكازيها داخلة للمطبخ كي تساعد أمها بتحضير الطعام..
* * *
- أنا أكرهك.. حقًا أكرهك.. - أنا آسف... آسف جدًا.. - أو تعلم؟!,, لقد تبعتك للمطعم كي أقدم لك اعتذاري فتفاجئني بكونك مع ميرا؟! - هي لا شأن لها.. ليست تعرف شيئًا.. - لماذا يا جواد؟!,, لقد وثقت بك!! وأنكس جواد رأسه بحزن وأسى.. - أن خطبت أختك نداء؟؟ منذ متى؟! وكيف تقوى على إخبار ميرا بهذه الحقيقة الزائفة؟! انظر ما فعلت بها.. الله أعلم ما سيحدث لملاكي..آه وألف آه.. - ليس الذنب ذنبي.. نداء هي التي أقنعتني بهذا!! فرمق نبيل نداء بنظرة احتقار وغضب.. - أنا؟ كلا!!.. جوااااد...مممم... حقًا يا نبيل عليك أن تخطبني!! - كلا.. أموت ولا أتقدم لخطبتك..هل أنت مجنونة؟! أنا لميرا وميرا لي ولن يفرق بيننا أحد!! ولم تعرف ماذا عليها أن تقول فلجأت للصمت بينما لجأ قلبها للخفقان العنيف.. - نبيل.. سامحني... - أتمنى لو أستطيع ذلك يا جواد.. لو أنك قتلتني وعذبتني كان أسهل علي من أن تمس شعرة واحدة من شعرات صغيرتي ميرا.. لقد أغمي عليها يا جواد أغمي على قلبي!! وطأطأ جواد رأسه بألم, آه لو يستطيع أن يبرر موقفه,,, آه لو يستطيع أن يعود بالزمن للوراء ليغير مجرى كل هذا.. ولكنه لن يستطيع.. - منذ متى تحبها؟! ورفع رأسه بتعجب ثم.. - منذ رأيتها بالحفل.. - ماذا؟! منذ ذلك الوقت؟ّ! حقًا؟! - أجل,,, عندما أشرت لي عليها شعرت بها تخترق فرائصي وتحتل عرش قلبي.. - جــــــــواد.. لماذا لم تخبرني للآن؟ - خفت أن أدمر صداقتنا.. وها أنا أدمرها .. ما كان علي أن أخبرك يا نبيل!! ثم وضع رأسه بين يديه.. - بلى.. لقد أحسنت صنيعًا ..أنا لن أنسى صداقتنا يا جواد... لقد كنت نعم الصديق.. فرمقه جواد بدهشة بينما أكمل هو حديثه.. - ولا زلت أحبك ولن أنساك..وأسامحك لأنك صديقي ألصدوق... - حقًا؟!... حقًا تسامحني مع كل ما فعلت لك؟! وأبتسم نبيل ابتسامته الساحرة ثم قال: - طبعًا أسامحك ... أنت فقط أما أنتِ يا نداء فلن أسامحك ما حييت... - لست أحتاج لك يا معشوق البنات... قالتها نداء باستهزاء بينما انفجرت شفتا جواد عن ابتسامة عظيمة... - هذا هو نبيل الذي أعرفه... كم قلبك طيب وعظيم.. شكرًا لك يا رجل وقام وضمه وضغط به إلى جسده بكل ما أوتي بقوة ثم ضحكا سوية بينما وصلت ضحكاتهم إلى نداء كالنار المشتعلة حرقت في كبريائها الأمل...
* * *
كان الهواء بالخارج بارد وغير كئيب.. وأراحه هذا الجو البرتقالي المائل إلى الصفرة.. لحظات الغروب أروع ما يكون...وأخيرًا تنفس الصعداء .. آهٍ لو أيقظ سعاد وأحضرها معه لكانت ستفرح جدًا بمسيرها بين هذه الطبيعة وعلى هذه الشوارع... حبيبته سعاد إنه يشعر بها تختل كل ذرة من جسده وتسكن فيها.. فإذا مرّت لحظة عليه دونها يشعر بنفسه كالميت... أطياف وتراب... وغبارٌ نُثر فوق سكون الثرى,,, سعاد حياته وعمره وقلبه وروحه وكله وصدى السعادة في أجواف أجوافه ومنبع الحب في أعماق أعماقه ... لكن... ليته يستطيع أن يصارحها بكل ما يختلج في صدره من خوف وانقباض... ليته يستطيع أن يحميها ويطير بعيدًا عن كل هذه الرهبة التي تنهش أحاسيسه... ليس يستطيع أن يفسر هذه التراتيل الحزينة التي تُنشد في رأسه... يشعر بأنه سيفقد سعاد وإحساسه يومًا لم يخطئ.. يشعر بها تضيع منه .... وأعياه التفكير والشعور ... ليته لا يشعر فيهنأ فقط,,, ليته يُجرد من لحظات هذا الشعور القاسي – ومشى بضع خطوات حيث كانت لفحات الهواء الباردة تداعب وجهه وشعره، وشهق بعمق مُدخلًا مع نَفَسَه كل آلامه ومشاعره الفياضة... وانسدل عليه الليل وهو بغفلة عن الطريق حيث كانت أفكاره ومشاعره تسيطر عليه وألمه وعذابه يقنطان عليه... ولاحظ ظلمة الليل من حوله فاستدار عائدًا أدراجه.. ومئات من الأفكار حاولت التسلل إلى عقله المُعي ولكنه عنه طردها.. فمجرد فكرة أنه قد يخسر سعاد تؤلمه جل الألم.. وطرق باب البيت الصامد في وجه المصائب لتفتح له سعاد.. - يوسف حبيبي... أين كنت؟! لقد قلقت عليك.. ونظر إليها نظرة حزينة مليئة بالحنين ثم أشاح وجهه عنها ودخل بينما بقيت هي تنظر إلى الفراغ الذي خلفه هو وظله.. محدقة في ما كان يوسف... | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 6:13 pm | |
| الفصل العشرون "ماذا تحت هذا السر الدفين؟!"
رنين الهاتف يُحرق في صمت الليل سكون... وها هي تستيقظ من نومها ومن أحلامها.. ورفعت الهاتف بهدوء وردت بصوت نعس: - ألو.. - مرحبًا ميرا.. وأيقظ هذا الصوت حواسها الخمس..نبيل؟! - أ..أهلًا.. - كيف أنت الآن؟! - أنا.. أنا بخير الحمد لله... - آه جيّد لقد أخفتني عليك! - ماذا؟!.. وما أدراك؟؟! - أنا الذي جئت بك إلى بيتك.. - حقًا؟! - أجل.. - شكرًا لك يا نبيل .. وصمت طفيف ثم... - ميرا.. - نعم؟! - جواد كذب عليك.. لقد خطط هو وأخته نداء لكل شيء كي يبعداني عنك..والله لم يقل كلمة صحيحة واحدة..ميرا أنا أحبك وآسف لكل ما حصل أستطيع تفسير كل شيء لك و.. - نبيـــل..صه ..لا تكمل.. - .... - هل تريد أن تعود لي؟! - نعم..احبك والله أعشقك وأحتاجك.. - مم..دعني أفكر بالأمر... - حسنًا..خذي وقتك وتذكري بأنك إن أردتني لك عليك أن تحبيني من أعماق قلبك وإن أحببتني بصدق يومًا لن أتخلى عنك .. وصمت قليلًا ثم... - لكنك سبق وفعلت.. - ميرا.. هذا ما أريد تفسيره..دعيني أفسر لك كل شيء.. - حسنًا إذن.. هل لك أن تلاقيني بعد غد في.. في مكان لقائنا الأول وإن أقنعتني بوجهة نظرك أعدك بأنني سأفكر بالموضوع وبجدية!! - حسنًا - إلى اللقاء.. - وأقفلت الخط باضطراب بينما استمع هو إلى صمت الهاتف ثم.. - إلى اللقاء يا حبيبتي!!
