شخابيط بنوتة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

شخابيط بنوتة


 
الرئيسيةبوآبتنــآأحدث الصورالتسجيلدخول
ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! WoW30096ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! WoW30096ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! WoW30096ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! WoW30096ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! WoW30096ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! WoW30096

 

 ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!!

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
شخابيط بنوتة
مديرهــ
مديرهــ
شخابيط بنوتة


انثى العمر : 24
المزاج : ممتاز جدا (*_*)
الوطن : مصر الحبيبة
عدد الرسائل : 1149
تاريخ التسجيل : 11/09/2008
ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! YEM48803

ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! Empty
مُساهمةموضوع: ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!!   ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! Empty4/7/2010, 1:06 am


بسم الله الرحمن الرحيم


مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
إن ما يميز العصر الذي نعيشه نشوء ظاهرة وقت الفراغ في حياة الأفراد والمجتمعات بشكل يستدعي الوقوف عندها، ودراستها ، ورصد متغيراتها ، ومدى تأثيراتها على مستوى الأفراد، والمجتمعات على حد سواء .
ولقد صاحب هذه الظاهرة تزايد وتطور الوسائل الترويحية، واستحداث وسائل جديدة لشَغله ، فأصبح لدى المجتمعات سيل منهمر من الوسائل الترويحية ، انطلق معها الإنسان بحثاً عن الراحة والمتعة ، وتخفيفاً من العناء الذي يصيبه في هذه الحياة الدنيا . وكثيرا ما يمارس بعض المسلمين الأنشطة الترويحية بمعزل عن الضوابط الشرعية التي ينبغي أن يراعيها المسلم في أثناء ممارساته الترويحية ، وفي غياب عن الأهداف التي ينبغي أن يحرص المسلم على تحقيقها من الترويح ، وبخاصة مع ما استجد من وسائل ترويحية في حياتنا المعاصرة .
ورغم وجود للعملية الترويحية في وقت الرسول ()، إلا أن من يطلع على المؤلفات ، والكتب ، والأبحاث التي تُعنى بموضوع الترويح يجدها تخلو أو تكاد من ذكر الترويح في عهد الرسول () و ما كان يمارسه هو وصحابته ـ رضوان الله عليهم ـ ، وكأن عصرهم خلا من هذه الممارسات الترويحية رغم كثرتها وتنوعها ، وممارسته () لها هو وصحابته ـ رضوان الله عليهم ـ .
إن هذا العزوف الذي نلحظه عن بيان منهجه () في كتب الترويح ليؤكد ضرورة دراسة ذلك المنهج في حياته () وسيرة أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ ونشره للتعرف على هديه عليه الصلاة والسلام في ممارسة الترويح فهو خير من يُقتدى بهديه ، ويُستن بسنته في ذلك الجانب المهم من جوانب حياة المسلم ، وبخاصة في وقتنا الحاضر، حيث أصبح الترويح جزءًا أساساً في حياة الأفراد والمجتمعات على حد سواء ، وعدم التعرف على المنهج الإسلامي في الترويح يؤدي إلى الوقوع في خلافه مما يترتب عليه ظهور العديد من النتائج السلبية في حياة الأفراد والمجتمعات على حد سواء، وهذا ملحوظ في وقتنا المعاصر عند المجتمعات التي ابتعدت عن المنهج النبوي في حياتها العامة والخاصة ، ومن ذلك الممارسات الترويحية .
ومما لاشك فيه أن كشف الوسائل الشرعية في الترويح يقطع الطريق على تسلل الوسائل الترويحية الهدامة إلى المجتمع المسلم ، وبخاصة مع ذلك الانفجار المعرفي في العالم ، وثورة الاتصالات والحاسبات الآلية ، وامتداد الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت ) إلى العديد من البلاد الإسلامية .
ومن هنا تأتي هذه الدراسة محاولة لتسليط الضوء على مفهوم الترويح، وحكمه ، وأسلوب مزاولته في العصر النبوي ، وبيان الضوابط الشرعية التي ينبغي مراعاتها حين ممارسة الترويح،بالإضافة إلى التعرف على أهداف الترويح المترتبة على ممارسته ، وكيف نضمن تحقيق تلك الأهداف ، ولقد قَسّمْتُ الدراسة إلى المباحث التالية :

الأول : أهمية الوقت .
الثاني : نظرة الإسلام إلى وقت الفراغ .
الثالث : مفهوم الترويح وآثاره .
الرابع : حكم الترويح في الإسلام .
الخامس:ضوابط ممارسة الترويح في المجتمع المسلم.
السادس : الترويح في العصر النبوي ويشمل :
ـ أولاً:أهداف الترويح في العصر النبوي.
ـ ثانياً:نماذج من الترويح في العصر النبوي

والله أسال أن تكون هذه الدراسة نواة لدراسات أشمل وأوسع عن الترويح في المجتمع المسلم في حياتنا المعاصرة تستمد أصولها من المنهج الإسلامي للترويح ، وتحديد ماينبغي للمسلم التزامه من الضوابط الشرعية حين ممارسته للترويح.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ...

المؤلف
ص . ب ( 7351 )
الرياض 11462


للأعلى


المبحث الأول:أهمية الوقت
المبحث الأول
أهمية الوقت

لقد صدق من قال : إن الوقت هو الحياة ، وأنهما وجهان لعملة واحدة ، فما الأيام إلا صفحات تقلب في كتاب حياتنا ، وما الساعات في تلك الأيام إلا كالأسطر في صفحاتها، التي سرعان ما تُختم الصفحة لننتقل إلى صفحة أخرى... وهكذا تباعا حتى تنتهي صفحات كتاب العمر ، وبقدر ما نُحسن تقليب صفحات أيامنا تلك نحسن الاستفادة من كتاب حياتنا، وبقدر استغلالنا لأوقاتنا نحقق ذواتنا ونعيش حياتنا كاملة غير منقوصة .
ولاشك أن إدراك الإنسان لقيمة وقته ليس إلا إدراكاً لوجوده وإنسانيته ووظيفته في هذه الحياة الدنيا، وهذا لا يتحقق إلا باستشعاره للغاية التي من أجلها خلقه الله ـ عز وجل ـ وإدراكه لها، ومن المعلوم أن الله عز وجل قد خلق الإنسان لعبادته قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون  ما أُريد منهم من رزق وماأُريد أن يُطعمون  إن الله هو الرزاق ذُو القوة المتين} (الذاريات : آية 56-58) .
و المقصود بالعبادة هنا هو معناها الشامل الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ حين عرَّف العبادة بأنها : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ( ). ولذلك كان الوقت أغلى ما يملكه الإنسان، فهو كنزه ، ورأس ماله الحقيقي في هذه الدنيا ، ذلك أنه وعاء كل شيء يمارسه الإنسان في حياته الدنيا .
ويكفي الوقت شرفا وأهمية أن الله ـ عز وجل ـ قد أقسم به في كتابه العزيز ، وأقسم ببعض أجزائه في مواطن عديدة ، قال تعالى :

* { والليل إذا عسعس  والصبح إذا تنفس } (التكوير :آية17ـ18 )
* { والفجر  وليال عشر } ( الفجر : آية 1ـ2)
* { والشمس وضحاها  والقمر إذا تلاها}(الشمس آية :1-2)
* { والضحى والليل إذا سجى } ( الضحى : آية 1ـ2)
* { والعصر  إن الإنسان لفي خسر } ( العصر : آية 1ـ2)
ولقد ذكر عدد من المفسرين ـ رحمهم الله ـ عند تفسيرهم لهذه الآيات أن إقسام الله ببعض المخلوقات دليل على أنه من عظيم آياته ( ) . ومن هنا فالله عز وجل يقسم بتلك المخلوقات ليبين لعباده أهميتها وليلفت أنظارهم إليها ويؤكد على عظيم نفعها ، وضرورة الانتفاع بها ، وعدم تركها تضيع سدى دونما فائدة ترتجى في الدنيا أو الآخرة .
ولقد برزت أهمية الوقت والحث على الاستفادة منه وعدم تركه يضيع سدى في السنة النبوية ، يقول الرسول () قوله : (( اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك ،وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ،و حياتك قبل موتك)) ( )، وهذا الحديث وإن تنوعت ألفاظه وتعبيراته إلا أنها أصل في الحث على اغتنام فرصة الفراغ في الحياة قبل ورود المشغلات، كالمرض ، و الهرم ، و الفقر ، إذ أن الغالب في هذه الأمور أنها تُلهي الإنسان وتمنعه من الاستفادة من أوقاته ، فالمريض يهتم بأسباب عودة صحته واسترداد عافيته ، وكذلك مع الهرم وهو أقصى الكبر يكون الضعف العام للجسم وبطء الحركة بعكس من كان في مرحلة الفتوة والقوة والشباب .
وقد روى البخاري في صحيحه أن ابن عباس  قال: قال النبي () : ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ )) ( ) . وهذا الحديث من جوامع، كلمه () وهو في غاية الوضوح ، حيث يرشد الرسول () إلى أن الفراغ مغنم ومكسب ، ولكن لا يعرف قدر هذه الغنيمة إلا من عرف غايته في الوجود ، وأحسن التعامل مع الوقت والاستفادة منه ، ولعل مما يحفز على ضرورة الاستفادة من الوقت حرص الفرد أن يكون من القلة التي عناها الرسول () في حديثه السابق ، فظاهر الحديث أن من يستفيد من الوقت هم القلة من الناس ، وإلا فالكثير منهم مغبون وخاسر في هذه النعمة بسبب تفريطه في وقته وإضاعته له في غير فائدة وعدم استغلاله الاستغلال الأمثل .
وقد يكون الإنسان صحيحا في بدنه ولا يكون متفرغاً لانشغاله بمعاشه ، وقد يكون مستغنياً ولا يكون صحيحاً ، فإذا اجتمعا ـ الصحة والفراغ ـ وغلب عليه الكسل عن طاعة الله فهو المغبون، أما إن وُفّق إلى طاعة الله فهو المغبوط ( ). ومسئولية الإنسان عن وقته شاملة لجميع عمره، وهذا الوقت مما يُسأل عنه الإنسان يوم القيامة ففي الحديث الصحيح أن رسول الله () قال : ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه ما فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن جسمه فيما أبلاه )) ( ).
ومما ينبغي الإشارة إليه هو أن تأكيد الإسلام على إعطاء النفس حقها من الراحة والسعة دليل على قيمة الوقت وأهميته في الإسلام ، قال تعالى : { وجعلنا نومكم سباتا  وجعلنا الليل لباسا  وجعلنا النهار معاشا } (النبأ : آية 9ـ11) ، قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى : {وجعلنا نومكم سباتا}: أي قطعا للحركة لتحصل الراحة من كثرة الترداد والسعي في المعايش في عرض النهار ( ). وكأن النوم راحة إجبارية يتقوى بها الإنسان .
كما ورد أن الرسول () قال لعبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ : (( يا عبد الله: ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل ؟ . قال : بلى يا رسول الله . قال : فلا تفعل ، صُم وأفطر وقُم ونم ، فإن لجسدك عليك حقاً وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا )) ( ) .
ولكن هذا الحق من النوم والراحة للجسد والبدن مشروط ، أي ينبغي أن يتقوى به لما بعده ويحتسبه الإنسان للعمل ، فهو يرتاح ليتقوى على العمل وليست الراحة لمجرد البطالة .