* * *
كان يجلس وحده حين دخلت عليه سعاد تسير بصعوبة على عكازيها.. سعاد من النظرة الأولى بدت له رائعة وفاتنة وحسناء.. وشعر نحوها بالطمأنينة,,, أتت وجلست جنبه بهدوء وكانت ببساطة تحدق بالفراغ بينما كان يحدق هو بها.. ورأى على وجهها رموز حزينة أقبعتها هناك خرائط الزمن.. كان يود لو يتقرب منها أكثر,,, ولو يتعرف عليها بعد..! فجل ما يعرفه هو أنها كانت تتلقى علاج في لبنان وبأن يوسف هذا الذي لا يتركها هو خطيبها...وبعد قليل وافاها يوسف وكان يحمل بيده بضع مكسرات ثم جلس مقابل سعاد وأومأ برأسه له كأنه يحييه، فرد فارس التحية دون أن ينبس ببنت شفة.. كان يشعر بأن هناك توتر بين الاثنين وأنها ستكون اللحظة المناسبة كي يغادر الآن.. وما كاد يهب واقفًا حتى دخل أبوه قائلًا: - اجلس يا فارس,, هناك أمر علي أن أحدثكم به جميعًا.. وبقي أبوه واقفًا بينما هو جلس,,, لم يكن يعي شيئًا من الذي يحدث في هذا المكان ولكنه أخيرًا يشعر بالسعادة لأنه أخيرًا يعيش مع أبيه.. ولكن ما هي السعادة؟!.. أليست أن نشعر بالراحة في أعماق روحنا ونرسم بسمة غير مبتذلة على وجوهنا؟!.. إذًا.. لما كل هذا الألم الذي يعتريه والقنوط الذي لا ينفك يحتل وجنتيه؟!.. ولاذ الجميع إلى الصمت المدقع الوحيد.. حتى دخلت ميرا بصحبة أمها وكان التعب بادٍ على وجهها.. ولم يعلم لماذا شعر بهدوء عظيم يجتاح كيانه عند دخولها ربما لأنه يجد بها أحد يعرفه.. أو.. لا يعلم.. والتقت عيناهما فابتسمت هي بهدوء وكأنها تخبره بأنها تتذكره وما كان منه سوى أن أعاد لها البسمة بمثيلتها.. وجلسوا جميعًا محاطين بجدران هذا البيت وبقسوة الأيام ينتظرون شفاه أبيهم أيمن لتنطق بالكلمات.. فتنحنح أيمن ثم قال: - لقد جمعتكم هنا الآن لأن هنالك أمر مهم عليكم جميعًا أن تعرفوه, أمر يهمنا جميعًا كآل سليمان... ونظروا جميعهم إليه واشرأبت أعناقهم وحملقوا به للحظة.. فأضاف: - ولكن قبل كل شيء أود أن أعرفكم إلى ابني.. فارس سليمان.. وأشار إلى ذلك الغريب الجالس أمامه بينما غاص الأخير في المقعد بخجل.. - ابنـــــــك؟!.. ماذا؟! لست أفهم!!..أين كان؟! لمـ... صاحت ميرا بغضب ممزق بينما قاطعها أبوها أيمن قائلًا: - ميرا.. هذا ما سأشرحه الآن.. تحلي بالصبر!! ثم رمق سعاد ليرى ردة فعلها وكانت لا تزال كما هي محدقة في الفراغ أما يوسف فقام وصافح فارس ثم عاد وجلس مكانه بينما جلست الأم بقرب ميرا.. ورغم أنه لم يجد في هذه الأجواء أي شيء يشجعه للاسترسال بالحديث أكمل حديثه قائلًا: - قبل عشرون عامًا.. عندما لم يكن أيًا منكم قد وُلد بعد.. وقعت في حب فتاة؛ كانت الفتاة تدعى أمل مراد، أمل كانت أجمل فتاة أراها ودخلت قلبي بسرعة.. لست أذكر التفاصيل بالتحديد ولكنني أذكر أنها أحبتني أيضًا فتعاهدنا على الزواج.. كان التاريخ 15 أغسطس 1986 حين توجهت إلى أخي صالح كي أطلب منه أن يزوجني بأمل.. كان الصيف رائعًا في هذه المنطقة وكنت أشعر بلفحة دافئة في صدري حثتني على دخول هذه الدار.. ومسح أيمن جبينه ثم حدق في سقف الدار كي يستشف منها صفحات التاريخ التي شهدتها.. ثم أضاف: - كان أخي صالح يجلس هنا هو وأمكما التي كان قد تزوجها حديثًا وكانت السعادة غامرتهما، فانتهزت الفرصة كي أفاتحه بالموضوع.. وعادت به الذاكرة إلى ذلك اليوم فتصور الأحداث كما يرويها.. تصور صالح وزوجه يجلسان هنا وتذكر حين دخل عليهما فابتسم له صالح ابتسامة شجعته ليقول له بأنه يريد لأن يتزوج إحدى الفتيات.. ويذكر كم سعد يوسف لأجله فوقف وعانقه بشدة وقال له: - أخيرًا ستصبح رجلًا بكل معنى الكلمة.. ومن هي سعيدة الحظ؟! - أمل.. أمل مراد.. ابنة فارس مراد.. وشرر أحمر تطاير من عينا صالح المخبئتين بين تضاريس وجهه القاسي العنيد، وكفه القوية تصفع أيمن على وجهه.. - أيها المجنون.. كيف تجرؤ؟! لم يع أيمن شيئًا من الذي يحدث فشكر أخوه ومضى وبين مُقلتيه عُلقت دمعة؛ لؤلؤة من ذهب.. وعلى وجنته طُبع كف من نار!!.. وخرج إلى البرية قاصدًا بيت أمل.. فهو سيخطبها لنفسه وليس بحاجة لأخيه الجبار.. ووصل إلى ذلك البيت الشبيه بالقصور وطرق الباب بتوجس وانتظر طويلًا حتى فتحت له الباب إحدى الخادمات وقادته إلى غرفة المعيشة، وكانت أمل تجلس هناك ترشف قهوتها على مهل ومل إن رأته حتى هبت واقفة وذهبت راكضة كي تستدعي أبوها فارس... كان أبوها قوي الجسم، صحيح البنية، أبيض الشعر يشبه أخوه صالح إلى حد بعيد في قسوته,,, في بادئ الأمر شعر أيمن بخوف بارد يعتري فرائصه وكاد يعدل عن فكرة الزواج لولا التقت عيناه بعينيها ترمقانه من خلف الباب,, كان جسدها كله مختبئًا عدى رأسها وشعرها وعيناها ووجهها البشوش الرائع الجمال.. وحثه الحب المشتعل في قلبه على أن يقول: - عمي.. أريد أن.. أطلب يد .. يد ابنتك أمل.. ونظر إليه فارس مراد وعقد حاجبيه الكثيفين ثم قال: - ومن تكون؟! وانكمش أيمن ثم قال: - أدعى أيمن سليمان و.. ولم يكد يتمم جملته حتى اشتعل الغضب في عينا فارس مراد ورماه خارجًا مُلقيًا إياه مصحوبًا بكل أنواع الشتائم والتذميم.. وأضحى أيمن يعيش خارج بيته وخارج بيت محبوبته.. ولكن كل هذا الألم لم يمنعه من أن يقابل حبيبته أمل بالعراء والخفاء ولا على أن يُطربها بعبارات الغزل والحب والهيام... وفي ليلة ليس فيها قمر قرر الاثنان أن يهربا من هذه القرية الملعونة؛ أن يهربا من صالح سليمان ومن فارس مراد.. فلا شيء سيقف في وجه حبهما.. ونفذا مخططهما وسافرا بعيدًا وتزوجا وعاشا أيامًا من عسل وهناك ولكنهما لم يدريا بأنهما أثارا ضجة عظيمة في القرية الوادعة التي خلفاها بعدهما فقد اشتد الخلاف بين آل سليمان وآل مراد وثار الخلاف القديم فتُهم صالح سليمان بأنه تواطأ مع أخيه كي يخطفا ابنة آل مراد وذلك انتقامًا لما حصل منذ أزمان... وخرجت الوفود من آل سليمان وآل مراد للبحث عن هذان العاشقان... ومرّت الأيام على العائلتين كالحرب؛ طويلة وقاتلة.. وبعد مجهود عظيم وجدوهما فأبعدوهما عن بعضهما وطلقوهما.. وسيق أيمن مع صالح أخوه إلى بيته بينما سيقت أمل مع أهلها إلى حيث لا يعلم.. وفي بيت صالح الشامخ وبخه وضربه وأرسله إلى بلدة قريبة مانعًا إياه من أن يرى أمل أو أن يرى أحد.. وكل هذا حصل بالخفاء,,, حتى زوجة صالح لم تعرف شيئًا مما يحدث...
* * *
- إذًا ستخبرها؟! - أجل.. أعتقد ذلك فلا شأن لنا بكل تلك المشاكل.. - معك حق,,, هذا ما قلته منذ البداية يا نبيل.. ورمق نبيل جواد نظرة حيرى... هل عليه أن يخبره كل شيء الآن؟! أم أن هذا سيؤلمه؟! وهل سيثق به بعد اليوم؟!.. لم يعج يعرف شيئًا ، إنه يحب جواد، جواد صديقه الصدوق، و.. ولكنه يحب ميرا وليس يحتمل أن يعيش مع شخص آخر يشعر نحوها بالحب,, إنه يغير عليها من نسمات الهواء.. فكيف لا يغير عليها من جواد؟! وآلمه هذا الواقع.. أن يعيش بين مصدرين,,,مصدر للنور والصداقة والطهارة، ومصدر للعشق والجوى والهيام... - أتمنى لك التوفيق.. حقًا من كل قلبي يا نبيل.. ونظر إليه نبيل بألم,,, لماذا عليه أن يتعذب ويتألم من أجله؟! ولماذا عليه أن لا يحصل على حبيبة قلبه وعشقه من أجله أيضًا؟! ,,, هل تقتضي الصداقة كل هذه التضحيات؟ وكل ها العذاب؟! وهل تحتمل الصداقة هكذا اعتراف؟!00 غدًا عندما تصبح ميرا زوجته وأم أولاده ألن يبقى اعتراف جواد وصمة سواد في بياض علاقتهما؟! أم أنه لن يظل صديقه حتى ذلك الحين؟! هل الصداقة أبدية؟! أم هي فقط مؤقتة؟!,,, ولكنه طوال حياته لم يعرف له صديقًا سوى جواد.. كان هو صديقه الطفولي والمراهقي والرجالي,, كان مطمن أسراره وسر أعماله وسامع مشاكله وناصح مشكلاته.. فهل سيأتي ذلك اليوم الذي فيه يتخلى عن هكذا صداقة؟! الذي فيه يتخلى عن جواد توأم الروح؟! ونظر إلى جواد نظرة شاردة منحسرة.. (هل ستتخلى عني يا جواد؟!...) | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 6:19 pm | |
| الفصل الحادي والعشرون" أكمل يا أبي.."
- .... ومرت الأيام والسنون وأنا بعيد كل البعد عن حبيبتي أمل, أمل التي كانت تحمل بين أحشائها طفلي وابني وفلذة كبدي الذي لم أعرف بوجوده حتى حديثًا,,, فارس كان ثمرة حبنا والمسكين عاش بحياته دون أب لأن جده فارس نآه هو وأمه عن بلدنا العزيز.. وصمت أيمن بينما كان العرق يتصبب منه ونظر إليهم وإلى وجوههم متفحصًا ما ستكون ردة فعلهم.. - هذا صحيح,, هذا ما أخبرتني به أمي.. قال فارس بعد صمت طويل.. - و.. وما الخلاف القديم الذي كان بين عائلتي مراد وسليمان؟! سألت ميرا وعيناها محدقتان بأبيها أيمن الذي تجاهل بدوره سؤالها بكل بساطة وقال: - وهذا سر الرسالة يا ميرا.. فقد توفيت حبيبتي أمل منذ فترة وقبيل موتها أخبرت فارس كل القصة وأعطته عنوان بيت أخي صالح أي بيتنا هذا وطلبت منه تسليمي هذه الرسالة.. وأخرجها من بين ثنايا ثوبه وكم بدت قديمة.. ومهترئة.. - هلا قرأتها لنا يا فارس؟! وناوله إياها بيده المرتجفة بينما بدأ فارس بقراءتها.. - " عزيزي أيمن.. تحية عطرة وبعد؛ لست أعرف كم مر علي من الوقت ولم أرك,,, اشتقتك جدًا ولكن لا تقلق قد نلتقي في الآخرة.. عزيزي أيمن لقد علمت بأنك تزوجت من أرملة أخيك صالح فهنيئًا لك، ورحمة الله على أخيك.. عزيزي أيمن هناك أمر لم تعرفه,, فيوم أُبعدنا عن بعضنا كنت أحمل بين أحشائي ابنك,, أجل ابنك.. وعندما وُلد أسميته فارس على اسم أبي علّه يغفر لي ويعيدني إليك ولكن قلب أبي كان حجر ولم يرضى حتى بأن يرعاني وابني, متخذًا كوني لطخت اسمه بعد أن أطلقته على فرد من آل سليمان.. وهكذا فقد ربيت فارس على يدي هاتين ولا تخف فقد أخبرته القصة كاملة موفرة عليك مشقة إخبارك، وهو يعلم كل العلم لماذا لم تكن يومًا جنبه ولماذا لم يرك يومًا.. وهو واثق أشد الثقة من صراحتي معه.. عزيزي أيمن لعلك تتساءل لماذا أخفيت هذه الحقيقة عنك كل هذه السنون وفجأة أظهرها الآن,,, ويؤسفني أن أخبرك ببساطة السبب.. فقد أصبت بمرض عضال استأصل مني عمري الباقي.. فأنا أكتب لك هذه الرسالة وفراش الموت يحضنني,, أيمن فلتعلم لقد أحببتك من كل قلبي ولن أتوقف عن حبك حتما بعد مماتي.. فارس ابننا يبلغ الآن من العمر عشرون ربيعًا ووصيتي الأخيرة لك أن تأخذه في كنفك وأن تُشرف عليه بكل جوارحك الأبوية وأنا متأكدة بأنه سيسعد معك.. المخلصة لك طول الأمد: أمل مراد- سليمان" وأكمل فارس قراءة الرسالة وغصة جافة علقت في حلقه بينما علقت في عيون الجميع العبرات ما عدا ميرا.. كانت تحدق بابن عمها الجديد بشدة بينما كانت مئات من الأفكار تحتدم في رأسها.. - وما الخلاف القديم الذي كان بين عائلتي مراد وسليمان؟! كررت السؤال بصوت مخنوق وهي شاردة فالتفت إليها أبوها أيمن بحزن ثم قال: - ميرا.. عزيزتي.. سأخبركم كل شيء ولكن عليكم قبل أن تعدوني بأن أيام الثأر ولّت.. ونظرت إليه ميرا بتعجب... - ثأر؟! أي ثأر؟! ماذا تتحدث؟! ولاحظ أيمن تصرفات ميرا الهستيرية وانفعالها الشديد فابتلع مرارة الأيام في فيهِ ثم أضاف: - هذه القصة بدأت قبل زمن طويل.. على زمن أجدادنا وأجداد آل مراد.. كانوا جميعًا يعيشون في هذه البلدة الوادعة الصامتة ولم تكن تشوبهم شائبة، كانوا كالأخوة والأصدقاء، وفي مرة من المرات أحب شاب من آل مراد فتاة من آل سليمان وتقدم لخطبتها,, كانت الفتاة آية من الجمال وكان قد تقدم لخطبتها ابن عمها من قبل ورفضته لأنها كانت تحب هذا الشاب,,, وتمت خطبتها للشاب وكانوا من أسعد اثنين على وجه الخليقة,, وبما أن آل سليمان كانوا من إحدى العائلات المتشددة والمحافظة فلم يسمحوا لابنتهم بمقابلة خطيبها بتاتًا قبل الزواج، الأمر الذي جعل الاثنين يلتقيان في الخفاء في إحدى أحراش البلدة... وفي مرة من المرات عندما كان الاثنان يجلسان في أحد الأحراش حيث كان يكثر الصيد فيه فوجئت الفتاة برصاصة تخترق رأس خطيبها ليقع ميتًا أمامها, عادت الفتاة صارخة إلى بيتها حيث أكتشف بأن هذه الرصاصة أطلقها ابن عمها الذي ادعى بأنه كان يصيد في البرية واعتقد بأن خطيبها -الذي لم يتعرف إليه لكثافة الأحراش- كان عبارة عن غنيمة صيد لا أكثر... ومن هنا بدأت المشاكل بين هاتين العائلتين إذ اتهم آل نراد عائلتنا العريقة بقتل ابنهم مع سبق الترصد والإصرار.. ومن يومها بدأت سلاسل الثأر تحتل الصدر بين هاتين العائلتين وقد قيل بأن آل سليمان ذبحوا ابنتهم العاهرة ورموها في الأحراش وبأن روحها صعدت إلى السماء لتلتقي بحبيبها هناك، ومن هناك ألقيا سوية لعنة على العائلتان بأنه كلما أحب أحد شبان العائلتين فتاة من العائلة الأخرى فسوف يقع بالمقابل قتيلًا من إحدى العائلتين.. وصمت طويل خيم على الدار,, فهذه القصة تشيه القصص الخيالية التي لطالما قرءوا عنها في القصص والروايات، ولم يتوقع أي منهم أن تحصل معه بالذات ومع عائلته.. وكعادتها مزقت الصمت لتقول: - ومن القتيل الذي وقع نتيجة حبك لأمل؟! وحملق لأيمن سليمان بميرا,,, فقد توقع كل شيء إلا هكذا سؤال ورأى أنه لو يلوذ إلى الصمت سيرتاح، فأنكس رأسه بهدوء وصَمَت.. وترغرغت العبرات في عيني ميرا البريئتين وهاجت عواطفها فقفزت من مكانها وأمسكت بذراع أبيها أيمن وأحكمت عليها بكل قوتها ثم صرخت في وجهه: - من؟!,,, من؟! وسمعت نحيب أمها الصامت وإجهاش سعاد بالبكاء ولم تهتم.. - من؟! قل لي من؟! ودمعة خائنة سقطت من مقلتي أيمن,, دمعة رجل!! ثم قال بصوت مخنوق: - صالح... أخي وأبوكما!! وتجمدت ميرا مكانها.. جمدتها الصدمة.. وشعرت بنار حارقة تجتاح كيانها,, نيران الثأر والحقد والكره ونبيل بات يتدفق إلى رأسها بجرعات متحايلة لا تزيد في نيرانها سوى حطبًا...
* * *
كل هذه الأفكار تركض مسرعة في رأسها كما تركض هي في هذه الطريق القفراء... الآن باتت تعرف ما عيب نبيل مراد ولماذا تردد جواد بإخبارها,,, الآن باتت تعرف لماذا تركها نبيل هكذا بدون مقدمات.. الآن بات كل شيء واضحًا لها كعين الشمس ولكن يا ليتها ما عرفت!! الآن هي توقن لماذا لم تذرف على قبر أبيها دمعة, لأنه كان ضحية لعنة.. كان قلبها يؤلمها بشدة وفراغ عظيم كان يحتل ممالك صدرها وهوة عميقة تأخذ لها عرشًا في حضن روحها.. هذا الألم والعذاب يحطمونها, يشردونها, يقتلونها... وهذه الدمعات تُغرقها في محض الذكريات,,, هذه العبرات تشققها في كؤوس المعاناة... وتشعر بنفسها وعرة وقفراء أكثر من وعورة هذه الطريق وأكثر من اقفرار هذه الأرض.. وبعد جريها الطويل, لاح لها عن بعيد ذلك القبر القابع في ثرى السكون.. في ثرى الهمسات,,, قبر أبيها صالح.. وحطمها.. وآلمها.. لم تزره منذ مدة طويلة، لم تلمسه.. وركضت نحوه وانكبت عليه ولمست حجره الخام وقبلته واستلقت على ترابه وحضنته، علها تحضن حضنه بين أحضان التراب.. ثم صرخت: - عفوك يا أبي يا حبيبي.. إن استعجلت الرحيل واستقربت ساعتي,,, عفوك إن طعنت اللحوم وغرزت الحق بثأري ,, عفوك إن بيتي حميت وعرضي صنت ولدمي الثائر ثرت ... عفوك يا أبي يا حبيبي إن قتلت أزهار الربيع على شرفات دمعاتي وإن اغتلت أيام الرحيق في ثنايا آهاتي، عفوك إن انتقمت لعفوك الجبار ولأمرك العظيم ، عفوك إن لمست قبرك وعلى يداي دماء تحرر روحي من قبضات الهمجيين، إن قبلت قبرك وعلى شفتاي مائة سيف من حديد، مائة صرخة تستغيث.. عفوك إن اقتربت من قبرك بقدمين ملا من الفرار وتعبا من الترصد والتعقب في ليل الوطن الحزين،، عفوك يا والدي ويا حبيبي إن أعطيت نفسي الحق بالثوران، والحق بالقتل والتدمير لطرد شر من أرض الأوطان، لطرد من قنص القمر فوق نسم البحر العليل، وعفوك يا أبي، يا حبيبي إن صوبت غضبي نحو الأعداء وصببت جرح شرفي في أجسادهم رصاص وطعنات ،وإن مات جسدي على قبرك الطاهر العفيف, على يباس أوراق الخريف,, وعفوك يا أبي، يا حبيبي إن غسلت رفات جسدك بدمي بعد أن دنسه آل مراد الظالمين... وانتهت كلماتها الجارحة القاتلة فأصابتها حالة هستيرية من البكاء والنحيب وأخذ معها فترة طويلة من الزمن حتى هدأت من روعها وباتت تلثم ثرى القبر بهدوء وتغسل لثماتها بالدمعات.. ثم غالبها الإعياء واستسلمت للنوم... فمنذ مدة طويلة لم تنم على صدر أبيها صالح... وفي حضنه الأمان!! | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 6:22 pm | |
| الفصل الثاني والعشرون " سآخذ ثأري بيدي!!"