للأعلى


المبحث الثاني: نظرة الإسلام إلى وقت الفراغ
المبحث الثاني
نظرة الإسلام إلى وقت الفراغ

لقد عُرف الوقت بأنه : مقدارٌ من الزمن ، أما كلمة الفراغ فتكاد تجمع المعاجم اللغوية على أن معناه : الخلو من الشغل ، فلقد ورد في لسان العرب لابن منظور أنه : الخلاء، وذكـره الجوهري في الصحاح بما يقرب من هذا المعنى ، فيقال فرغت من الشغل ،… وتفرغت لكذا ، وذكر الراغب الأصفهاني : أن الفراغ خلاف الشغل . وقد فرغ فراغا وفروغا وهو فارغ ( ).
ومن هنا فوقت الفراغ تعنى لغويا : الزمن الذي يخلو فيه الإنسان من الشغل أو العمل .
وجاء ذكر كلمة الفراغ وبعض مشتقاتها في القرآن الكريم ، من ذلك قوله تعالى: { فإذا فرغت فانصب  وإلى ربك فارغب } ( الانشراح : آية 7 ) ، ولقد ذكر عامة المفسرين عند تفسيرهم لهذه الآية { فإذا فرغت فانصب } أن المقصود إذا فرغت من أمر دنياك فانصب في عمل آخرتك.
ومن المعلوم أن الأصل في حياة المسلم أنه لا يوجد فيها وقت فراغ ـ أي بمعنى عدم العمل لا للدنيا ولا للآخرة ـ ذلك أن الوقت أو العمر في حياة المسلم ملك لله ، والإنسان مسؤول عنه، فحياة المسلم كلها عبادة ، فهو مطالب بملء الوقت كله في عبادة الله بمعناها الشمولي العام لجميع جوانب الحياة ، وهذا ما وعاه القاضي شريح ـ رحمه الله ـ عندما خرج على قوم في يوم عيد وهم يلعبون فقال: ما لكم تلعبون ، قالوا: إنا تفرغنا ، فقال: أو بهذا أمر الفارغ ، ثم قرأ قوله تعالى: { فإذا فرغت فانصب  وإلى ربك فارغب} .
وأبلغ من عرف العبادة بمعناها الشامل شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله - حيث قال:أن العبادة : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ، لا بمعناها الضيق ، أو كما يفهمه بعض الناس بقصرها على أداء بعض العبادات كالصلوات والصيام والزكاة والحج والعمرة ونحو ذلك من الأفعال التعبدية الظاهرة فقط .
ومن هنا تصبح جميع جوانب حياة المسلم تعبدية إذا اقترنت بالنية الصالحة، فهو في العمل ، أو الفكر ، أو السكون، أو الحركة ، أو الجد ، أو المرح ، أو القتال ، أو اللهو ، أو الأكل ، أو الشرب ، أو النوم ، أو العلم ، أو غيرها من الأعمال ، حتى في الجماع مع الزوجة فلقد ورد في الحديث أن الرسول () قال: (( ... وفي بضع أحدكم صدقة ، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ فقال : أرأيتم لو وضعها في الحرام أليس كان يكون عليه وزر؟ قالوا : بلى . قال : فكذلك إذا وضعها في الحلال له الأجر )) ( ) .
وهذا ما عبر عنه ابن القيم – رحمه الله – في معرض حديثه عن كيفية عمارة المسلم لوقته ، فقال : (( إن عمارة الوقت تكون بالاشتغال في جميع آناء الوقت بما يقرب إلى الله ، أو يعين على ذلك من مأكل ، أو مشرب ، أو منكح ، أو منام، أو راحة فإنه متى أخذها بنية القوة على ما يحبه الله، وتجنب ما يسخطه كانت من عمارة الوقت ، وإن كان له فيها أتم لذة فلا تحسب عمارة الوقت بهجر اللذات والطيبات )) ( ).
فكل أفعال الإنسان المسلم ونشاطاته عبارة عن أشكال تدور حول حقيقة واحدة ، هي : العبادة ، والاختلاف بينها إنما هو في الهيئة ليس إلا ، وفي المظهر وليس الجوهر . إذ لا يوجد في التصور الإسلامي نشاط إنساني لا ينطبق عليه معنى العبادة ، أو لا يُطلب فيه تحقيق هذا الوصف ، فالمنهج الإسلامي غايته تحقيق العبودية لله أولاً و آخراً ( ).
لذا نجد أن مفهوم وقت الفراغ المتداول الآن مرادف لمفهوم البطالة ، أي ( لا عمل ) ، وهذا ما يراه الاتجاه الغربي المادي ، ومن هنا يمكننا طرح سؤال مهم وهو : هل يمكن وجود وقت فراغ في حياة المسلم ؟. لاشك أن ذلك غير ممكن بأي حال من الأحوال فإن العمر ملك لله ، وما الإنسان إلا مسؤول عنه ومستأمن عليه في هذه الدنيا التي حدد الله عز وجل فيها دوره بوضوح ودقة متناهية في قوله تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } (الذاريات : آية 65)
وبناءً على ذلك لا يصح تصور وجود وقت مستقطع من حياة الإنسان المسلم يكون فارغاً فيه ، ويسمى وقت فراغ . فراغ من أي شيء ؟ طالما أن حياته كلها عبادة لله حتى في ترويحه وسروره وأنسه وجميع مناشط حياته فهو في كل أوقاته إما مأمور بأمر ، أو منهي عن أمر، وبالتالي لايمكن تصور وجود وقت في حياة المسلم يحق له أن يتصرف فيه كيفما شاء حسب ما تنص عليه بعض تعريفات علماء الغرب لوقت الفراغ ، ومن هنا يقرر بعض الباحثين أن كلمة الفراغ الواردة في الأحاديث النبوية إنما يُراد بها : سلامة القلب ، والنفس ، والفكر من كل ما يلهي عن الخير والعبادة ( ) .

وهذا الذي جعل الصحابي الجليل معاذ بن جبل () يقول: إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي . وهذا أبو الدرداء () يقول: إني لاستجم لقلبي بالشيء من اللهو ، ليكون أقوى لي على الحق .
ولاشك أن ما ذ كر آنفاً يمثل حقيقة مهمة في التصور الإسلامي الصحيح لوقت الفراغ في حياة الفرد المسلم من الناحية النظرية التي ينبغي وجودها وشعور الفرد المسلم بها، إلا أن واقع المسلمين بشكل عام يشهد بضد ذلك فما زال التصور الإسلامي الصحيح لوقت الفراغ بعيداً عن أذهان بعض عامة المسلمين و أفرادهم ، فكل متأمل لواقع كثيرٍ من أفراد الأمة المسلمة يرى أن وقت الفراغ في المجتمع الإسلامي الحديث أصبح عمراً مهدراً ، بل وعبئاً على حركة المجتمع نحو التقدم... فهو يمثل طاقة استهلاكية ، أو يغذيها ، أو يمهد لها سبلها دون أن يقابلها دفعة إنتاجية، أو تنمية ماهرة ، أو إبداع فكري جديد . ومن يرغب التأكد مما ذكر من أن أوقات الفراغ في حياة الكثير من المسلمين أصبحت زمناً ضائعاً لديهم ومعوقة لسير المجتمع نحو النهضة الإسلامية الشاملة ، عليه أن ينظر إلى البرامج والأنشطة الترفيهية التي يمارساها كثيرٌ من أفراد المجتمع المسلم ، حيث تحولت هذه البرامج والأنشطة إلى هدر للطاقات وتسطيح للمفاهيم والأفكار ، بل وأحياناً للهدم سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي .
وهذا الواقع يؤكد ضرورة العمل على تصحيح مفهوم وقت الفراغ في تصورات أفراد المسلمين ، وإبراز حقيقة مهمة في حياة الفرد المسلم وهي أنه لايمكن وجود وقت خال في حياة المسلم ليس فيه وظيفة للدنيا أو للآخرة ، وحتى إن كانت للدنيا فهي للتزود والتقويّ بها على أمور الآخرة ، كما ينبغي ضرورة تبصير المسلمين أنه لايمكن تصور وجود وقت زائد عن حاجة المسلم يكون فيه متحررٍاً من القيود ، أو التكاليف الشرعية .

للأعلى


المبحث الثالث: مفهوم الترويح وآثاره
المبحث الثالث
مفهوم الترويح وآثاره

يدور معنى كلمة الترويح في أصلها اللغوي على السعة و الانبساط وإزالة التعب ورجوع النشاط إلى الإنسان ، وإدخال السرور على النفس بعد العناء ، ويقال : رجل أريحي ، أي : واسع الخلق نشيط ، وأراح الرجل ، أي : رجعت له نفسه بعد الإعياء ( ). وفي الحديث أن رسول الله () قال: (( يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها )) ( ) والأريحي: الرجل الواسع الخلق ( )
وتتعدد تعريفات المختصين للترويح وتتباين باختلاف نظرة من يقوم بتعريفه ، ومن هذه التعاريف أن الترويح هو:
- إعادة إنعاش الروح وإحياء القوة بعد تعب .
- إدخال السرور على النفس .
- نشاط ذو فائدة ما .. يمارس اختيارياً في أثناء وقت الفراغ بدافع ذاتي من الرضا الشخصي الذي ينتج عنه .
- النشاط الذي يختاره الفرد ليمارسه في وقت فراغه .
- مزاولة أي نشاط في وقت الفراغ بهدف إدخال السرور على النفس دون انتظار أي مكافأة . ( ) .
و يمكننا تحديد مفهوم أدق لمصطلح الترويح من المنظور الشرعي بأنه : } نشاط هادف وممتع لإنسان ويمارسه اختيارياً وبرغبة ذاتية وبوسائل وأشكال عديدة مباحة شرعاً ، ويتمّ في أوقات الفراغ { .