ونظرت في عينيه.. كم تشبها عينا فارس,,, طبعًا فهو قريبه!.. وشعرت بألم يهز كيانها.. وتعتقد بأنها باتت تكرهه الآن فهو وسيلتها الوحيدة للانتقام وعليها أن تكرهه وتبغضه من الصميم.. وابتسم لها.. ابتسامته القاتلة التي تكاد تُثير جنونها.. وكيف تكره هكذا ابتسامة؟! فرغم كل شيء؛ رغم الألم والألم والعذاب والندم ورغم حطام قلبها وحدود صبرها فما زالت تحبه.. منذ عشرون قرن تحبه.. منذ ولدت في الكون تحبه,,, فكيف ستكرهه للحظة بعد أن عشقته لقرون؟ وعلى أي أساس ستمقته لثانية بعد أن عشقته لأيام وساعات وسنون؟! - ميرا.. بودي أن أشرح لك كل شيء ولكنني لست أعرف من أين علي أن أبدأ,,, أرجوك أمهليني بعض الوقت وسامحيني.. سامحيــني!! - صه.. لقد غفرت لك منذ ألقيت علي التحية عندما اتصلت.. وانفرجت أساريره.. - حقًا؟!, حقًا يا صغيرتي؟! - أجل... وبدأت تتحرك في رأسها الأفكار وتحترق وتتقلب في مراجل الانتقام.. كيف ستنتقم وتثأر؟! هل تستدرجه حتى يأخذها إلى بيته ثم تطعنه في الظهر؟! أو تلقيه عن الجرف؟! أو ربما تدفعه في الطريق أمام إحدى السيارات كي تدهسه؟!.. ولاحظ لمعان عينيها وهي تفكر.. - ميرا.. ما بك؟!,,, علي أن أخبرك أليس كذلك؟! - كلا!!.. لا يهمني أن أعرف.. وشرعت بتنفيذ مخططها القاتل فحضنت يداه بيديها وأضافت: - كل ما يهمني هو أن أكون معك يا حبيبي.. ونظر إليها مدهوشًا ويداه بين يديها وشَعَر بالكهرباء تسري بجسده.. يدها.. إنها تحرقه,, وشعر بدفء عظيم يحتل سقوعة جسده ورغبة جامحة تدفعه إلى التفكير بضمها إلى صدره الرحب ولا يتركها بعد الآن.. وبينما هو غارق في نشوة اللذة رأى عبرة تنساب من عينيها ثم تركت يداه بسرعة وأشاحت بوجهها عنه.. - اعذرني علي أن أذهب الآن.. - ماذا؟!,, كلا أرجوك ابقي قليلًا بعد!! ونظرت إليه بألم وعبرة أخرى انسابت من منابع عينيها ثم ردت عليه بصوت محطم باكٍ حزين.. - لا أستطيع,,, لا أستطيع!! وابتعدت عنه راكضةً، فسمع نشيج بكائها يحطم في رجولته الألم.. وعندما ابتعدت عنه لوح لها وقال... - إلى اللقاء يا حبيبتي..
* * *
ودخلت الدار بسرعة وكأن هناك من يلاحقها ,, كأنها تهرب من عينا نبيل وبسمته ولمسة يده الحارقة الباردة!!.. وبدا الشحوب واضحًا جليًا على وجهها الهزيل وعيناها الدامعتان.. - ميرا.. أين كنت؟! ونظرت إليها بدون أن تعيرها أي انتباه ثم حدقت في فارس.. (عيناك,, عيناك,,, عيناك... كعينا حبيبي نبيل!!) وأجهشت ببكاءٍ مر وركضت إلى غرفتها، وما إن ولجتها حتى رأت سعاد بداخلها ترتب أغراضها وتحزمها.. ولم تهتم سعاد بدموع ميرا,, فهي تقبلت الأمر بسهولة أكثر منها.. - سنرحل الآن أنا ويوسف.. - ..... - إلى اللقاء يا عزيزتي، أبي مات منذ زمن فلا تبكيه الآن!! - أصمتي.. سأحييه.. سأحييه!! - ميرا ما بك؟! لماذا تصرخين؟! وأجهشت ميرا بالبكاء؛ لاذت للعبرات.. فهي الوحيدة التي لا تؤلمها ولا تحرقها ولا تعذبها .. ونظرت إليها سعاد بشدة وبخوف.. - كيف ستحييه؟! وأجهشت ميرا بالبكاء وغاصت فيه وانعقد لسانها فلم تستطع أن ترد على سعاد فاقتربت منها الأخيرة ومسكتها من ذراعيها ثم هزتها بعنف.. - انظري إلي,, انظري إلي!!.. إياكِ وأن تفكري بالثأر يا ميرا.. إياكِ!! - دعيني وشأني ,,, لا شأن لك.. وخلصت نفسها من بين أذرع سعاد الإخطابوطية وركضت مبتعدة عنها.. ثم استدارت إليها وقالت لها: - تبًا لك يا سعاد، لو كنت مقعدة الآن لما تجرأت بالنظر إلي.. عودي مقعدة لتريحيني منك يا سعاد النحس!! وركضت مبتعدة غير عارفة بأنها أثارت في جوف سعاد ألم عظيم وأثارت في عينيها الباهرتين حزن كئيب... وفي قلبها وخز جبّار.. (كم أنت لئيمة يا ميرا!!)
* * *
( من أنا؟! ,, وأين أنا؟! _ أين هي المشاعر لأشعرها؟! وأين الدمعات لأبكيها ؟! أين العذاب والحزن والألم؟!,,, أين ممالك حطمها حضن الزمن؟! أين الوقت من ساعاتي الضائعة؟! وأين السنين من أيامي الذائبة؟!... هل هذا هو أب؟! من هو أبي؟ من أنا؟!؟!؟!) مئات من الأفكار كانت تسرق أفكاره,, لأول مرّة يجلس وحيدًا في هذه الدار المشئومة منذ أتاها ,,, لأول مرة يحاول أن يحلل مشاعره ويقلبها ليعي ما هي ردة فعله على كل ما حصل.. ميرا.. تلك الملاك الباكي لا تزال تقبع في غرفتها وتبكي.. ما أغلى دمعاتها، وما أصعبها!! وأبوه وزوجة أبيه رافقا يوسف وسعاد إلى الحدود، فسعاد الهادئة المرحة ستعود إلى لبنان لتكمل علاجها.. وهو الآن وحده يجلس ها هنا.. لا يملك شيئًا سوى القليل من الأفكار ليملّح بها مشاعره أو ليحليها!! منذ أتى إلى هنا.. لا بل منذ توقيت أمه وهو يشعر بنفسه غريبًا عن هذه المواطن وهذه النزعات .. وهذا الفراغ لا ينفك يحيطه، وهذا الألم يستقصيه ويقنصه.. ليس يدري إذ عليه أن يثق بأحد بعد الآن.. بهذا الذي يدعي أنه أبوه؟!.. وأي أب؟ّ تركه لعشرون عامًا ليعود ويضمه إليه.. إنه يعرف بأن لا ذنب لأبيه في كل ما يحصل وهو موقن من هذا وذلك لأن أمه سبق وأخبرته الحقيقة الناصعة.. وأمه لا ولن تكذب عليه!!.. ولكنه ليس يستطيع أن يقاوم هذا الاشمئزاز المدقع في قرارة نفسه... ليته يذهب ويتركه لوحده كي يهنأ مع ما تبقى له من أبوة.. فقط.. يا ليت!! ( لماذا أنا؟! غير عن كل هذي البشر أقع وحدي فريسة الألم؟!,,, لماذا أنا؟!.. لماذا أكون ضحية الثأر فأعيش مع أم بلا أب ثم مع أب بل أم؟!.. لماذا لست كالبقية أهنأ بالاثنين معًا؟! ,,, أين البسمة من غابات أحزاني؟! وأين الضحكة من مروج دمعاتي؟, أين الزنبق وأين الفل؟ وأين ياسمين الدفء .. أم هو الآخر عني فل؟!.. أين حرارة الأموة وعذوبة الأبوة؟!,,, أين أنا من كل هذا؟! وما ذنبي بكل هذا؟! وميرا المسكينة... ما ذنبها لتتعذب فتعيش بل أب؟! أم أنها ربحت آخر؟! ربحت أبي أنا؟!.. ها يحق لي أصلًا أن أدعوه بأبي؟! كيف سأقولها وأنا لست شاعر بها؟! كيف سأعنيها وأنا يومًا من قبل لم ألفظها؟؟! كيف سيعتاد عليها لساني وعقلي وقلبي وشجوني؟! وحزني وأحلامي؟!... كيف ستترجمها أفكاري؟! وتهجئها أيامي؟!.. آه لو أبقى بين حضنه للأبد.. أعوض ما فات من عمري.. عشرون عامًا بالتحديد مرّت علي صلبة كالحديد.. يعتقدون بأني بتُ رجلًا الآن, رجلًا أذلته مصائب الزمان.. ولا يدرون بأن الرجال جميعهم أطفالُ.. وبأنني أشتاق الأبوة والحنان وأتوق لو أرتمي في صدره وأبكي خيباتي العشرون بعشرين دمعة، كل دمعة تسقط عن خيبة وكل خيبة تُمحى عن بكرة أبيها!!,,, يا ليتني أستطيع أن أشتكيه همي ومصاعب زمني ومرارة البعاد والنسيان.. يا ليتني أستطيع أن أخبره كم أشتاقه وكم رسمًا له رسمت بمخيلتي.. وكم لقاءً به حلمت بأحلامي.. يا ليتني أستطيع أن أخبره كيف كانت أمي تخبرني عنه كلما سألت عن "بابا" في صغري,, كيف أنها يومًا لم تتهرب ولم تهاب.. يا ليتني أستطيع أن أخبره كم كانت تحبه وتعشقه وله تلتاع بلوعة المدلهم العشقان.. رغم أن الأيام أبعدته عنها لعشرون عام.. يا ليت.. يـــا ليـــــــت...!!!)
| |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 6:26 pm | |
| الفصل الثالث والعشرون " نبيل.. غادِر قلبي!!"
عندما لمَسَت يداه شعرت بكل الكون يتوقف, بالعالم خلفها ينساق,,, كيف ستقوى على أن تكرهه وهذا العشق في قلبها لم يولد لسواه؟!, كيف ستقوى أن تمقته وأن تقتله فتخفي بسمته وعيناه؟!،،، تخنق الروح في روحها والبسمة على وجهها؟!,,, عندما لمست يداه شعرت بالكهرباء تسري بقلبها ، مزقت أدمع روحها.. وشعرت بأنها لن تقوى على الانتقام لأنها تحبه,,, رغم كل شيء تحبه وتموت في هواه!! (نبيل... غادِر قلبي أرجوك!!) والآن بات يرافقها في الأحلام.. أحلى أحلام.. ~ بين حقول القمح حيث السنابل المخملية المثقلة بالحبوب وسماء الكون حيث النجوم الزمردية المثقلة بالأماني كان هناك نور عظيم بتأجج من كل صوب,,, من الصميم,,, نور لم تستطع أن ترى عبره أو أن تشاهد ظله، وفي قلب النور رأته.. كان يقف بشموخه الرائع المهيب.. بقامته الطويلة وعيناه العسليتان... ودمعات جافة تلاحقت في عينيها حيث كانت صورته تسكن وتُقيم.. وعبرات حارقة غسلت قلبها حيث حُبه أسقاها طعم المر والزنجبيل... ورويدًا رويدًا بدأ يختفي في عمق النور.. وصرخت؛ فصمتت الصرخات.. وبكت؛ فماتت العبرات... - لا تتركني وحدي أستحلفك بعظمة ما جمعت بيننا الأيام!! وبسمة رقيقة طلّت على شفتيه ومد يده المرتجفة المرتعشة نحوها، وكلمة لطالما تصدعت في رأسها ((سامحيني)) نطقتها شفتاه ويدها لم تلامس بعد يداه.. ونور وظلام وعتمة وسجود وحلم ونهار وليل ووعود.. وضاع منها مرّة أخرى ومرّات.. ولامتها الذكرى واغتالتها الذكريات.. ( أين أنت يا نبيلي؟! لماذا لم أنســـــــــاك؟!)~ كان حلمها مؤلم على كثر ما هو جميل,,, كان عليها أن تقرر... إما الانتقام من نبيل أو المضي في حبه المضني المؤلم الحزين... كان عليها أن تتخذ من أروع إحساس سكن قلبها سلاحًا ضد الحبيب.. وأي حبيب؟!,,,, نبيل روحها وعشقها وغرامها، نبيل ألمها وحزنها وعذابها... نبيل كل دنياها!!
* * *
- لا بأس يا حبيبتي... ولمس خدها بأنامله الساحرة ليمسح عبرة انزلقت رغمًا عنها وهي تتذكر صدى الكلمات... - عليك أن تعذريها,,و كانت الصدمة قاسية عليها!! ومع ذلك ما كان عليها أن تفوه بهكذا أحرف ولا أن تقذفها بهكذا كلمات... لقد آلمتها جدًا وبشدة,,, فهي آخر شخص كانت توقع منه أن يعاملها بهذه الطريقة الوحشية الهمجية,, لذلك عليها أن تدفع الثمن، وستدفع الثمن غاليًا_ هي متأكدة من أن كل سر أختها يكمن في هذا الذي يدعى نبيل، وهي ستعرف ما صلته بها وستنتقم منها شر انتقام.. - ها قد وصلنا! ونظرت من حولها.. لم تنتبه للطريق كان عقلها وألمها يشغلاها عنه.. (آه.. مي مرّة أخرى؟!) لم تكن تقوى على أن تحتمل هذه الأفعى مرّة أخرى ولا أن تجيبها، ثم ما بالها ترمق حبيبها يوسف بهذه النظرات؟! ولمَ كل هذه الأشواق في عينيها؟!؟! وخرجت سعاد من السيارة بصعوبة ولاحظت يوسف يرمق مي نظرة عميقة.. حتمًا لها معنى!! (ماذا؟!,,, ما الذي يجري هنا؟!) ولا شعوريًا لكزته بعكازها ثم قالت: - يوسف حبيبي ساعدني لست أقوى على الوقوف!! أجل.. رأت أن الادعاء بالمرض أو بالإعياء قد يُبعد حبيبها عن ابنة عمه ويركز نظره عليها.. فاتكأت عليه ووضعت يدها على رأسها ثم ترنحت يمنة ويسرة.. وأرخت جسدها عليه.. كم هو سهل الغياب عن الوعي!! - سعـــــــاد حبيبتــــي.. صرخ يوسف بذعر شديد ثم حملها بين ذراعيه بسرعة وصعد راكضًا بها إلى غرفتها ثم وضعها بهدوء على سريرها وحمل هاتفه ليتصل بعمه الطبيب رمزي حرب!!
* * *
- جواد.. - نعم؟! - ماذا بين ميرا ونبيل؟! - ماذا؟! - أقصد.. لماذا تركها فجأة ثم عاد إليها؟! - لا شأن لك!! - بلى، هيا أخبرني.. أرجـــوك!! - نداء,,, لا تدخلي بما لا يعنيكِ.. أصبح يمقتها الآن، فهي كادت أن تحطم صداقته بنبيل، كادت تحرمه نبيل وميرا بدفعة واحدة..هو يعلم أن ميرا يومًا لن تكون له ومع ذلك فهو يعشقها بكامل جوارحه ويعزيه أن يسمع أخبارها من نبيل,, حتى لو كانت من نبيل!!... يحبها لدرجة الجنون ويعرف أن سعادتها مع نبيل وليس هو الذي قد يقف في وجه سعادتها ولا أن يعرّضها للحرمان من الحبيب كما حرمانه منها.. وهو يعرف أحسن معرفة بأن نبيل يعشقها، قد يجرحها وتهون لديه دمعتها، ولكنه يحبها حبًا جمًا ويستعد بأن يقتل نفسه لأجلها.. لذلك سيتركها بين أحضان نبيل المغناة وبين صدى رحاب فرائصه الفواحة.. ولكن.. بُعده عنها يؤلمه، يحطمه، يمزقه.. وانزلقت من عينيه عبرة لم يثنيها.. - جواد.. حتى متى ستبقى عبدًا لمعشوق البنات؟! - أنا لست عبدًا لأحد.. أنا صديقه!! - كلا,, أنت عبده،،، ويؤلمني يا أخي الحبيب أن أراك في هكذا موقف، وأحب لو أراه هو عبدًا له وتكن له أنت السيد.. - أنت لا يؤلمك شيء ولا يهمك أحد سوى نفسك يا نداء.. وكلانا يعرف هذا، لذلك اختصري من أقوالك الكاذبة ودعيني بسلام!! واقتربت منه نداء بهدوء ثم حضنت يداه بشدة ونظرت مباشرة في عينيه ورمت بسمة تدعي البراءة على شفتيها ثم قالت بنعومة: - جــــــــواد,,, أرجوك ثق بي يا حبيبي وسأعيد لك ميرا.. وصمت جواد قليلًا... - كيف؟!؟! - قل لي أولًا .. ما الأمر بينهما؟!
* * *
وفتحت عينيها بهدوء.. ونظرت حولها باستغراب، كانت وحيدة جدًا وتشعر بالبرد الشديد، كانت تستلقي على سريرها في غرفتها الخاصة ويوسف حبيبها لم يكن جنبها.. (أين هو يا ترى؟!) وآلمها هذا.. لماذا ليس يسهر عليها كما سهر عليها يوم الجراحة؟!,,, أم أنه لم يعد يحبها كالسابق؟!.. وجلست على السرير بإعياء وشعرت بدوار طفيف ثم تماسكت جيدًا وأخذت عكازيها من جنب السرير واستعدت للوقوف.. لا بد أنها نامت بعد الحقنة التي حقنها بها الطبيب رمزي... ووقفت على قدميها بروية؛ قريبًا ستستعيدهما كاملتين!!.. وسارت خارجة من غرفتها إلى الرواق المظلم الكئيب.. كانت تريد أن تبحث عن يوسف وتعاتبه، أو تشفي هذا الخوف الذي يتصدع أرجائها وهذا القلق الذي يغزو ممالك توترها.. كان عليها أن تروي عيناها الظمآنة لرؤياه بمحياه الرائع الأنيق.. أجل اشتاقته، مع أنه لم يلبث أن كان معها.. ومع ذلك اشتاقته.. ليست تعلم لماذا هي قلقة كل هذا القلق عليه.. ولِمَ هذا الانقباض يتكبد قلبها الصغير.. وشعرت باضطراب عظيم في مشاعرها الهوادة فأسرعت خطاها..وفي آخر الرواق كانت تلك الغرفة مضاءة فتوقفت قليلًا قبلها إذ تظنها سمعت صوت يوسف.. و... وصوت الأفعى مي!!.. وأنصتت جيدًا.. - يوسف,, أنا أحبك ولا أقوى أن أبعد عنك كل هذا البعد!! - مي.. أرجوكِ كُفي عن هذا.. - كلا لن أفعل،،، أنت تعلم بأنني أحبك منذ زمن ولم أكن أعي بأنك تركتني لأجل هذه الخسيسة سعاد!! - مـــي.. وأنا أحبك أيضًا.. فأنتِ.. وانفجر الغضب والغيرة في قلب سعاد الضعيف.. ماذا يجري؟!,,, هل قال لها أحبك أم أنها باتت لا تنصت جيدًا الآن؟!.. وتلاحقت العبرات الحارقة في مقلتيها وألم عجيب احتدم في خافقها.. وتوقف العالم عن الدوران وما عاد في عينيها شيء سوى بضع عبرات.. وما عاد في قلبها شيء سوى بضع كلمات.. (أحبك، أحبك، أحبك!!) وشعرت بجنون عارم يجتاحها وانقضّت على يوسف بألم.. - أيها المخادع الجبان، أكرهك,,, أكرهك!! وخرجت مهرولة بعكازيها الثقيلين من الغرفة تاركة يوسف يرسم إشارات الدهشة على وجهه المشدوه.. ودت لو يقول لها " لم أقل هذا",, لو يواسي مشاعرها قليلًا فقط ولكنه وقف بدون حراك يرمقها بتلك النظرات الغبية الحمقاء.. (تبًا لك يا يوسف.. تبًا لكِ يا مي يا شمطاء!!) وبسرعة دخلت غرفتها وأجهشت في البكاء,,لقد تمنت لو أنها ما رأت شيئًا وما سمعت شيئًا، لو بقيت غارقة في النوم فهذا أسهل عليها من أن تغرق في الموت!!.. كل شيء فيها كان يكذّب ما رأى وما سمع وقلبها كان يعلم في الصميم بأن يوسف لن يفعل بها هذا!!.. ولكن ربما هذا هو سبب كل الفاجعة؛ وثوقها به وحبها الجم له.. (تبًا لك يا يوسف.. سأمزقك يا جبان!!)