آثار الترويح :

يكتسب الترويح أهميته من الآثار المترتبة عليه ، فمن الآثار التي ينتجها الترويح تكون الدوافع لدراسته والاهتمام به، ومما يلاحظ في معظم الدراسات أنها تربط دائماً بين الانحراف والترويح، وكأن الترويح لا يُولّد إلا انحرافاً، أو كأنما الانحراف نتيجة لازمة من نتائج الترويح ، وخاصية أساسية من خصائصه. وليس ذلك بصحيح ، فبقدر ما يحمل الترويح من آثار سلبية ، فهو في الوقت نفسه ينتج لنا آثاراً إيجابية ، بل إن إيجابياته أكبر وأسهل تحصيلاً لمن يوفقه الله إلى ذلك ، وبخاصة إذا تعاملنا معه وفق النظرة الشرعية بضوابطها وأهدافها التي سترد لاحقاً.


الآثار الإيجابية المترتبة على الترويح:
هناك العديد من الآثار الإيجابية المصاحبة للعملية الترويحية بشتى صورها وأشكالها ، إلا أننا نجد أن لكل شكل من الأشكال ، و لكل منشط من المناشط الترويحية المختلفة التي يمارسها الإنسان فوائد محددة ، ومن ذلك:

1 ) إشباع الحاجات الجسمية للفرد : ويتم ذلك بممارسة الرياضة البدنية وليس بمشاهدتها فقط ، كما يحدث بين نسبة كبيرة من أفراد المجتمع ، حيث تؤدي ممارسة الرياضة البدنية بشتى أنواعها غالباً إلى إزالة التوترات العضلية وتنشيط الدورة الدموية، وتحسين الأجهزة الرئيسة بالجسم : كالجهاز التنفسي والهضمي ، إضافة إلى اكتساب قوام معتدل .
2 ) إشباع الحاجات الاجتماعية للفرد : فمن المعلوم أن معظم الأنشطة الترويحية تتم بشكل جماعي ، وهذا يساعد الفرد حين ممارستها على اكتساب الروح الجماعية والتعاون والانسجام والقدرة على التكيف مع الآخرين ، وهذا يؤدي إلى تكون علاقات اجتماعية ناجحة مع الآخرين وإلى نمو اجتماعي متوازن .
3 ) إشباع الحاجات العلمية والعقلية للفرد : وهذا يتأتى من خلال الأنشطة الترويحية الابتكارية التي يمارسها الفرد في حياته اليومية ، فهذه الأنشطة تؤدي في الغالب إلى تنمية القدرات العقلية والتفاعل الإيجابي مع المواقف المختلفة ، كما تساعد هذه الأنشطة الترويحية الابتكارية على تطوير القدرة الإدراكية والاستيعابية للمواقف المختلفة .
4 ) قد تكون الأنشطة الترويحية عاملا مساعداً في رسم مهنة المستقبل للفرد من خلال تنمية مهاراته وقدراته التي غالبا ما تبدأ بهواية يمارسها الفرد في حياته اليومية، ثمّ ينميها ويطورها حتى تنتهي بمهنة يحترفها في المستقبل .
5 ) تساعد الأنشطة الترويحية على اكتشاف العديد من السجايا والأخلاق والطباع التي يحملها الأفراد،إذ غالباً ما يكون الفرد على سجيته ودون تصنع أو تكلف في أثناء ممارسته للترويح .
6 ) الأنشطة الترويحية قد تكون منشطة للحركة الاقتصادية في المجتمع من خلال جعل الأنشطة والبرامج الترويحية موارد استثمارية ، وبخاصة إذا تم التعامل معها وفقاً للنظرة الشرعية للترويح،وإلا أصبحت ذات آثار سلبية.
7 ) تساعد الأنشطة الترويحية على إحداث مزيدٍ من الترابط الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة حين ممارستها بشكل جماعي وبشرط أن تكون تلك الأنشطة ذات صبغة إيجابية تفاعلية ، أما إذا كانت البرامج الترويحية سلبية أو استقبالية محضة ، مثل : مشاهدة التلفزيون فقط ، فهذه الممارسات الترويحية قد تؤدي إلى عكس النتائج الإيجابية المتوقعة ، فكلما ارتفعت نسبة المشاركة بين أفراد الأسرة في الأنشطة الترويحية أدى ذلك إلى مزيد من التماسك الأسري ( ) .
8 ) تؤدي الأنشطة الترويحية ـ إذا أحسن الإنسان استثمارها وممارستها بشكل إيجابي ـ إلى زيادة الإنتاجية لديه ، إذ تُعد هذه الأوقات فرصة لالتقاط الأنفاس ، و التروح فيها مما ينعكس بأثره الإيجابي على فعاليات الفرد ونشاطه وحيويته حال عودته للعمل .


ثانياً : الآثار السلبية المترتبة على الترويح :

1 ) يرى كثير من الباحثين أن الترويح عاملٌ رئيسٌ في انحراف الأحداث ، وأنه يؤدي دوراً لا يستهان به في حياتهم ، ويستندون في ذلك إلى العديد من الدراسات والأبحاث التي تربط بين الانحراف من جانب ومتغيرات الترويح ، وهذه المتغيرات يُقصد بها مكان الترويح ، وزمانه ، والمشاركين فيه ( ).
2 ) يؤدي الترويح إذا تمّ استغلاله بشكل سلبي إلى وجود حالة من الملل في حياة الفرد ، إذ لا يُتصور حياة لا يمارس فيها عمل ، لا للدنيا ولا للآخرة ، وهذا الملل ينقل الفرد إلى حالة من القلق .
3 ) ممارسة الأفراد أو المجتمعات للترويح بشكل كبير قد يدفع بالمجتمع إلى وضع استهلاكي ضارّ ، إذ تنصرف نسبة كبيرة من موارده إلى جوانب كمالية زائدة عن حاجته ، إذ ممارسة الترويح في الغالب تنصبغُ بالصفة الاستهلاكية غير المنضبطة مادياً .
4 ) بعض الأنشطة الترويحية تؤدي إلى تغيرات اجتماعية ذات صبغة سالبة ، فمنها على سبيل المثال ما أحدثه التلفاز في أنماط الاجتماعات العائلية والأسرية فلم تعد تجمعات الناس مع وجود التلفاز ذات طبيعة جماعية كما كانت سابقا ، فهو يوحدهم شكلياً ولكنه من الناحية السيكولوجية يفرق ويقطع الصلات بينهم . وهذا التجمع المادي الجسدي لا يكفي لتحقيق التقارب الاجتماعي .
وتلك الآثار المترتبة على الترويح سواء الإيجابي منها ، أو السلبي تتضافر عدة جهات في صنعها في حياة الأفراد . فلكل من الأسرة ، والمدرسة ، والمجتمع بشكل عام دور في هذه الآثار، فنجد أن من مهام الأسرة التربوية لأفرادها تعليم أبنائها كيفية الاستفادة من الترويح، والعمل على استثماره الاستثمار الصحيح واستغلاله في ممارسة الأنشطة الإيجابية الابتكارية . بالإضافة إلى تهيئة الوسائل الترويحية المناسبة لهم من الناحية العمرية ، والشرعية ، والتربوية ومشاركة الأبوين للأبناء في الترويح ، وبذلك نستطيع أن نضمن وجود الآثار الإيجابية له وتجاوز آثاره السلبية ، وبخاصة أن العديد من الدراسات تؤكد أنه كلما زادت ممارسات أفراد الأسرة الواحدة مع بعضهم البعض للأنشطة الترويحية كان ذلك محدثاً لمزيد من الترابط الأسري بين أفرادها ( ) .
أما المدرسة فدورها لايمكن إغفاله في تربية الطلاب على حسن التعامل الأمثل مع الترويح وتحقيق الآثار الإيجابية من خلال ممارسة الأنشطة الترويحية الإيجابية و الابتكارية ، وتهيئة الظروف المكانية والزمانية المناسبة لتحقيق ذلك للطلاب
أما المجتمع بشكل عام فدوره في صنع تلك الآثار الإيجابية للترويح يتحقق من خلال إيجاد المناخ الترويحي السليم بتهيئة وسائل الترويح الإيجابية المتمشية مع نظم المجتمع وقواعده وإيجاد الأماكن الترويحية المأمونة التي تعمل على جذب أفراد المجتمع لها وكل ذلك يتأتى بمراعاة الضوابط الشرعية عند تهيئة تلك الوسائل الترويحية والأماكن الخاصة بها ، أو حين استجلاب أي نوع مستحدث من الممارسات الترويحية .


أسباب التباين في ممارسة الترويح

تختلف الأنشطة الترويحية التي يمارسها الأفراد في حياتهم اليومية وذلك بتأثير من متغيرات عدة مباشرة وغير مباشرة ، كما أن دوافع ممارسة الترويح وأسبابه ، تختلف من فرد إلى آخر ومن بيئة إلى بيئة أخرى ، وأبرز تلك العوامل المسببة لهذا التباين ما يلي :
أ ـ الجــنس : تختلف الأنشطة الترويحية باختلاف الجنس ، فالذكر له أنشطة ترويحية تناسبه ، كما أن للأنثى أنشطة اُخَر تناسبها ، فالذكور يميلون إلى الأنشطة ذات الطابع البدني التنافسي ، في حين تقبل الإناث على النشاطات الترويحية الهادئة التي تُمارس غالباً في المنزل أو مع الصديقات . ومنشأ هذا التباين في الأنشطة الترويحية طبيعة كل منهما ، ويظهر هذا الاختلاف بشكل جلي وواضح في المجتمعات المسلمة التي تراعي ذلك الأمر .
ب ـ العمــــر: يؤثر العمر في تحديد نوع النشاط الترويحي، فالأطفال لهم أنشطتهم الخاصة ، وفي الغالب أنها ذات طابع حركي مستمر ومتواصل ، في حين تكثر الأنشطة الثقافية والقراءة والرحلات بين البالغين ، بينما تمتاز أنشطة فئة الشباب بالتنوع، إلا أن الجانب الرياضي والرحلات البرية تطغى عليها .
جــ المستوى التعليمي : يتدخل المستوى التعليمي بشكل كبير في تحديد النشاط الترويحي الذي يمارسه الأفراد خلال أوقات فراغهم، فالقراءة مثلاً سنجدها تكثر بين ذوى المستويات التعليمية المرتفعة.
د ـ المستوى الاقتصادي للأفراد : ويؤثر هذا العامل من خلال القدرة على تهيئة ، وتوفير الوسائل والأدوات التي من خلالها يمارس الفرد الأنشطة الترويحية ، فالرحلات الخارجية والسفر والسياحة قد لا تتحقق لأصحاب الدخول المنخفضة.
هــ مقدار وقت الفراغ : وهذا العامل يؤثر بشكل كبير، و أساسي في تحديد نوعية النشاط الترويحي ، إذ هناك من الناس من ينصرف عن ممارسة نشاط معين لأنه يحتاج إلى وقت فراغ كبير قد لا يتوفر له.
و ـ مكان الترويح ونوعية المشاركين: إذ غالباً ما يتأثر الفرد بمن حوله ويندمج معهم في ممارسة النشاط الترويحي لمجرد أنه يشاهد غيره يمارسه .
ز ـ المستوى الاقتصادي والمادي للمجتمع : لكل مرحلة من مراحل نمو المجتمع الاقتصادية ما يناسبها من الأنشطة الترويحية ، فإن كان المجتمع يمر بمرحلة تدهور اقتصادي فهذا الوضع الاقتصادي المتردي سيجعله يُمارس أنشطة ترويحية تختلف عن الأنشطة الترويحية التي سيُمارسها حين ظهور تحسن اقتصادي ورخاء مادي، فمقدار الدخل السنوي للأفراد ومستوى المعيشة للمجتمع بشكل عام له أثره في بروز أنشطة ترويحية والتركيز عليها دون غيرها .
ح ـ خصوصية المجتمع العقدية والثقافية : إن طبيعة المجتمع وخصائصه العقدية والثقافية التي تميزه عن المجتمعات الأُخَر لها دور كبير وهام في تحديد نوعية الأنشطة الترويحية التي يمارسها أفراده ، و لايمكن إغفال دورها في ظهور أنشطة ترويحية تتناسب وطبيعة ذلك المجتمع ، كما تؤدي هذه الخصوصية للمجتمع إلى اختفاء أنشطة ترويحية اُخر، وسيرد الحديث مفصلاً عن هذا الجانب المهم في مبحث مستقل بإذن الله .

للأعلى


المبحث الرابع: الترويح في الإسلام
المبحث الرابع
الترويح في الإسلام

يُعد الترويح في الإسلام أمراً مشروعاً ، بل ومطلوباً، طالما أنه في إطاره الشرعي السليم المنضبط بحدود الشرع التي لا تخرجه ـ أي الترويح ـ عن حجمه الطبيعي في قائمة حاجات النفس البشرية ، فالإسلام دين الفطرة ، ولا يتصور أن يتصادم مع الفطرة ، أو الغرائز البشرية في حالتها السوية .
ومن هنا فقد أجاز الإسلام النشاط الترويحي الذي يعين الفرد المسلم على تحمل مشاق الحياة وصعابها، شريطة ألا تتعارض تلك الأنشطة مع شيء من شرائع الإسلام ، أو يكون فيها إشغال عن عبادة مفروضة ، والأصل في ذلك الحديث الذي يرويه حنظلة () (( أنه قال: لقيني أبوبكر الصديق () فقال: كيف أنت ياحنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله! ما تقول ؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله () يذكرنا بالنار والجنة حتى وكأنا رأي العين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله () عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً ، قال أبوبكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا فانطلقت أنا وأبوبكر الصديق حتى دخلنا على رسول الله (). قلت: نافق حنظلة يا رسول الله ، فقال رسول الله () : وما ذاك ؟ قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً . فقال رسول الله (): والذي نفسي بيده أن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن ياحنظلة ساعة وساعة ـ ثلاث مرات ـ )) ( ).
ولاشك أن إقرار الرسول () لتأثر نفس حنظلة () المؤمنة وتقلبها بين مجالات الجد وأنماط العبادات من جهة ، وبين متطلبات النفس من مرح وانبساط من جهة أخرى ، هو اعتراف ودليل سماوي على اعتبار الترويح والترفيه ، وأنه من كمالات النفس ولوازمها الأساسية لأداء حقوق الخالق والمخلوق . ( )
كما أكدت السنة المطهرة مبدأ الترويح في حياة المسلم ،وانه ــ أي الترويح ــ حق من حقوق الجسم على الإنسان ينبغي أن يأخذه بعين الاعتبار وهو يقطع مشوار حياته الدنيا ، ومن ذلك ما ورد في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص () الذي رواه الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه أن رسول الله () قال له: ((يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل . قال : بلى يا رسول الله. قال : فلا تفعل ، صُم وأفطر وقُم ونم فإن لجسدك عليك حقاً وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا )) ( ) . ويتضح من الحديث مطالبة المسلم بالتوازن في تلبية مطالب الجسم البدنية ،والروحية ،والصحية .
ويوجد العديد من الآثار التي تؤكد على مراعاة الإسلام لمبدأ الترويح في حياة السلم ، ومن ذلك الأثر الذي يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله: (( روحوا القلوب ساعة وساعة))( ).
و من الآثار المؤكدة لمبدأ الترويح في الإسلام ما يروى عن علي (): (( أجموا هذه القلوب والتمسوا لها طرائف الحكمة فإنها تمل كما تمل الأبدان )) ( ) ، وما يروى عن ابن مسعود () أنه قال : (( أريحوا القلوب ، فإن القلب إذا أكره عمي )) .
وهكذا كان أصحاب رسول الله () في حياتهم العادية فيعطون أنفسهم حقوقها من الراحة والترفيه ، ففي الأثر الذي يرويه البخاري: (( كان أصحابه () يتبادحون بالبطيخ فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال )) ( ).
وفي هذه الأحاديث عن الرسول () ، والآثار الواردة عن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ دلالة على مراعاة الإسلام لحق النفس في الراحة وإعطائها حقها من الترويح المباح طالما أن تلك الممارسات الترويحية ضمن الإطار الشرعي ، إضافة إلى كونها داخل الحدود المقبولة اجتماعياً وليست من التصرفات المستهجنة أو المستقبحة .
والإسلام حين يقر الجانب الترويحي في حياة المسلم فهو ينطلق من مراعاته للفطرة البشرية السوية ، وتلبية للغرائز الطبيعية التي أودعها الله عز وجل في النفس البشرية ، فالإسلام يتعامل مع واقع الإنسان وظروفه وليس معنى ذلك الرضا بواقع الإنسان أياً كان ، بل هو يراعي طبيعة الإنسان الضعيفة وحقيقة واقعها اليومي والحياتي الذي تعيشه .
والمنطلق الآخر الذي تنطلق منه مشروعية الترويح في الإسلام هو : شمولية هذا الدين بتشريعاته لجميع جوانب حياة الإنسان الجسمية ، والروحية ، والعقلية ، والنفسية، والاجتماعية ، والغريزية ، فالشمول إحدى خصائص هذا الدين العظيم وميزاته .
ومن هنا اعترف الإسلام انطلاقاً من واقعيته وشموليته بحق البدن في أخذ نصيبه من الراحة والاستجمام ، كما اعترف بحق الروح في أن تنال حظها من الترويح والترفيه ليقوي كل منهما الآخر على تحقيق العبودية لله بمعناها الشامل .
ومما لاشك فيه إن الأصل في الترويح أن يتلازم مع وقت الفراغ ويُمارس فيه، كما يجب أن يكونا متعادلين في الكمية فلا يطغى أحدهما على الآخر ، ففي زيادة وقت الفراغ في حياة الإنسان وتركه دون استغلال فإنه يتحول إلى مشكلة ، وفي زيادة الترويح على أوقات الفراغ تصبح الحياة لهواً ولعباً.
لذا نجد أن (( الإسلام يُقوّم عمر الإنسان في هذه الحياة الدنيا بأنه أسمى وأغلى من أن تضيع فقراته بين لهو عابث سخيف لا قيمة له ، ولعب باطل لا يأتي من ورائه بمنفعة دنيوية عظيمة ولا أخروية نبيلة ، فهو مسئولية في عنق المسلم يحاسب عليه يوم القيامة )) ( ).
وهذا ما جعل الصحابي الجليل معاذ بن جبل () يقول: إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي ، وكذا ما ورد عن أبي الدرداء () في قوله : إني لاستجم لقلبي بالشيء من اللهو ، ليكون أقوى لي على الحق . وهذا يعني أن الترويح يمكن أن يكون له بُعدً تعبدي إذا احتسبه الإنسان قربة لله ، أو ليتقوى به على الطاعة .
وعلى ذلك تصبح جميع حياة المسلم تعبدية مادام أنها مقترنة بالنية الصالحة، حتى في الجماع مع الزوجة فلقد ورد في الحديث أن الرسول () قال: (( ... وفي بضع أحدكم صدقة ، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ فقال : أرأيتم لو وضعها في الحرام أليس كان يكون عليه وزر؟ قالوا : بلى . قال : فكذلك إذا وضعها في الحلال له الأجر )) ( ).