* * *
- إلى اللقاء يا ماما.. - إلى أين أنت ذاهبة؟! - سأعود قريبًا!! وأسرعت خطاها غير مهتمة بما تمتمت به أمها.. كانت تشتاقه جدًا وتريد أن تراه.. كلا,, هذه المرة لن تفكر حتى بالانتقام فنبيل حبيبها لم يقتل والدها وعلى أيام الثأر أن توّل، إنها تحبه بصدق وبشدة وحبها يتعدى كل معاني الانتقام.. حبهما هو الذي سيحطم تلك اللعنة.. لأن روح العاشقين تسكن قلبيهما اليانعين.. وجلست تنتظره، هذه المرّة لم تصل بعد فوات الأوان.. لأنه لم يكن موجودًا هناك بعد.. وجلست على الكرسي أمام طاولة منسقة في ذلك المطعم الكلاسيكي الرومانسي الذي دعاها إليه، وببساطة كان الفرح يملأها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها,,, كانت تشعر بنفسها سعيدة ومرحة فأخيرًا عاد نبيل لها... وتمامًا كالأيام الخوالي قطع سلسلة أفكارها صوت خطوات، ثم هواء ساخن يلامس خدها وصوت اعتادت عليه.. - هناك قصة؛ عن فتاة أغرمت بشاب الذي بدوره بادلها حبها أضعافًا.. وفي مرّة من المرّات أراد أن يتزوجها ولكن أهل الشاب وضعوا الصعاب في وجهيهما.. فادعوا بأن هناك تعويذة ألقتها إحدى الغجريات عليه, ورمتها في قلب المحيط حيث ابتلعها حوت عظيم, فإن استطاعا الوصول إلى التعويذة وكسرها سيزوجونهما.. ولم يعرف الشاب ماذا يفعل، كان هذا كله بمثابة المستحيل بالنسبة له.. واستدار نبيل وقبّل راحتها بدفء عظيم ثم جلس أمامها.. ومرّت لحظات من الصمت الجميل حيث كان ينظر في عينيها الملائكيتين وكانت تبادله النظرات بأخرى دافئة وعميقة.. ثم قطعت السكون وقالت: - وماذا حدث للعاشقين؟! - حصلا على زفاف رائع.. وابتسمت ميرا.. كانت تعرف إلى ماذا كان يرمي نبيل بالضبط.. وابتسامة ملاك أذهلته وأسكرته وأعادته إلى أول يوم رآها فيه.. كم بدت جميلة وما زالت.. كم أحبها وكم يعشقها!! وشعر بدفء عظيم في صدره ورعشة ساقعة تجتاح كيانه ولذة سرمدية تداعب فرائصه وخوف رائع يستولي على روحه.. ثم حضن يديها بقوة وجثا أمامها على ركبتيه السحابيتين فوق الأرض وقال: - ميرا صالحسليمان.. هل تقبلينني زوجًا لك؟ | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 6:31 pm | |
| الفصل الرابع والعشرون " سعاد.. ما بك؟"
( طوال حياتي وأنا أبكيك يا روحي, أبكيك يا نفسي, أبكيك يا كياني.. أبكيكم لأن أحدًا لم يحبني!! وها أنا الآن أعيد الكرّة فأبكيكم جميعًا لأن أحدهم أحبني،،، فيا لسخرية القدر..) وعبرة مضنية انزلقت من عينيها القاحلتين.. أثناء عودتها من لبنان,,, وحيدة!!.. هذه المرّة لم يرافقها يوسف ولن يرافقها بعد الآن,, اليوم باتت تكرهه وتتمنى لو أنها ما عرفته.. فكل هذا الألم الذي رماه في قلبها,, وكل هذا الحطام الذي كسّر به تضخمات حبها .. يؤلمها، يعذبها، يحطمها، يشردها.. (آهٍ يا يوسف وألف آه!!) كان في قلبها فجر ونجوم وبحار لا تغشيها الغيوم,,, وأناشيد وأطيار وربيع مشرق حلو جميل,, وها هو قلبها يتهافت على الأرض كالهشيم ويحفر بالرفش له قبرًا .. هذا الظلام المقيت المضجر الحزين وهذا الصمت المؤلم الوديع وأيام غاصت في قرارة السديم.. وزهور وأحلام تهوي بألم قاتل على قدميها.. وشرارة الحب تخبى بوجع خائب في كيانها.. (لماذا يا يوسف لماذا؟!) وعبرات محطمة تغزو هزول وجنتيها وبكاء مر ينتحب في بقاع صوتها.. ونشيج مؤلم معذب محطم يغوص في قرارة نفسها.. ورأسها خالٍ من كل شيء سوى من ((أحبك)) قالها يوسف لمي.. قالها منذ زمن,, قالها ليحطم بها الألم ، ليثير في حبها الندم!!! وعلى الحدود... ويا ليتها ما عبرت يومًا الحدود!!، كان أبوها أيمن وابنه فارس ينتظرانها بقلق شديد... ونظرت إليهما.. كم يشبها بعضهما البعض,, وأنكست رأسها بهدوء.. (وكم يختلفا عن يوسف!!) ودمعة لزجة قفزت من على جفنها كأنها رُميت بمنجنيق الأحزان... ونار خائنة حفرت لها طريقًا على وجنتها وخلفها مشى زلزال.. ونزلت سعاد بصعوبة من السيارة متكئة على عكازيها الباهتين,,, بينما ركض نحوها أبوها أيمن بقلق: - صغيرتي.. ما بك؟ لقد أقلقتني عليك.. وأين هو يوسف؟! ولم تستطع سعاد أن تجيب بشيء فرمت رأسها المثقل بالأفكار وصدرها المثقل بالآلام وجسدها المثخن بالجراح في حضن أبوها أيمن وأجهشت بالبكاء!! (آه يا أبي... ساعدني على تحمل كل هذا العذاب.. لماذا يا يوسف لماذا؟!,,, لماذا أكون أنا النعجة وهم الذئاب؟!.. أنا الشجرة وهم الحطاب؟! لماذا أنا هنا والحب هناك نجمًا بعيدًا يسبح في الأكوان.. لماذا علي أن أتحمل خيانته، أن أدوس على قلبي وعلى كبريائي وأنساه؟! وكيف سأنســـاه.. ساعدني يا أبي!! ساعدني يا أبتاه!!)
* * *
صدمة بنفسجية براقة مصحوبة بأجنحة فراش,, بكحل أسمر عند العين وعطر أصهب على الخدين.. وقرار حاسم كان عليها أن تتخذه، تنسى كل شيء وتتذكر كل شيء لتتخذه,,, وصمت طويل مرّ وهي في أهوال الصدمة تمر.. ثم ابتسامة ملاك بيضاء و.. - سأفكر بالموضوع.. صحبتها بنوع من البكاء.. ها هو حلمها يتحقق,, أخيرًا يتحقق!!.. أخيرًا ستكون لنبيل وحدها ونبيل وحده سيكون لها.. أخيرًا وبكلمة ((نعم)) ستلفظها بوجل ستغير مجرى حياتها المأساوي نحو جنة عدن وتستقر عند نبيل بين الأحضان.. كل هذه الأفكار وأحلام يقظة مشتتة هنا وهناك مرّت لها في القلب والرأس على حد سواء أثناء عودتها إلى البيت من تلك اللحظة الرومانسية اللا منسية حيث طلب نبيل يدها للزواج.. ووصلت أمام هذا البيت الكثير العتبات المليء بالعراقيل المضخم بآل سليمان الذين يكرهون أشد الكره آل مراد حيث ينبع الحبيب.. وفتحت بابه المصقول بتجاعيد الزمن والمأساة ودخلت والفرح يكاد لا يسعها,, وللحظات تناست كل شيء.. تناست نبيل وطلبه منها بالزواج، تناست فرحها اللا متناهي وسعادتها الأبدية، تناست الجنة التي كانت تحلم بها قبل قليل... وكل هذا لمجرد رؤية سعاد تبكي وتنوح,, بدون يوسف حبيب الروح!!.. تصرخ وتستغيث وأين يوسف في وحدة اليوم البغيض؟! واقتربت منها بهدوء الأشباح.. - سعاد حبيبتي ماذا هناك؟! - صمتًا يا مجنونة, اتركيني وحدي لست أريد أن أراك.. واذهبي إلى نبيل فهو أولى بك!! (ماذا؟!..) وجحظت ميرا بهذه الجمرة الملتهبة,, أجل لقد فاجأتها... أنى لها نبيل؟!.. ما أدراها به؟! ( يا الهي... أشعر بقدوم مصيبة,, مصيبة ليست كسابقاتها.. ما أدراها بحبيبي؟! وهل تعرف أنه من آل مراد؟! آل مراد الذي سلبونا أبي؟!) ورعشة عصبية اجتاحت سعاد وبكاء حارق نصب جيوشه في عينيها.. ورمقتها ميرا بنظرة بريئة شفقى.. - حبيبتي سعاد,, ماذا حصل لك يا بعد عمري؟! من أبكاك وأثارك يا صغيرتي؟! ولم تجبها سعاد بل ازداد نحيبها وعلا صوت نشيجها.. وكطفل رضيع علق تحت الأنقاض ارتجفت, وكسمكة مُزقت زعانفها وماتت أصدافها..ارتعشت.. وأثناء احتضاراتها المستمرة وبقائها الفاني، طُرق الباب بعنف ثم فُتح على مصراعيه.. ويوسف, بشموخه البشري وغضبه الثوار، كبركان أشرف على الثوران.. دخل يتخبط في عبقات الهواء ومساحات النور آملًا لو يجد له فسحة، لو يجد له سعاد,, واتجه نحوها بألم فظيع وانكسار مزعزع.. ثم اقترب منها دون أن تمنحه التفاتة.. - صغيرتي... لقد فهمتِ كل الموضوع بشكل خاطئ.. ما كان عليك مغادرتي هكذا.. - .... - سعاد حبيبتي,, هل أنت بخير؟! ونظرت إليه سعاد بحقد وشرارة حمراء انطلقت من عينيها.. - بالله عليك اتركني وشأني,, عُد إلى مي... عُد وأخبرها بمدى حبك وشوقك... - لست أحبها!! - سمعتك بأذني تخبرها... - لم تسمعي التتمة.. - أخبرني بها!! - كنت سأقول بأنني أحبها كأخت لي لا أكثر وبأنك أنت حبي وحياتي وعمري ولن أستبدلك بمليون مي!! - كاذب!!, تختلق الأعذار.. ما حاجتك لمقعدة مثلي؟! اتركني وشأني.. - لا بأس..أشعر بغضبك!! - لست تشعر بشيء ولا تعرف شيء.. أنا,,, أنا بت ضائعة في هذه الدهاليز الموحشة الرطبة, بين هذه المقابر المخيفة المرهبة.. لا أعلم أين أنا, أول مرّة أتجول ها هنا, أول مرّة أشعر بهذا الخفقان, خفافيش وظلال وأشجار صنوبر متشابكة الأغصان تحجب عن روحي ألم الروح ونشوة الأمل.. وهناك أسمع بخرير وادٍ لكنني لست أره, أشعر بنسمات بردٍ ولها لا آبه,, عيناي متسمرتان في هذا الظلام الحالك, قلبي حافل لا يرى, لا يسمع, لا يشعر, لا ينبض, لا يحس... دموعي بللتني ومن كاس المرارة أرشفتني ومع كل ذلك أشعر بنار حارقة تشتعل داخل أسوار جسدي!! أشعر بألم مستبد يسرق نواح ضعفي.. لم أكُ أتصور بأنني سأختبر هذا الشعور_ الشعور بالخيانة, بجروح الكبرياء وصراخ المهانة, لم أتخيل بأنني هنا سأسجن وربما هنا أبقى حتى أجن, فأستحلفك بالله يا يوسف لا تخبرني بماذا تشعر لأنك لست تشعر بشيء ولا تعرف شيء... وأصابتها حالة هستيرية من البكاء والنواح والصراخ، تمامًا كتلك الحالات الجنونية التي كانت ترافقها عندما كانت مقعدة.. وأشفق يوسف عليها وشعر بعذابها وألمها وغصة حارقة في حلقه ودمعة عالقة في جفنه فابتعد من أمامها بهدوء، مصرُا على أن يكلمها عندما تهدأ!!