للأعلى


المبحث الخامس: ضوابط الترويح في المجتمع المسلم
المبحث الخامس
ضوابط الترويح في المجتمع المسلم

يتصف كل مجتمع بخاصية تميزه عن غيره من المجتمعات الاُخر، وتنبع تلك الخاصية من روافد عدة ، أهمها وأبرزها الدين الذي يعتنقه ذلك المجتمع ، وغالباً ما تتشكل بناء عليه العديد من العادات والتقاليد والأعراف التي تتكون على آماد طويلة لتُصبح جزءًا لا يتجزأ من كيان المجتمع ونسيجه الخاص به، وبالتالي يقوم أفراد المجتمع بممارستها وتبنيها والدفاع عنها.
ولهذا فإنه من الخطأ أن ننظر للمجتمع بمعزل عن هذه الخصوصية التي يتميز بها ، كما لايمكن تجاهلها حين التعامل مع الظواهر الاجتماعية التي يزخر بها . وغالباً ما يكون لعقيدة المجتمع دور في تحديد خصوصيته ، فهناك عملية تفاعل متبادلة بين عقيدة المجتمع ، وبين الأنشطة الترويحية التي تُمارس فيه .
وتعد الأنشطة الترويحية التي يمارسها أفراد المجتمع ظاهرة اجتماعية تتأثر ـ كغيرها من الظواهر الاجتماعية الأُخَر ـ بقيم المجتمع العقدية والثقافية، والأفكار، والعادات، والتقاليد ، وغالباً ما تكون الأنشطة الترويحية السائدة في المجتمع نابعة منها أو متأثرة بها . ( )
وعلى ذلك فإن الترويح إذا لم يستمد وسائله من البيئة التي يوجد فيها فإنه يصبح عاجزاً عن العطاء ، وعاجزاً عن تحقيق الأهداف التي يسعى إليها المجتمع ، ويقصد بالوسائل التي ينبغي أن يستمده الترويح :

• الوسائل المادية مثل الموارد المتاحة من البيئة الطبيعية ، ومن الواقع المحلي .
• الوسائل غير المادية المتأثرة بالبعد : العقائدي ، والثقافي ، والفكري للمجتمع ( ).
ومن هنا فلا يمكننا أن نتعامل مع الأنشطة الترويحية التي يمارسها الإنسان خلال وقت الفراغ في أي مجتمع من المجتمعات بمعزل عن تلك الخصوصية التي يتميز بها المجتمع، وبخاصة عند وضع الخطط للمناشط الترويحية فيه، أو رسم برامجها ، أو تصميم المنشآت التي يمارس فيها أفراد المجتمع الأنشطة الترويحية التي يرغبها ، لأجل ذلك نجد أن العديد من الدراسات تؤكد على ضرورة مراعاة خصوصية كل مجتمع وعدم التصادم معها عند التخطيط .
إننا عندما نراعي قيم المجتمع الذي نخطط برامجه الترويحية ، ونضع ذلك في اعتبارنا حين تصميم منشآت البرامج والأنشطة الترويحية ، ونأخذ بالاعتبار قيم المجتمع وأعرافه ، وعاداته وتقاليده ، فإننا نضمن النجاح التامّ لها بإذن الله ، بالإضافة إلى تحقيق أقصى فاعلية في الإنتاجية الاستثمارية للبرامج الترويحية التي نقدمها لذلك المجتمع . وبغير ذلك فإن الأمر لا يعدو أن يكون هدراً مالياً وبشرياً على حساب المجتمع .
لذلك لا عجب أن نرى فشل العديد من البرامج والأنشطة الترويحية التي يُخطّط لها في عالمنا الإسلامي ، وما ذلك إلا بسبب النقل الحرفي لأنماط غريبة عن مجتمعاتنا الإسلامية، ودونما مراعاة لخصوصية المجتمعات التي نُقلت منه هذه البرامج الترويحية ، أو التي نقلت إليه هذه البرامج، فقد يفشل البرنامج الترويحي نفسه الذي نجح نجاحاً كبيراً في مجتمع آخر والعكس صحيح ، وهذا يعود إلى التباين في المنطلقات العقدية ، والخلفية الثقافية للمجتمعات المنقول منها أو المنقول إليها .
ومما لاشك فيه أن المجتمع المسلم المعاصر يواجه سيلا من الأشكال والأساليب الترويحية وهي على قسمين:
أحدها : وفد لها من الخارج وفي بعضها ما يخالف قيم المجتمع وأعرافه وتقاليده .
والآخر : نابع من داخل المجتمع ومنطبع بقيمه وتقاليده وأعرافه .
وتتزايد تلك الأشكال والأساليب الترويحية يوماً بعد يوم ممّا يحتم وضع قواعد عامة وضوابط محددة تقاس عليها تلك المناشط والبرامج الترويحية لمعرفة مدى مناسبتها للمجتمع من عدمه . وحتى يحقق الترويح دوره كاملا في المجتمع المسلم ينبغي مراعاة عددٍ من الضوابط الشرعية والأخلاقية العامة التي يمكن إجمالها فيما يلي :

أولاً : ضوابط تتعلق بالنشاط الترويحي ذاته :
قبل ممارسة النشاط الترويحي لابد من التعرف على الحكم الشرعي فيه ، إذ توجد بعض الأنشطة الترويحية محرمة في الإسلام ابتداء ومن ذلك :
أ ـ النشاط الترويحي الذي يصاحبه أو يكون فيه سخرية بالآخرين ، أو استخفاف بهم ، أو لمزهم ، أو ترويع لهم . قال تعالى : { ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيرا منهم ولانساءٌ من نساءٍ عسى أن يكن خيراً منهن ولاتلمزوا أنفسكم و لاتنا**وا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هُمُ الظالمون } (الحجرات:آية11) . و قال الرسول() : ((لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولاجاداً ومن أخذ عصا أخيه فليرُدَّها ))( ) ، كما ورد عن الرسول() قوله (( لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً )) ( )

ب ـ النشاط الترويحي الذي يصاحبه أذية بقول أو فعل للآخرين ، أو ضرر بدني أو معنوي للآخرين . قال تعالى : {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير مااكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثماُ مبينا}(الأحزاب:الآية58) وللحديث المتفق عليه أن رسول الله () قال:(( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ))( ).
ج ـ النشاط الترويحي المحتوي على الكذب والافتراء لحديث الرسول () (( ويل للذي يحدث فيكذب ليُضحك به القوم، ويل له ، ويل له )) ( ).
د ـ المناشط الترويحية القائمة على المعازف أو الموسيقى لورود الأدلة على عدم جوازها، ومن ذلك قول الرسول (): (( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف )) ( ). وفي الحديث أن كل ما ذكره () حرام ، إلا أن قوماً من أمته يستحلونها وهي محرمة ومن ذلك المعازف ( ).
هـ ـ المسابقات القائمة على اتخاذ الحيوانات غرضاً يرمى، للحديث المتفق عليه الذي رواه ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : (( أن رسول الله () لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً )) ( ).
و ـ الترويح القائم على التحريش بين البهائم، كما يحدث في بعض المجتمعات عند تنظيم مسابقات المناطحة بين البهائم ، أو المناقرة بين الديوك، لحديث ابن عباس () : (( أن رسول الله () نهى عن التحريش بين البهائم )) ( ). والتحريش هو: إغراء وتحريض البعض على الآخر ومما يؤسف له أن مثل هذه الممارسات مازالت قائمة في بعض الدول الإسلامية ، وينظم لها المهرجانات الشعبية ويُحتفى بها على المستوى الرسمي والشعبي ، ولاشك أن في تلك الممارسة الترويحية تقليدا للكفار ، ومخالفة للشرع .
ز ـ المسابقات التي يستخدم فيها أدوات أو وسائل ورد النص الشرعي الصريح بتحريمها مثل اللعب بالنرد ، لما رواه سليمان بن بريدة عن أبيه ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي () قال : (( من لعب بالنردشير( ) فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه )) ( ). وعند الإمام مالك في الموطأ ( أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ بلغها أن أهل بيت في دارها كانوا سكانا فيها وعندهم نرد فأرسلت إليهم لئن لم تخرجوها لأُخرجنكم من داري وأنكرت ذلك عليهم …) ، كما روى الإمام مالك ــ رحمه الله ــ في الموطأ ( أن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أنه إذا وجد أحدا من أهله يلعب بالنرد ضربه وكسرها). ( ) .


ثانياً : ضوابط تتعلق بالمشاركين في الترويح :


من المعلوم إن معظم الأنشطة الترويحية التي يُمارسها الفرد تكون بشكل جماعي ومع آخرين، وهذا يؤكد وضع عدد من الضوابط التي تتعلق بجماعة الترويح المشاركة للفرد في الأنشطة الترويحية ، ومنها :
أ ـ التأكد من خيرية تلك الجماعة ، فالرفقة السيئة لها دورها السلبي الذي لا يُنكر على الفرد ، كما قال الرسول () : (( الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )) ( ) .
ب ـ عدم الاختلاط بين الجنسين يقول الله عز وجل: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون  وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولايبدين زينتهن إلا ماظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن .. } الآية (النور: أية 30 ـ 31 ) . و للحديث الذي يرويه أسامة بن زيد () أن رسول الله () قال : ((ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)) (متفق عليه ) ( ) ، ولا يخفى على اللبيب ما يؤدي إليه الاختلاط بين الرجال والنساء من مفاسد سلوكية وأخلاقية تئن منها المجتمعات التي عاشت الاختلاط ، إضافة إلى أن ما يناسب الذكور من الترويح في الغالب لا يناسب الإناث.


ثالثاً : ضوابط تتعلق بوقت الترويح :

ومن تلك الضوابط المرتبطة بوقت ممارسة الترويح ما يلي :
أ ـ يجب ألا يكون الترويح في الوقت المخصص لحقوق الله ، أو حقوق الناس ، فلا ترويح في أوقات الصلاة مثلا لما فيه من اعتداء على حقوق الله لقوله عز وجل {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } ( البقرة : أية 238)، ولحديث ابن مسعود () (( أن رجلا سأل النبي (): أي الأعمال أفضل . قال: الصلاة لوقتها وبر الوالدين ثمّ الجهاد في سبيل الله )) ( ) .
وكذلك لا يمكن تصور ممارسة للترويح في الأوقات المخصصة للعمل، إذ فيه اعتداء على حقوق الناس ، وهذا مما لا يجوز شرعا ، بل يأثم به الإنسان .
ب ـ عدم الإفراط في تخصيص معظم الأوقات المباحة للترويح ، فالاعتدال والتوسط من خصائص هذا الدين و سمة أساسية من سماته .