* * *
- يا الهي.. إذًا.. كل هذا لأجل ذلك الخلاف القديم..!! - نداء إياك أن تنبسي ببنت شفة لنبيل أو لميرا,, أرجوك, لقد أخبرتك لأنني وثقت بك.. أرجوك يا نداء.. وأجابته نداء بضيق... - حسنًا يا جواد, حسنًا.. وصمت كئيب احتل مجلسهما,, كلٌ يفكر بما فعل أو بما سيفعل... وأفكار سوداء تستسيغ حقد نداء على نبيل وميرا,, الآن باتت تعرف نقطة ضعفهما لذلك ستنتظر اللحظة الحاسمة وتنقض على حبهما العميق لتلتهمه بأظافرها وأسنانها وكبريائها, لتُخرج أحشائه وتبتر أعضائه,, وميرا... ميرا ستمزقها وتشوهها وتشردها وترميها بعيدًا عن حياتها, بعيدًا عن مسراتها, ستخلّص البشرية منها وتنتقم منها انتقام قاتل خالي من المشاعر، خالي من الشفقة,, سترمي بها مُغلفة بحبها لنبيل من على سطح النسيان وتُعدم قلبها عاشق نبيل أمام كل البشر كي يعرفوا بأنها نداء,, ونبيل لها رغمًا عن أنف الجميع, رغمًا عن أنف ميرا وأنف جواد أخيها وأنف الجميع.. - طبعًا يا أخي يا حبيبي,, لن أقول لهما بتاتًا.. وابتسمت ابتسامة صفراء خبيثة ساخرة.. بينما دارت في رأس جواد خيوط ناعمة كنعومة الأفاعي وشائكة كأشواك القنافذ.. وآلمته الأفكار وتأنيب الضمير,, ما كان عليه أن يخبر نداء نداء, فهو يعرفها أعز معرفة ويعرف أنها لن تصمت.. ( يا الله ماذا فعلت؟!) ووضع رأسه بين كفيه ولجأ إلى الصمت والحزن والأفكار.. واقتربت منه نداء برقة ثم لمست خصلات شعره الذهبية بأصابعها الفتاكة.. - لا تقلق يا حبيبي ستكون الأسعد!! ثم ذهبت إلى خزانتها وأخرجت فستانها القرمزي,, ذاته الذي ارتدته في الحفلة التي دمرتها والتي استطاعت ميرا أن توقع نبيل في شباك حبها وركضت إلى جواد وهي تحمل الفستان على ذراعيها وقالت له: سنقيم حفل,, وندعو الجميع، حتى ميرا ونبيل!!! | |
| | | شخابيط بنوتة مديرهــ
العمر : 24 المزاج : ممتاز جدا (*_*) الوطن : مصر الحبيبة عدد الرسائل : 1149 تاريخ التسجيل : 11/09/2008
| موضوع: رد: رواية احبك الى الابد 13/9/2008, 6:34 pm | |
| الفصل الخامس والعشرون"الحفل!!"
كان يرمقها بين الفينة والأخرى كي يطمئن عليها ويطمئن على عدم اندلاع عبراتها على الوجنتين,,, آملًا لو تهدأ قليلًا حتى يكلمها.. هو يعرف أنه أخطأ,, كان أجدر به أن يخبرها بالحكاية منذ البداية ولا ينتظر حتى تكتشف الأمر هي بنفسها... واتجه نحوها مصوبًا كل ما في رأسه إلى قلبها,,, أراد لو يحنو إلى قلبها كي تحنو هي إليه.. - سعادي, كيف أنت الآن؟! - .... //دمعات، دمعات، دمعات// - أنا آسف ، كان علي أن أخبرك قبل الآن.. ثم حضن يداها المرتعشتين برفق ودفء فأغمضت هي جفناها بهدوء وكأنها غرقت بنشوة الحب للحظات ثم ازداد انهمار العبرات..وتركت يديها بين يداه ... فهي تعشق لمسة يداه... واطمئن هو لهذا ، فقد شجعه للاسترسال بحديثه.. - صغيرتي... أتذكرين يوم لقيتك بالمصعد في لبنان؟!.. يومها ومن النظرة الأولى سلبتني نفسي وعقلي وكياني,,, لم أستطع أن أمنع نفسي من النظر إليك ولا أن أمنع قلبي عن الوقوع في حبك، خصوصًا وإنني احتجت للحب بشدة تلك الفترة , فمنذ ولدت وفي صباي ومراهقتي لم يرافقني سوى وجه واحد.. وجه مي.. وكان شيء طبيعي أن نكون معًا إذ هي أقرب قريبة لي, ولكن ما لم أكن أعرفه بأنها في كل لحظة كانت تدله في حبي أكثر فأكثر... كانت تعشقني بصمت واعتَقَدَتْ بأني أبادلها الشعور, رغم أني يومًا لم ألمح لها هذا... ويوم رأيتك وعشقتك ، كانت مي تدرس في كلية الطب العالي في فرنسا وذلك كي تصبح ممرضة لتساعد أبوها بعدما استوفى الله والدتها.. واضطرت أن تغيب عني مدة قدرها ثلاث سنون, وقدّر الله أن تلتقيك وتُشرف مع أبيها على جراحتك,,, وكما أفترض فقد آلمها أن أكون قد خطبت وأنا الذي كنت دائمًا زوج المستقبل في نظرها... واقسم لك بالله وبعظمة حبنا يا سعاد بأنها لم تخبرني بشيء من هذا إلا عندما سمعتِها تُحدثني،،، وجلّ ما أردت قوله هو أني أحبها ولطالما أحببتها لأني أعتبرها بمثابة أخت لي.. لا أكثر!! والله يا سعادي بأنني لم أحب ولن أحب أحدًا بقدر حبي لك,,, فأنتِ وحدك عروسي الوردية.. البيضاء...!! وضغط على يدها بشدة وازداد نشيج سعاد,,, ثم رويدًا... رويدًا عادت لهدوئها.. واستغل يوسف هذه الفرصة قائلًا: - سعاد.. ما رد قلبك على أقوالي يا عمري؟! - .... لقد قسيتُ على قلبي,,, فهو الضحية الوحيدة في كل هذا الأمر, هو الصريع الوحيد والحطام الوحيد والجرح الوحيد داخل صدري وينزف كالمطر، هو الشوك والألم،الحب والدمع... هو كل شيء وأنا لا شيء، هو لا شيء وأنا لا شيء.. وكبريائي وكياني وروحي وعمري كلهم لا شيء.. أو تسألني يا يوسف ما رد قلبي؟!_ قلبي هو الوحيد الذ يشعر، الذي يحس، هو الوحيد الذي يبكي ، الذي يتألم.. ينزف ولا يمس,, هو الذي صرخ بكامل الصمت وصمت بكامل الخيبة ووقع بخيبة الفراغ ، هو الوحيد الذي أيأسه الأمل.. أيبسه اليأس.. هو الوحيد الذي لا ينسى ويذكر..وسيذكر حتى الأبد.. قلبي؟!.. قلبي لا أجد وسيلة لأواسيه ولا طريقة لأناديه.. ولا سلمًا مكففةً دموعه لأرتقيه، ولا شيء .. قلبي لست أعلم كيف أنسيه، كيف بالواقع أقنعه فأجازيه، كيف بالألم ألزمه ولا أراعيه.. قلبي لم أعد أشعر بنبضه بعد الآن .. ولا بقلبه... فقد فات الأوان, لا أشعر بشيء البتة حتى أنني لا أشعر بذلك الخفقان، قلبي وحيد مسكين سيقتحم هذه الظلمات آملًا أن يخرج منها سليمًا غير مكسّر وبلا تحطين,, قالي لا زال عشقان أو ليس كذلك...لا أعلم,,, لأنني به لست أشعر إنما هو بي شاعر... هذا هو رد يوسف يا قلبي!! ونهضت من أمامه متكأة على عكازيها الخبيثين ثم دخلت غرفة ميرا وأغلقت خلفها الباب..