رابعاً : ضوابط تتعلق بمكان الترويح :

من أبرز الضوابط التي يلزم مراعاتها فيما يتعلق بمكان الترويح ما يلي :
أ ـ عدم إلحاق الأذى بذات المكان أو منشآته فأمكنة الترويح حق مشترك بين جميع الناس ، فمن أفسد على الناس أمكنة ترويحهم فقد اعتدى عليهم ، والرسول () يقول : (( اتقوا اللعَّانين. قالوا : وما اللعَّانين يا رسول الله ؟ قال : الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم )) ( )
ب ـ عدم مضايقة المقيمين في المكان ، أو العابرين من خلاله إن كان طريقا عاما أو ساحة يستفيد منها عامة الناس ، كذلك عدم مضايقة المستفيدين الآخرين من أمكنة الترويح العامة التي يشترك في الاستفادة منها مجموعة من الأفراد، وهذا ينطبق على البراري ، والمنتزهات السياحية ، والساحات العامة ؛ لقوله تعالى: { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير مااكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثماُ مبينا } ( الأحزاب : الآية 58) ولحديث ((.. فمن أحب أن يُزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يُحب أن يؤتى إليه ... )) ( )
جــ اختيار المكان المناسب لكي يقوم الإنسان بالعملية الترويحية، وذلك حسب نوع الترويح وطبيعة الممارسة الترويحية، فما يصلح من الترويح في الساحات العامة قد لا يصلح أن يمارس في المنزل والعكس بالعكس ، فبعض المناشط الترويحية لا يمكن أن يمارسها الفرد إلا في أماكن مخصصة لها .

خامساً: ضوابط تتعلق **ي الترويح:

ويقصد بذلك الالتزام باللباس الشرعي وفق ما حدده الشارع ، سواء للذكر أو الأنثى ، فعورة الرجل من السرة إلى الركبة ، للحديث الذي يرويه محمد بن عبد الله بن جحش () قال : كنت مع رسول الله () فمر على معمر () وهو جالس عند داره بالسوق وفخذاه مكشوفتان فقال () : ((يامعمر غط فخذيك فإن الفخذين عورة )) ( ) ، والمرأة كلها عورة بحضرة رجال غير محارم لها ، إلا أن تكون من القواعد من النساء لقوله () (( المرأة عورة وأنها إذا خرجت استشرفها الشيطان ، وأنها أقرب ما تكون إلى الله وهي في قعر بيتها))( ).

سادساً : ضوابــط عامــــة :
أ ـ مراعاة الأخلاق العامة حين ممارسة الترويح ، مثل تجنب الغضب والكلام البذي والغش ومثيرات العداوة والبغضاء بين المشاركين في المناشط الترويحية ، وكذلك من المنهيات في العملية الترويحية التعدي على الآخرين .
ب ـ مراعاة التنوع في الترويح ، فلا يُركز على أحد الجوانب الترويحية دون الجوانب الأُخَر ، فلكل جانب من مكونات الجسم حقه في الاستفادة من العملية الترويحية
جـ ـ مراعاة الصحة العامة والنظافة والحفاظ على البيئة من التلوث بشكل عام في جميع الممارسات الترويحية .
د ـ منع الصرف الزائد على الجوانب الترويحية وإعطاء كل ذي حق حقه في الصرف .
هـ ـ عدم التبعية وتقليد الآخرين في استجلاب أنماط ترويحية لاتتوافق وقيم المجتمع المسلم ، فإن ما يصلح للكفار من أنماط ترويحية متسقة ومستمدة من قيمهم ودينهم لا يصلح للمسلمين لحديث عبد الله ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله () قال : (( من تشبه بقوم فهو منهم )) ( ) .
والمطالبة بعدم التقليد والتبعية لاتعني عدم الاستفادة من الآخرين ومما لديهم ، بل المقصود ضبط هذه الاستفادة وإخضاعها للمراقبة والتقويم ، وتكييف هذه الأنشطة الترويحية المجلوبة من الخارج لتتوافق مع قيم المجتمع وثقافته .
ومما لاشك فيه أن المجتمع المسلم في حالة أخذه بتلك الضوابط فإنه يعمل بشكل مباشر على إنجاح برامجه الترويحية ، لأنه أخذ في الاعتبار الخصوصية التي يتميز بها عن غيره من المجتمعات على سطح الأرض ، وهذا بدوره يؤدي إلى تحقيق النتائج المتوقعة من البرامج الترويحية وليس هذا فحسب ، بل ستكون في أقصى درجات الإيجابية على الفرد وعلى المجتمع بصفة عامة، فضلا عن تحقيق التوازن في حياة الفرد ، والمجتمع المسلم في أوضح صوره ومعانيه ، إضافة إلى الاقتراب من التكامل في حياة المجتمع المسلم ، وتحقيق المقاصد المستهدفة من التواصي بالحق والتواصي بالصبر .
ولقد غفل عن هذا المبدأ المهم في عملية التخطيط للبرامج الترويحية ــ وهو مبدأ الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المجتمع ــ بعض من كتب في الأنشطة الترويحية وأوقات الفراغ ، إضافة إلى إهمالهم بعض الضوابط السابقة مما يجعلنا نحكم بفشل تلك البرامج وعدم مناسبتها بشكلها المطروح دونما تعديل . ومما يؤسف له أن معظم كتب الترويح العربية تورد أنشطة لا تتناسب والمجتمع المسلم ، فقلما نجد كتاباً من الكتب المذكورة يخلو من الحث أو التشجيع على ممارسة الموسيقى والعزف والغناء والرقص وإقامة نوادي لها ، بل واعتبارها جانباً هاماً في العملية الترويحية، على الرغم من ورود الأدلة العديدة والصريحة في تحريمها .
كما تقوم بعض هذه الكتب بالحث على ممارسة المراسلة بين الجنسين ، وكذلك الدعوة إلى أنشطة سلبية وضارة بعيدة كل البعد عن الفائدة والابتكار، بل هي تبعية وتقليد محض ، وذلك مثل الحث على جمع الأزاريـر ، أو إقامة حفلات أعياد الميلاد والحفلات التنكرية وحفلات الأزياء .
وبالجملة ينبغي أن تُراعى بعض القواعد الرئيسة حين التخطيط للأنشطة الترويحية ، والبرامج الترفيهية في المجتمع المسلم ومن هذه القواعد والأسس ما يلي :
1) يجب أن تكون الأنشطة الترويحية التي يُخطط في المجتمع المسلم مباحة ومشروعة في الإسلام ، وألا تتعارض مع قواعده العامة .
2) أن تعمل الأنشطة الترويحية التي يُخطط لها في المجتمع المسلم على تحقيق الأهداف العليا للأمة الإسلامية .
3) أن تكون تلك الأنشطة الترويحية محققة للمصلحة العامة للأفراد والمجتمع بشكل عام ( ).
ففي ظل هذه الأسس والقواعد العامة التي تكون إطاراً عاماً تدور حول محوره الأنشطة الترويحية والبرامج الترفيهية التي يتم تخطيطها وتقديمها في المجتمع المسلم ولأفراده نضمن ـ بإذن الله تعالى ـ النجاح لهذه البرامج الترويحية وتحقيقها لأهدافها ، وحسن استغلال الوقت بصفته ثروة تمتلكها الأمة ضمن ما تمتلكه من ثروات ، أما بغير ذلك فإننا من المؤكد سنجد أنفسنا في تخبطات يمارسها المخططون لبرامج ترويحية وترفيهية تعجز عن تلبية حاجيات المجتمع المسلم وأفراده ، فضلا عن الآثار السلبية التي سيجنيها المجتمع اجتماعياً، واقتصادياً .


للأعلى


المبحث السادس: الترويح في العصر النبوي
المبحث السادس
الترويح في العصر النبوي

أولاً : أهداف الترويح في العصر النبوي

إن مما ينبغي ملاحظته في المناشط الترويحية التي كانت تُزاول في المجتمع الإسلامي الأول أنها كانت تستهدف في غايتها النهائية عدداً من المقاصد الأخروية وأخرى من الأهداف الدنيوية،ولم تكن هذه الممارسات الترويحية هدفها الترويح فحسب، بل يصاحب ذلك أهداف سامية اُخر ، ومن ذلك :

i ) تربية أفراد المجتمع المسلم على الجد ، وتهيئتهم لخدمة الإسلام من خلال ممارسة المناشط الترويحية، مثل : التدرب على المنازلة في الحرب، والرمي ، وركوب الخيل . وهذا واضح في الحديث الذي أخرجه مسلم عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ (( أن رسول الله () سابق بالخيل التي قد أُضمرت من الحفياء ، وكان أمدها ثنية الوداع. وسابق بين الخيل التي لم تُضمر من الثنية إلى مسجد بني زُريق وكان ابن عمر فيمن سابق بها))( ) . وكذلك في الحديث الذي يرويه مسلم عن عقبة بن عامر () أنه سمع رسول الله () وهو على المنبر يقول : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة } ألا إنّ القوة الرمي ، ألا إنّ القوة الرمي، ألا إنّ القوة الرمي )) قال النووي ـ رحمه الله ـ عند شرح الحديث : (( وفي الحديث فضيلة الرمي والمناضلة والاعتناء بذلك بنية الجهاد في سبيل الله تعالى ، والمراد بهذا كله التمرن على القتال والتدرب والتحذق فيه ، ورياضة الأعضاء )) ( ).
ii ) التودد إلى أفراد المجتمع المسلم، وتحبيبهم في الإسلام، كما في مشاركته () مع بعض الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في الرمي بالنبال ففي الحديث الذي يرويه سلمة بن الأكوع () ((أن رسول الله () خرج على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق فقال : أرموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً ، وأنا مع بني فلان لأحد الفريقين، فأمسكوا بأيديهم ، فقال : مالهم ؟ قالوا : وكيف نرمي وأنت مع بني فلان؟ قال: ارموا وأنا معكم كلكم))( ).
iii ) العمل على تحقيق الترابط الأسرى وتقويته والتحبب إلى الزوجة ، ومصداق ذلك ما ورد في مسابقته () لزوجه عائشة ـ رضي الله عنها ـ فعنها أنها قالت :(( خرجنا مع رسول الله () في سفر فنزلنا منزلا فقال لها : تعالي حتى أسابقك . قالت : فسابقته فسبقته ، وخرجت معه بعد ذلك في سفر آخر فنزلنا منزلاً فقال : تعالي حتى أسابقك . قالت: فسبقني ، فضرب بين كتفي وقال : هذه بتلك))( ) . وفي الحديث الذي أخرجه الدارمي أنه () قال : (( كل شيء يلهو به الرجل باطل إلا رمي الرجل بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنهن من الحق )) ( )
iv ) إعداد الإنسان المؤمن القوي بدنياً ونفسياً واجتماعياً ، و ذلك تحقيقا لحديث الرسول () (( المؤمن القوي خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ... )) الحديث ( )
v ) إظهار الفسحة في الدين ، وإبراز محاسن الإسلام وسماحته وتيسيره وحرصه على مراعاة النفس و حاجاتها ففي الحديث الذي أخرجه أحمد في المسند (( أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : إنها كانت تلعب بالبنات ، فكان النبي () يأتي بصواحبي يلعبن معي ، وقالت ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله () قال يومئذ : لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني بعثت بحنيفية سمحة )) ( ) .
vi ) إزالة ما قد يعتري المسلم من همّ أو غم في هذه الحياة الدنيا ، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله () قال : (( ما على أحدكم إذا ألح به همّه أن يتقلد قوسه فينفي به همّه )) ( ) والحديث يفيد اتخاذ ما يزيل الهم بوسيلة من وسائل الترويح المشروعة.
ومما يؤكد خيرية الهدف من وراء مزاولة الترويح في عصر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أنه لم ينقل وقوع اختلاف أو تشاحن بينهم بعد أو في أثناء الممارسات الترويحية التي يقومون بها .
ومن هنا ينبغي للمسلم استحضار هذه الأهداف عند العزم على ممارسة أي جانب من جوانب الترويح ، أو حين ممارسته للترويح بشتى أنواعه المشروعة ، ولابد من استصحاب النية الصالحة التي من خلالها يطلب بها الاقتداء بهدي الرسول () وصحابته الكرام ـ عليهم رضوان الله ـ خلال ممارسته للأنشطة الترويحية لينال بذلك الأجر في الآخرة والمنفعة الدنيوية ففي الحديث أن رسول الله () قال : (( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى … )) ( ) .


ثانياً : نماذج من الترويح في العصر النبوي

تقدم الحديث في أن معظم الكتب التي تناولت الترويح في وقتنا المعاصر لم تُعن بذكر الأنشطة الترويحية التي كان يُمارسها أفراد المجتمع المسلم في عهد الرسول () وكأن مجتمع الصحابة خالٍ من الممارسات الترويحية، في حين تشير العديد من المواقف والحوادث إلى وجود مثل هذه الممارسات الترويحية في المجتمع الإسلامي الأول .
وليس هذا فحسب ، بل كان الرسول () يمارس الترويح عن النفس مع زوجه ، ومع الأطفال ، ومع عامة الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ ، كما كان يحث على ممارسة بعضها الآخر ، وينظم بعض الأنشطة الترويحية بنفسه ، وسنعرض نماذج من الممارسات الترويحية التي كان الرسول () ، وصحابته ـ رضوان الله عليهم ـ يزاولونها في حياتهم اليومية .
وما ذكرت هنا إلا ليعلم وجودها من جانب، وليعلم أن دين الإسلام شامل بتعاليمه كافة جوانب حياة الإنسان المسلم ، فلقد تعددت المناشط الترويحية التي كانت تُمارس في المجتمع المسلم الأول ، ومنها ما يلي :

أ ـ المسابقة بالأقدام :
وهي رياضة بدنية منشطة للجسم بشكل عام ، وكان الرسول () يسابق بعض أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ كما سابق () زوجه عائشة ـ رضي الله عنها ـ وشجع على ممارسة هذا النشاط الترويحي بين الصحابة، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت : خرجنا مع رسول الله () في سفر فنزلنا منزلاً، فقال لها : تعالي حتى أُسابقك قالت : فسابقته فسبقته ، وخرجت معه بعد ذلك في سفر آخر فنزلنا منزلاً، فقال : تعالي حتى أسابقك قالت: فسبقني، فضرب بين كتفي وقال: هذه بتيك )) ( ).
ولقد كان () ينظم مثل هذه المسابقة بالأقدام بين الأطفال ، ففي الحديث أن عبدالله بن الحارث () قال : (( كان رسول الله () يصفُ عبدالله و عبيدالله وكثيرا من بني العباس، ثمَّ يقول : من سبق إليّ فله كذا وكذا ، قال : فيتسابقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلزمُهُم )) ( ) .
وكانت المسابقة بالأقدام أمرا معتادا بين الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فعندما قفل الرسول () وأصحابه من غزوة تبوك قالت الأنصار : السباق . فقال النبي () : إن شئتم ( )، فكأن الأنصار يستأذنون النبي () في المسابقة فيما بينهم ، وأذن لهم كما جاء في حديث سلمة بن الأكوع  في قصة رجوعهم أنه قال : (( … وكان رجل من الأنصار لا يُسبق شداً قال : فجعل يقول : ألا مُسابق إلى المدينة ، هل من مسابق ؟ فجعل يُعيد ذلك ، قال: فلما سمعت كلامه قلتُ : أما تكرمُ كريماً ولا تهاب شريفاً . قال : لا ، إلا أن يكون رسول الله () . قال: قلت : يا رسول الله بأبي أنت وأُمي ذرني فلأُسابق الرجل . قال : إن شئت . قال : قلت : اذهب إليك ، وثنيتُ رجلي فطفرت فعدوت ... فسبقته إلى المدينة )) ( ) .
وعند البيهقي ـ رحمه الله ـ أن عبد الله بن الزبير () قال: سابقني عمر بن الخطاب () فسبقته فقلت : سبقتك ورب الكعبة ، ثم سبقني فقال : وسبقتك ورب الكعبة ... )) الحديث ( ) .

ب ـ الفروسية والمسابقة بالإبل :
ومن ذلك عقد السباق بين الخيل ، وكان الرسول () ينظم ذلك بنفسه فلقد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ (( أن رسول الله () سابق بالخيل التي قد أضمرت من الحفياء ، وكان أمدها ثنية الوداع ـ والمسافة بينها من ستة إلى سبعة أميال ـ . وسابق بين الخيل التي لم تُضمر من الثنية إلى مسجد بني زُريق ـ وكانت المسافة بينها ميلاً أو نحوه ـ وكان ابن عمر فيمن سابق بها )) ( ) ، وكان () يعطي السابق في مثل هذه المسابقات جائزة على فوزه ، ففي الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد أن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : (( سبّق النبي () بين الخيل وأعطى السابق )) ( ) .
كما سابق الرسول () على الإبل ، فعند البخاري أن أنس () قال : ((كانت لرسول الله () ناقةٌ تسمى العضباء لاتُسبق فجاء أعرابي على قُعود فسبقها فشق على المسلمين فلما رأى ما في وجوههم ، قالوا : يارسول الله سُبقت العضباء . قال : إن حقاً على الله أن لا يرتفع من الدنيا شيءٌ إلا وضعه))( ) . وفي ذلك التصرف من رسول الله () التواضع الجمّ ، والأدب الرفيع ، ولا غرو في ذلك فهو القدوة في الأخلاق والسلوك عليه الصلاة والسلام .
وهذه المسابقات على الخيل والإبل مما شاع وكثرت ممارسته في عهده () وبين مجتمع الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ فقد روي ابن أبي شيبة أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا يسابقون على الخيل والركاب وعلى أقدامهم ( ) .

ج ـ المصارعة :
وهي من أشهر أنواع الرياضة البدنية في الإسلام ولقد كانت تُمارس من قبل أفراد المجتمع في الجاهلية ، و كانت حلبة المصارعة تحتل جانبا من جوانب سوق عكاظ الذي كانت قبائل العرب تقيمه كل عام ويُعد أكبر سوق سنوي يتجمعون فيه سنويا ، ولقد بلغ ولوع العرب بالمصارعة أن كانوا يتجمعون لمشاهدتها في أسواقهم السنوية، وكان من أشهر المصارعين عمر بن الخطاب () قبل إسلامه ( ) ، فجاء الإسلام وأقر هذه الممارسة الترويحية بين أفراد المجتمع بعد أن هذّب أساليبها واستبعد منها مالا يليق، فلم تكن المصارعة فيما سبق على الصورة الحالية وما تحمله من وحشية وتجاوز أخلاقي وسلوكي ، ولقد مارس النبي () هذه الرياضة ، ففي سنن أبي داود (( أن رُكانة صارع النبي () فصرعه النبي () )) ( ). وكان ذلك الموقف سبباً في إسلام رُكانة () ( ).
ولقد رُوي أن النبي () صارع أفراداً آخرين غير رُكانة منهم : أبو الأسود الجمحي ، وكان شديداً قوياً. كما كان الصغار من الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يتصارعون فيما بينهم،فقد صارع الحسنُ الحسينَ ـ رضي الله عنهما ـ بمرأى من رسول الله () ( ) .

د ـ الرمي :
ويكون بالسهام ، وهذا الأمر يُعد من أكثر الألعاب التي كان شباب الصحابة وشيوخهم ـ رضوان الله عليهم ـ يمارسونها ، ويحثون على تعلمها، وكيف لا يكون ذلك والرسول () مارسها وحث على تعلمها ، بل وحذر مَنْ تعلمها ونسيها بالإثم ففي الحديث الذي يرويه سلمة () (( أن رسول الله () خرج على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق ، فقال : ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً، وأنا مع بني فلان لأحد الفريقين ، فأمسكوا بأيديهم ، فقال : مالهم ؟ قالوا : وكيف نرمي وأنت مع بني فلان؟ قال: ارموا وأنا معكم كلكم))( ) ، وفي الحديث الآخر (( أن رسول الله () قال : من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا )) ( ) .
وكتب عمر الفاروق () إلى أبي عبيدة عامر بن الجراح (): (( أن علموا غلمانكم العوم، ومقاتلتكم الرمي )) ( )، وروي الهيثمي (( أن أنساً كان يجلس ويطرح له فراش ويجلس عليه ويرمي ولده بين يديه، فخرج يوماً وهم يرمون ، فقال : ياَبنيّ بئس ما ترمون ، ثمّ أخذ القوس فرمى فما أخطأ القرطاس )) ( ). وقال مصعب بن سعد () :كان سعد بن أبي وقاص يقول:(( عليكم بالرمي فإنه خير لهوكم )) ( ).