* * *
- ماذا؟! نداء تدعني أنا وأنت للحفل؟! - أجل يا حبيبتي... - وهل تظنني سأذهب؟! - طبعًا... لم لا؟! - كلا.. لن أقبل بأن أرها تلك الخبيثة.. - هيا يا حياتي,, إنها تدعونا كطلب منها أن نسامحها؛ لقد تغيرت وكذا أكد لي أخوها جواد.. - آه جواد؟! وهل تعتقدني أصدقه؟! ذلك الذي حطم قلبي إلى مليون شظية من بلور ثم داس عليها واحدة واحدة؟! ذاك الذي كذب علي وأخبرني بأنك خطبت نداء فحطمني مليون حطام ثم تلذذ برميي في الحضيض قطعة قطعة؟!.. كلا يا حبيبي .. لن أذهب!! وصمت نبيل قليلًا ثم قال بصوت حنون فيه خطرات توسل: - ميـــــــرا أرجوك يا حياتي.. اذهبي لأجلي أنا!! وصمتت ميرا قليلًا ثم: - حسنًا فقط لأجلك أنت.. وضحك نبيل برفق ثم قال: - حسنًا إذن ألقاك هناك يا بعد عمري... - حسنًا إلى اللقاء... أحبك - أحبك أكثر.. إلى اللقاء يا حبيبتي!!! وأقفل سماعة هاتفه بهدوء.. "إلى اللقاء يا حبيبتي" لأول مرّة يقولها لها مع أنه قالها كثيرًا من قبل لطيفها وشذاها وعطرها.. " أحبك" ( وأنا أيضًا أحبك يا بعد روحي.. أحبك إلى الأبد!!)
* * *
كان الطريق موشحًا بالظلام ولا شيء ينير دربها سوى تلك اللؤلؤة التي تتربع في كبد السماء.. ومشت بخطىً ثابتة ومترددة,,, وفي قلبها يستعر خوف هستيري ليست تعرف له سببًا ، ونغمة ترابية كانت تتابعها.. نغمة حب نبيل وعشق نبيل وكل نبيل،،، وصفرة سماوية تتصدع في أجوافها؛ صفرة الألم والمعانة ولذة الانتقام من نبيل.. كان دائمًا قلبها يفوز في هذه المعارك.. كان يتغلب على كرامتها وعقلها وكيانها فجيوشه الشوقية لديها أعظم نيران.. وفرسانه العشقية لديها أبرق جليد,, ورماحه الحلومة تحمل أروع سهام.. سهام من حمم دافئة .. حمم مستعرة .. حمم من بركان الجوى الذي خلّفه عشق نبيل.. وعن بعيد تراءى لها ذلك القصر المنيف بأضوائه المتلألئة في وحدة الليل الكئيب... وأفواج من شبان وفتيات يدخلونه وهم بكامل زينتهم وأكمل أناقتهم... ونظرت إلى نفسها.. لم تعرف لماذا دفعتها يدها لتختار هذا الفستان بالذات.. انه الفستان الأسود الضيق القصير.. هل تذكرتموه؟! ذلك الفستان الذي لبسته في حفل نداء الأول حين رآها نبيل وأغرم بها... ربما اختارته لأنه يحمل بين ثناياه ذكريات رائعة عن نبيل وعن تلك الليلة التي لا تُنسى.. تلك الليلة حين اختارها نبيل معشوق البنات لتكن عشيقته!! وها هي تقف أمام هذا الباب الضخم المصنوع من أثمن أنواع الخشب وأرقاها.. تُرى هل تدخله أن تنتظر نبيل؟!.. ووقفت تنتظر أن تخبرها حواسها ما الحل.. وقفت لتنتظر صدفة تمنعها من الدخول.. أجل هي لم ترد حضور هذا الحفل، منذ أخبرها نبيل عنه وهي تشعر بانقباض عجيب في قلبها,,, انقباض مؤلم يوخز كل مناطق شعورها بسكاكينه الحادة المتخوفة.. وطال وقوفها أمام الباب.. ثم رأت أنه عليها أن تدخل لأنها سبق ووعدت نبيل.. (فقط لأجل نبيل!!) ورفعت قبضتها المرتعشة وطرقت طرقًا خفيفًا مخنوقًا.. وركضت نداء بفستانها القرمزي الرائع وبمرحها المعهود نحو الباب وحركت قبضته بهدوء.. - آسفة على تأخري!! - لا بأس يا عزيزتي، تعالي لندخل.. كل شيء يحدث تمامُا كما حدث منذ زمن عندما التقت نبيل لأول مرة.. (ماذا يحدث؟! هل نعيد بروفا ذاك الحفل؟!) وجعلت تقلب بصرها يمنة ويسرة وتتفرس في كل الوجوه آملة لو تجد وجه نبيل ... وشعرت بيد تسحبها وصوت مخنوق خبيث يقول: - آه ميرا.. لقد طلب مني نبيل أن أدخلك إليه.. إنه في غرفة جواد!! وشعور بالضيق تملكها,, ليست تعرف له سببًا. فألصقت قدماها في الأرض.. - كلا.. فليأتِ هو.. قالتها بحزم.. - هاهاها.. يا مجنونة هل تنوين أن تخاطري بحبك وتعرضيه لكل هؤلاء الفتيات؟! إنه معشوقهن يا ميرا.. لا أنصحك!! ونظرت ميرا حولها وشعرت بقلبها يتقطع والغيرة تلتهم قطعه بهدوء وتلتهم وجوه هؤلاء الفتيات.. - حسنًا.. ودخلت معها بهدوء.. وها هو نبيل ينظر إليها بفرح بينما جواد وضع عينيه أرضًا.. وابتسمت له برقة,, ابتسامة ملاك.. ثم اقتربت منه وجلست جنبه فحضن يدها بيديه الدافئتين.. - عزيزتي.. نداء وجواد حضرّا لنا مفاجأة!! وابتسمت ميرا بألم (مفاجأة أم مصيبة؟!!) ثم رفعت نداء يدها اليسرى بالهواء وقالت لميرا.. - ما رأيك بخاتمي البلوري؟! كان الخاتم أبيض ماسي يخطف الأنفاس ويُبهر العيون لشدة جماله.. - واااااو ... روعـــة!! - هذا خاتم خطبتي.. - خطبتك؟! قال نبيل مستنكرًا بينما اقتربت هي منه بهدوء وحضنته من الخلف على مرأىً من ميرا.. - أجل خطبتي لك يا أميري!!! وشرر أحمر تطاير من عينا ميرا وبركان غضب قانٍ انفجر في جوفها ثم وقفت بكل ما أوتيت من قوة وصرخت بنداء.. - ما هذا؟! هل هو مقلب آخر من مقالبك يا نداء؟! ثم قفز نبيل من مكانه واتجه نحو جواد وصرخ بوجهه: - كيف تسمح لها بفعل هذا يا جواد؟! وبقيت عينا جواد سابحتين في حدود الأرض.. وفضاء العبرات!! وقالت نداء باستكبار: - بعدما أخبرت أبو نبيل عن حب نبيل السري لفتاة آل سليمان.. العائلة التي تكتنف أيمن سليمان خاطف ابنتهم وسبق واكتنفت صالح سليمان عدوهم اللدود.. جن جنونه وعرض علي مائة عرض فقط كي أحول بين قلب العاشقين.. وبما أنني أملك هذا الذكاء الفذ فقد عرضتُ عليه أن يهديني نبيل.. ووافق بكل بساطة.. وصمتت وجعلت تتأمل لمعان الخاتم بين أصابعها.. بينما كانت ميرا تتأمل لمعان الدمعات في قحول عينيها.. - ها هو الوقت يعود إلى الحفل.. إلى ذاك الزمان ونفس المكان ليعود كل شيء لمكانه الصحيح ويعود نبيل لي أنا!! كانت محطمة.. متألمة, مجروح.. كطير بُترت له جناح.. كانت كلها تنزف أناتًا وآهاتًا وأحزان.. وحب نبيل يتأجج في القلب العشقان.. وحارت هل سيغمى عليها كالمرة السابقة أم ستموت هذه المرة لا محالة؟!.. وشعرت بجسدها يخذلها وصوت رائع يشق شرودها.. - ميرا.. أنت لي.. لن أتخلى عنك.. ميــــرا.. واعتقدت بأن هذه المرة عليها أن تكون أقوى .. رغم كل الاحتضارات التي تنسف روحها ونفسها وجسدها.. عليها أن تكون أقوى .. رغم كل الشمعات التي تحرق خلايا ذكراها.. عليها أن تكون أقوى.. وجالت بناظريها في الفراغ .. (أين أنا؟!) وشعرت بوهن عجيب يستولي عليها .. ثم.. وقبل أن تقع مغمًا عليها.. أطلقت عنان ساقيها للرياح وخرجت لتتحدى الحياة.. وتتحدى الحب!!!! | |
| | | | رواية احبك الى الابد | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
مواضيع مماثلة | |
| |
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| المواضيع الأخيرة | » قوقل للبنات12/3/2011, 8:05 pm من طرف شخابيط بنوتة» قوانين التبادل الاعلانى12/3/2011, 11:21 am من طرف شخابيط بنوتة» همسات لتصبح تصاميمك رآئعهـــ6/3/2011, 6:21 pm من طرف شخابيط بنوتة» حملة تنظيف المنتدى بدأـت6/3/2011, 6:20 pm من طرف شخابيط بنوتة» في ضياافة مصممة3/3/2011, 3:34 pm من طرف شخابيط بنوتة» تواقيع للبنات روعة3/3/2011, 12:23 pm من طرف شخابيط بنوتة» اصنعى اشكال جميلة بعجينة السيراميك2/3/2011, 11:08 pm من طرف بنوتة مرحة » كيف تكونين جذابة2/3/2011, 10:47 pm من طرف شخابيط بنوتة» صوره&تعليق2/3/2011, 10:25 pm من طرف ضحكة انثى » كعكة الفواكه مع ألقشطه والجلي12/2/2011, 7:54 pm من طرف شخابيط بنوتة |
|