هـ ـ السباحة :
وهذا النوع من الممارسات الترويحية التي كانت موجودة في العصر الإسلامي الأول ، ولقد بلغت العناية بها لدى عامة المسلمين مبلغا كبيرا ، وورد عن الرسول () أنه قال :(( كل شيء ليس من ذكر فهو لغو ، ولهو أو سهو، إلا من أربع خصال : مشي الرجل بين الغرضين ، وتأديبه فرسه ، وملاعبته أهله ، وتعلم السباحة )) ( ) ،وهذا الفاروق () يوصي عماله بتعليم أولادهم السباحة والعوم ، فيكتب إلى أمير الشام (( ... وعلموا صبيانكم الكتابة والسباحة )) .
وكانت العرب في الجاهلية وأول الإسلام تطلق لقب (الكامل ) على من يحسن الكتابة والعوم والرمي . وقد اجتمعت هذه الخصال في أسيد بن حضير وسعد بن عبادة ـ رضي الله عنهما ـ .
ولقد ألَّف السيوطي ـ رحمه الله ـ وهو من علماء القرن التاسع الهجري كتابا في فضل السباحة والحث على تعلمها وممارستها ، وجَمعَ فيه الآثار التي وردت في فضل السباحة والحث عليها .
كما أورد السيوطي ـ رحمه الله ـ حديثين يؤكد فيهما أن الرسول () سبح بنفسه، فيذكر أن رسول الله () دخل هو وأصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ غديراً فقال : (( ليسبح كل رجل إلى صاحبه ، فسبح كل رجل منهم إلى صاحبه، حتى بقي رسول الله و أبو بكر فسبح رسول الله إلى أبي بكر حتى اعتنقه ، وقال : لو كنت متخذا خليلاً حتى ألقى الله لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبي )) ( ). والحديث الآخر الذي يرويه السيوطي قوله () : (( ... ههنا نزلت بي أمي وأحسنت العوم في بئر بني عدي بن النجار )) ( ) .

و ـ حمل الأثقال :
وهذه الرياضة لها دور كبير في تقوية عضلات الساقين واليدين والفخذين والبطن ، ولم ينكر الرسول () على من يُمارس هذا المنشط الترويحي لما فيه من جوانب ترويحية وإجمام للنفس ، إضافة إلى دورها في تقوية البدن لملاقاة الأعداء ومنازلتهم، ولقد رأى رسول الله () شبابا يرفعون حجرا ليروا الأشد منهم فلم ينكر عليهم ( ) . ومن المعلوم أن عدم إنكاره () عليهم فيه إقرار على ما كانوا يفعلونه ، ولو كان فيها محذور شرعي لنهاهم عليه الصلاة والسلام .
كما ورد في الخبر أن ابن عباس () مَرَّ بقوم يرفعون حجرا ولم ينكر عليهم ، فبعد أن مَرَّ بهم قال : ما شأنهم ؟ فقيل له: ينظرون أيهم أقوى . فقال ابن عباس () : عمال الله أقوى من هؤلاء ( ).

ز ـ وسائل ترويحية اُخَر :
وهي عديدة مثل : اللعب بالرماح والحراب، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت : (( رأيت النبي () يسترني بردائه ، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا الذي أسأم ، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن ، الحريصة على اللهو )) ( متفق عليه ) ( )، ومن الوسائل الترويحية كذلك : الصيد بالرماح والسهام والصيد بالطيور والكلاب المعلمة وهذه للكبار بخاصة .

ح ـ ألعاب خاصة بالأطفال :
مثل المراجيح ، فعند الإمام أحمد في المسند أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : (( تزوجني رسول الله () مُتوفى خديجة قبل مخرجه إلى المدينة بسنتين أو ثلاث وأنا بنت سبع سنين فلما قدمنا المدينة جاءتني نسوةٌ وأنا ألعب في أُرجوحة وأنا مجممة فذهبن بي فهيّأنني وصنعنني ثم أتين بي رسول الله () فبنى بي وأنا بنت تسع سنين )) ( ).
ومن ألعاب الأطفال التي كانت منتشرة في العصر الإسلامي الأول اللعب بصور البنات المجسمة ( العرايس) فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت : (( كنت ألعب بالبنات عند النبي () وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله إذا دخل يتقمعن منه فيسربهن إلى فيلعبن معي))( ).
وعند أبي داود أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ((قدم رسول الله () من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لُعَب ، فقال: ما هذا يا عائشة ؟ قالت : بناتي ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع فقال : ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت: فرس . قال : وما هذا الذي عليه ؟ قالت : جناحان. قال : فرس له جناحان! قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة . قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه))( )، ومن الألعاب الخاصة بالأطفال كذلك : المطاردة ، التدبيج، القفز ، الراية، الزحلوقة ، الكرة ، وفيها أنواع عديدة منها ما يشبه كرة القدم ، الغميضاء ( ).
ولاشك أن ما ذكر من مناشط ترويحية تُعد أصولاً للترويح، ويمكن أن ينبثق من كل منشط العشرات من الألعاب والمسابقات بأشكال وأنواع مختلفة تتناسب والوسائل الحديثة في وقتنا المعاصر طالما كانت منضبطة بالضوابط الشرعية التي تقدمت الإشارة إليها . وهذا ماتمَّ بالفعل ، حيث واصل المسلمون تطوير الكثير من هذه الممارسات الترويحية وفق تطور كل عصر يعيشونه .

للأعلى


الخاتمة
الخاتمة

انتهى هذا البحث إلى مشروعية الترويح في الإسلام ، بل قد يكون مطلوبا ومهماً في حياة الفرد ، كما يستطيع الفرد أن يحقق منه أقصى النتائج الإيجابية إذا تعامل معه وفق النظرة الشرعية للترويح ووفق الضوابط المتعددة التي حرص الإسلام على تلازمها مع أي ممارسة ترويحية ، فهناك ضوابط أساسية للترويح ، حيث ينبغي إلا يكون محرماً في ذاته أو يصاحبه محرم مثل: الترويح الذي يطال الآخرين منه : إيذاء ، أو استهزاء ، أو سخرية ، أو كذب، أو يصاحبه موسيقى أو معازف أو غناء ، أو تحريش بين البهائم . كما يوجد ضوابط أُخر تتعلق بالمشاركين في الترويح وضوابط في وقت الترويح ، ومكانه، وزيّه .
ومما خرج به البحث التأكيد على ضرورة انبثاق الترويح من عقيدة المجتمع ، فلقد فشلت كثير من البرامج الترويحية في البلاد المسلمة بسبب استيراد الكثير من المناشط الترويحية من البلاد الخارجية دونما مراعاة لخصوصية المجتمع المسلم .
و ثبت أن الرسول () كان يمارس الترويح بنفسه ، ويحث عليه كما تبين ذلك في العديد من الأحاديث الصحيحة ، كما كان صحابته ـ رضوان الله عليهم ـ يمارسون العملية الترويحية في حياتهم اليومية ، ولم تكن ممارسته () وصحابته لمجرد الترويح فحسب ، بل كان له أهداف محددة وسامية، التي من أبرزها :

* تعويد المجتمع المسلم على الحياة الجادة .
* تحقيق التآلف الأسري والمجتمعي .
* التودد إلى أفراد المجتمع المسلم .
* إظهار الفسحة في هذا الدين العظيم .
* إزالة ما قد يعتري المسلم من هموم.


ولقد تعددت الممارسات الترويحية في عصر الرسول () فهناك : المسابقة على الأقدام ، والمسابقة على الخيل والإبل ، والمصارعة ، والسباحة ، والرمي ، وحمل الأثقال ، والصيد بالسهام والكلاب . و هذه المناشط زاولها بعض الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ في حياتهم اليومية .
كما وجد في عصره () العاب اُخر خاصة بالأطفال مثل : العرايس ، والمراجيح ، والمسابقة بالأقدام . وكل هذه الممارسات أصول للترويح يمكن أن تنبثق منها العشرات من الممارسات الترويحية الأُخر طالما كانت منضبطة بالضوابط الشرعية.
هذا ما انتهيت إليه فإن أصبت فمن الله وحده ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان ، والله أعلم وصلى الله على نبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

والله الموفق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://pink1.ahlamontada.com/index.htm
ضحكة انثى
عضوة جديدة
عضوة جديدة
ضحكة انثى


انثى العمر : 26
الوطن : مصر
عدد الرسائل : 22
تاريخ التسجيل : 16/07/2010

ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!!   ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! Empty16/7/2010, 10:18 pm

يسلموو ياسوسو
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
nour_subry
عضوة فعالة
عضوة فعالة
nour_subry


انثى العمر : 29
المزاج : ملكش دعوة
الوطن : ام الدنيا مصر
عدد الرسائل : 69
تاريخ التسجيل : 07/02/2010
ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! U2y48840

ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!!   ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! Empty18/7/2010, 7:34 pm

هو انتى قريتى ولا عندك قوة خارقة وممكن تقرى كل دة فى 5 دقايق من غير ما تملى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شخابيط بنوتة
مديرهــ
مديرهــ
شخابيط بنوتة


انثى العمر : 24
المزاج : ممتاز جدا (*_*)
الوطن : مصر الحبيبة
عدد الرسائل : 1149
تاريخ التسجيل : 11/09/2008
ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! YEM48803

ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!!   ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! Empty19/7/2010, 12:02 pm

نوور ارجوك
روقي حبيبتي

يمكن تكون قراته في مدة طويلة بعض الشيئ
بس مين قال انها قراته في 5دقايق؟؟؟؟؟؟

وشكرا لايمان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://pink1.ahlamontada.com/index.htm
همسة عشق
عضوة فضية
عضوة فضية
همسة عشق


انثى العمر : 28
المزاج : عادى
الوطن : مصر
عدد الرسائل : 802
تاريخ التسجيل : 18/09/2008
ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! YEM48803

ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!!   ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! Empty19/7/2010, 1:30 pm

بجد الموضوع حلو اوى تسلم ايديكى
يارب يهدينا ويهدى المسلمين جميعا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
شخابيط بنوتة
مديرهــ
مديرهــ
شخابيط بنوتة


انثى العمر : 24
المزاج : ممتاز جدا (*_*)
الوطن : مصر الحبيبة
عدد الرسائل : 1149
تاريخ التسجيل : 11/09/2008
ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! YEM48803

ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!!   ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!! Empty19/7/2010, 9:15 pm

الشكر لايمان
ويارب يهدي الكل

وكلكم منورين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://pink1.ahlamontada.com/index.htm
 
ماذا تفعل فى اوقات الفراغ ليرضى عنك الله !!!!!
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شخابيط بنوتة :: ζ● آسـًـلآمـًيآآتـ..•≈ :: " دنيآ و دين «-
انتقل الى: